الجديد

هشام الحاجي: انتحارية شارع بورقيبة .. الارهاب يعود في مناخ سياسي "متهاوي"

كتب: هشام الحاجي 
يصعب ان تمر عملية ارهابية مهما كان وقعها دون ادانة صارمة و محاولة تحليل بعض ابعادها، و لا شك ان العملية التي كان شارع الحبيب بورقيبة مسرحا لها اليوم السبت 29 أكتوبر 2018 تدعو الى التوقف عندها، ومحاولة  تفكيكه بعض شفراتها،  هذه العملية التي نفذتها امرأة في مقتبل العمر و لم يسبق لمصالح الامن ان وضعتها ضمن المشتبه بانتمائهم او تعاطفهم مع الاطروحات الارهابية.
و لا شك ان “بدائية ” العملية و “محدودية نتائجها” و هو ما نتقبله بارتياح لا يعفي من ضرورة التعاطي معها في مستوى محاولة التحليل و قراءة ما رشح منها من اشارات. و من هذه الزاوية فان “بدائية ” العمل تمثل دليلا على تراجع التنظيمات الارهابية في مستوى التأطير و القدرة على تنفيذ العمليات و هو ما يحسب للمؤسسة الامنية و للمجتمع التونسي الذي استطاع تحقيق نجاحات ذات بال ضد الارهاب.
لكن هذه العملية تحمل ايضا رسالة مفادها ان القضاء على الارهاب يستدعي مزيدا من الجهد على جميع المستويات خاصة و ان هذه العملية تندرج ضمن ما يسمى في ادبيات الارهاب بعمليات “الذئاب المنفردة” و التي تعني ان التنظيمات الارهابية تركز حاليا على استقطاب افراد تعمد الى “شحنهم ” بثقافة كراهية الحياة و الناس و الذات لتدفعهم للتخلص من حياتهم من خلال “تفجير ” الاخرين.
و هنا من المهم التوقف عند “ملمح ” الارهابية التي اقدمت على تفجير نفسها، اذ لم تتجاوز الثلاثين من عمرها و تعاني من البطالة رغم انها تحمل شهادة عليا  و هو ما يدعو الى ضرورة التصدي لثقافة الاحباط من خلال العمل على انتهاج سياسات من شانها ان تحد من البطالة و تتصدى لكل اشكال التفاوت الاجتماعي المجحف.
لا يمكن باي حال من الاحوال تبرير الارهاب و لكن من المهم فهم اسبابه من اجل “تجفيف ” المنابع التي تغذيه. و هنا من الضروري في تقديري التخلي عن تعليق الارهاب على شماعة النظام السابق و الاكتفاء بالقول ان الارهابيين هم نتاج سياسات الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي التي جففت منابع التثقيف في الدين.
ان عملية اليوم تأكيد على اننا امام ظهور جيل جديد من الارهابيين و الارهابيات تشكل “وعيه” بعد 14 جانفي 2011 و هو وعي تغذى من الالتباس الواعي او اللاواعي بين الحرية و التسيب و من تحول دعم الارهاب خارج تونس الى توجه تبنته حركات سياسية و من تغييب كلي للثقافة السياسية الجادة التي حلت محلها الشعارات المفرغة من المحتوى الجاد و من نشر ثقافة الكراهية و العنصرية بعد اكسائها بقشرة دينية، هذا الى جانب ضعف تأثير اطر الانتماء و التكوين التقليدية كالعائلة و المدرسة.
و طالما لم تقع عملية القطيعة المعرفية مع السلفية و منطلقاتها فان الارهاب سيجد ارضية تساعده على البقاء لأنها تمنحه بعض مبررات الوجود و البقاء . و لا شك ان الطبقة السياسية تتحمل – و ان بدرجات متفاوتة – مسؤولية تفشي ثقافة الاحباط من خلال عجزها عن تجاوز الوضع الاقتصادي و الاجتماعي المتأزم،  الذي تعيشه تونس حاليا و الذي يضعف من قدرة المجتمع على التلاحم و التصدي لكل ما يهدد تماسكه او وجوده.
و يبدو ان الطبقة السياسية تظل مصرة من خلال ردود فعلها الاولية على ان لا تتخلى عن “منطقها ” الانقسامي و انخراطها في الجدل و المناكفة و هو ما سيزيد في “تهاويها ” في ظرف تمثل فيه عملية شارع الحبيب بورقيبة الارهابية رسالة على ان تونس على ابواب منعرج هام على جميع المستويات.
 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP