الجديد

راشد الغنوشي .. اختبارات بالجملة

منذر بالضيافي
كشف اعتصام كتلة الحزب الدستوري الحر، بقاعة الجلسات بمجلس نواب الشعب، عشية مناقشة مشروع ميزانية الدولة لسنة 2020 ،عن المتاعب التي تنتظر رئيس المجلس ورئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، في رئاسة برلمان مشتت وفسيفسائي، فضلا عن وجود تيار كبير رافض لرئاسة الغنوشي للبرلمان، ولعل عدد الأصوات (123 صوتا من مجموع 217) التي أوصلت الغنوشي لرئاسة قصر باردو تكشف عن ذلك.
فالرجل، ليس محل اجماع على غرار ما حصل مع سلفه في الدورة السابقة محمد الناصر، ولولا كتلة حزب “قلب تونس”، وتشتت بقية الكتل والأحزاب البرلمانية، لفشل “الشيخ” في الصعود للرئاسة.
ما حصل مع “الشيخ” في البرلمان،  لا يجب أن نعزله عن صورة الرجل خارجه، فهو يحتل في جل – ان لم نقل كل –  عمليات سبر الآراء، المركز الأخير في ترتيب السياسيين الذين يحضون بثقة التونسيين.
وهذا أمر يدركه جيدا، هو وكذلك اطارات ومناضلي حركة النهضة، وهو ما جعل الشيخ مورو ينصح رفيق دربه،  بعدم “المجازفة” بترأس البرلمان، ادراكا منه من أنه سيمس من “الصورة النمطية” ذات البعد الاعتباري للشيخ.
لكنه،  ضرب بالنصيحة عرض الحائط، واختار النزول للميدان، وتولي رئاسة أحد الرئاسات الثلاث، ليكون بذلك في “قلب السلطة”، على اعتبار وأن البرلمان، يعد حجر الزاوية في النظام السياسي الجديد، الذي أقره دستور ما بعد الثورة.
وبهذا اختار زعيم الحركة الاسلامية في تونس، الذي كان زاهدا في كل المناصب السياسية الخروج للعلن، وهو في الواقع أمر مطلوب في العمل السياسي، فعلى قادة الأحزاب المشاركة في الانتخابات، والخضوع لإرادة الصندوق ، الذي هو وحده من يعطيهم “الشرعية”.
لكن في حالة “الشيخ الخريجي”، يعد مجازفة تصل حد “المقامرة”، ولعل بداية أشغال البرلمان تؤيد ما ذهبنا اليه، فمن أول جلسة عامة بدأت المتاعب، التي وصلت حد الاعتصام في قاعة الجلسات وتعطيل سير العمل العادي للبرلمان، والتي صاحبها – وبعد مرور 6 ايام من الاعتصام- عجز من رئيس البرلمان ومكتبه عن ادارة الأزمة.
لعل هذا ما جعل المراقبين،  يرون أن الغنوشي تصرف وتعاطى، مع أزمة اعتصام كتلة الدستوري الحر ، لا كرئيس للبرلمان – من المفروض أن يكون فوق الصراعات ورئيسا لكل النواب – بل كرئيس لكتلة ولحزب، ما جعل الأزمة تكبر ككرة الثلج، وتتجاوز أسوار قصر باردو، وترمي بظلالها على مشهد سياسي يوصف بالهش والتشتت، ومشهد مجتمعي تغلب عليه كل مظاهر الانقسام، عادت لتخيم عليه أجواء 2012.
ما حصل في مجلس نواب الشعب، طرح سؤال مركزي ، حول استراتيجية الشيخ الغنوشي في مواجهة الأزمات، التي يتوقع أن تتالى خلال قادم الأيام، لتجعل الشيخ الثمانيني في مواجهة اختبار السلطة، لا يقل خطورة عن اختبار 2013 الذي كانت ضريبته الخروج من الحكم،
لكن هذه المرة يواجه هذا الاختبار، من موقع جديد مغاير وهو موقع الذي يتربع فوق أحد كراسي الحكم الرئيسية في البلاد، كرسي مجلس نواب الشعب، في برلمان تبين أن عدد كبير من نوابه يرفضون رئاسته له، وسيعملون بالليل والنهار ، وطيلة كامل العهدة البرلمانية،  على تصيد العثرات والأخطاء، من أجل لنفخ فيها بقصد ارباك رئاسته، على غرار ما حصل على خلفية “خصومة” بين نائبة نهضوية وكتلة الدستوري الحر.
رئاسة البرلمان، وان مكنت الشيخ من موقع متقدم ومهم في الحكم، الا أنها ومثلما أشرنا سابقا، ستزيد في متاعب “الشيخ” بالنظر لمسؤولياته الكثيرة، وللرهانات المتعددة التي تنتظره، التي تفترض منه التهيؤ لحسن ادارتها.
فهو الذي سيكون الحاكم الفعلي للقصبة ، بعد أن اختار واختارت حركته وزير أول لا رئيس حكومة، و لعل الابقاء على حالة الغموض في ما يتعلق بطبيعة العلاقة المستقبلية مع الرئيس قيس سعيد، سيكون ايضا محل “ازعاج للشيخ”، خصوصا وأن تسريبات موثوق منها ، تشير الى أنه لن يكون كما كان المنصف المرزوقي،  في زمن حكم الترويكا.
كما لا يجب أن نغفل، عما ينتظر الشيخ الغنوشي، داخل حركة النهضة،  عشية بداية الاعداد لمؤتمر ماي القادم، الذي بحسب النظام الداخلي الحالي، سينهي رئاسته للحركة ، التي استمرت منذ تأسيسها في نهاية سبعينات القرن الماضي، الى يوم الناس هذا.
فهل باستطاعة الشيخ الغنوشي استعادة براغماتيته المعهودة، في الخروج من الأزمات والمطبات، وذلك من خلال استناده الى قراءة واقعية لتداعيات الشأن الجاري داخليا وإقليميا، على استمرارية وفاعلية الحركة أولا وعلى البقاء في الحكم ثانيا.
وهو الذي اختار في أزمة 2013 الانحناء للعاصفة، و الاحتكام إلى السياسة باعتبارها “فن الممكن”. فتم القبول بمفاوضات مع المركزية النقابية حول المبادرة التي تقدمت بها لحلحلة الأزمة.
كما اختار استباق تطورات وتفاعلات الأزمة، ومضاعفاتها السلبية على حزبه وعلى مسار الانتقال السياسي، فأختار شق صفوف المعارضة والتحاور رأسا مع أهم فاعل سياسي، وذلك من خلال الالتقاء بزعيم المعارضة أنذاك ورئيس حركة “نداء تونس”  المرحوم الباجي قائد السبسي. الذي سبق وأن اتهمه بأنه من رموز “الثورة المضادة”.
وهو ما مكنه من تحقيق اختراق لجبهة المعارضة، في خطوة فاجأت الفاعلين في المشهد السياسي –بما في ذلك جماعته –، وحقق اختراقا مهما في الابقاء على استمرار المسار وتحقيق التعايش بين المختلفين الذي تحول الى “توافق” يحسب له – برغم المنجز الاقتصادي الضعيف – الابقاء على ما أصبح يعرف بالأنموذج التونسي في الانتقال الديمقراطي.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP