الجديد

حول وساطة جوهر بن مبارك والحبيب بوعجيلة

بقلم: خالد شوكات
ما يزال التونسيون يعاندون ويكابرون ويرفضون الاعتراف بأن ديمقراطيتهم الناشئة هي من نوع “الديمقراطية التوافقية” وليست من نوع “الديمقراطية التداولية”، وان نظامهم الانتخابي لا يمكن ان يقود الا الى مشهد برلماني على هذه الشاكلة الفسيفسائية التي تقود “حتما” الى تشكيل “حكومة ائتلافية”..
وفي الديمقراطيات التوافقية العريقة كهولندا وبلجيكا برزت منذ عقود وظيفة سياسية غير معروفة في الديمقراطيات التداولية التي نعرفها اكثر (فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة..الخ)، وهي وظيفة “الوسطاء” (formateurs ) حيث يعيّن شخص او اكثر من قبل رأس الدولة لمساعدة الأحزاب السياسية على صياغة برنامج حكم والتوصل الى تركيبة حكومية مناسبة، وعادة ما يكون هؤلاء الوسطاء اقرب في مرجعيتهم السياسية والفكرية الى الائتلاف الحكومي الممكن تشكيله، ويحظون بقدر من الثقة لدى الأحزاب التي يريدون التقريب بينها،
ولعل ديمقراطيتنا التوافقية الناشئة بصدد اكتشاف هذه الوظيفة (الضرورة)، اي وظيفة الوسطاء بالصدفة، وكم من صدفة تحولت الى تقليد وعرف، يكمِّل احيانا ما نقص في الدستور، ويتحوَّل تدريجيا الى ما يرتقي الى درجة القانون الدستوري، خصوصا اذا ما كانت هذه الوظيفة ستساعد على تجاوز أزمات وتوفير الوقت والجهد، خصوصا خلال هذه المراحل الانتقالية كالتي نعيشها، والتي تتسم بكثير من الشكوك والاحكام السلبية المسبقة والمخاوف لدى الأطراف السياسية المعنية، اغلبها ناتج عن التجارب الحكومية الائتلافية المتعثرة
وهنا علي ان أنوّه بشيء اكتشف بالصدفة ايضا، وتحوّل اليوم الى تقليد لا يمكن للحياة البرلمانية الاستغناء عنه، رغم ان الدستور وكذا القانون لم ينص عليه، الا وهو “لجنة التوافقات”، التي تشكلها الكتل البرلمانية على اختلافها لحسم تبايناتها وتقديم مسودة قانون للجلسة العامة تحظى بموافقة اكبر قدر من النواب، وساهم الجميع في صياغتها ويشعر الكل او الجل على الاقل بانه وضع بصمته فيها وتمثل جزء من برنامجه الانتخابي
السيدان جوهر بن مبارك والحبيب بوعجيلة، راكما خلال العقود الماضية تجارب سياسية ولديهما علاقات طيبة مع عدد من الأحزاب والتيارات السياسية، خصوصا المحسوبة منها على التيار الثوري، وهما حريصان على ان يقود هذا التيار الحكومة الجديدة، وبصرف النظر عن مشاركتنا لهما ذات الرأي او لا، فلا ارى اي وجاهة للاعتراض على دورهما، فنحن محتاجون الى مراجعة الكثير من أوجه سلوكنا السياسي والسعي الى احترام بعضنا البعض، دون ان يفقدنا ذلك الحق في المعارضة، معارضة الحكومة الجديدة او معارضتهما هما شخصيا فكريا وسياسيا.
وما يهمني شخصيا، هو ان تنجح تونس في تشكيل حكومة، وان تنجح الحكومة في تحقيق المنتظر منها، فنحن سنتقاسم النجاح كما الفشل في النهاية، وكلما غادرنا مربّع “الشخصنة” ساهمنا في قيادة بلادنا وديمقراطيتنا في الاتجاه الصحيح للتاريخ. أخيرا، اذا اكتشفنا ان لدينا حساسية مزمنة من كلمة “توافق” ومشتقاتها فما علينا بكل بساطة الا مراجعة دستورنا وقوانينا الانتخابية والدفع بنظامنا الديمقراطي الناشئ نحو “الديمقراطية التداولية”، وحينها فقط لن نكون بحاجة الى وساطة أحد في تأليف الحكومة وسائر مؤسسات الحكم، وسنعفي انفسنا من قيم وتقاليد راقية تفتخر شعوب أخرى متقدمة بأنها تحتكم إليها وتجد من خلالها حلولا لمشاكلها وأزماتها التي هي جزء من الاجتماع الإنساني ولا مبرر للمبالغة في الفزع منه.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP