الجديد

أي مستقبل للجمهورية الثانية..!؟

بقلم: خالد شوكات
قيل ان الزعيم السوفيتي نيكيتا خورتشوف سأل الرئيس الامريكي جون كينيدي لما التقاه في قمة فيينا سنة 1961، عن سرّ اناقة البدلات التي يرتديها، فكانت إجابته ان لكل إنسان مقاساته ولهذا فإن البدلة يجب ان تفصّل على قياس صاحبها حتى تبرز محاسنه وتخفي عيوبه، فتكون بالتالي اللباس اللائق والجميل، الذي يحقّق الغاية منه.
ولم اجد افضل من هذه الحكاية لتقريب الصورة على ما يجب ان تكون عليه “الأنظمة السياسية” بالنسبة للدول، فالأنظمة السياسية غير المناسبة لدولها كالبدلات غير المواتية لاصحابها، والعلة في هذا الامر عادة ما تعود الى سببين، إما ان يكون الخيّاط غشيماً لا يتقن صنعة الحكاية والتفصيل، أو ان تكون البدلة جاهزة لم تناسب مقاساتها من ارتداها،
وكذا حال النظام السياسي الذي اعتمده دستور الجمهورية التونسية الثانية وشكّل جزءا منه، فالدستور في مجمله وثيقة ممتازه، فهذا النظام قد ظهرت عيوبه سريعا، وتأكّد بما لا يدع مجالا للشك، انه لا يناسب الشخصية التونسية الجمعية، ولا يتفق مع متطلّبات المرحلة، فمثلما يكون لكل مرحلة نظام يواتيها لكل شعب نظام يواتيه،
ولن يكون العناد والتمسّك بهذا النظام سوى مضيعة للوقت والجهد والموارد، في وقت تبدو البلاد ومسارها في الانتقال الديمقراطي احوج ما يكون للوقت والجهد والموارد. ولا مبرر للربط العضوي بين الديمقراطية والنظام السياسي،
فالديمقراطية قد أنتجت في تجاربها المتعددة عبر التاريخ والجغرافيا عشرات النماذج في مجال الأنظمة السياسية، تماما كما أنتجت عشرات النماذج في مجال الأنظمة الانتخابية، وقد تلاءمت قيم الديمقراطية مع الجمهوريات والملكيات، وتوافقت مع الدول المركبة والبسيطة، واتفقت مع النسبي والمطلق، وطوَّرت قواعد “التداول” و”التوافق”،
ولهذا فان مراجعة النظام السياسي الحالي والعمل على توحيد السلطة التنفيذية وتقويتها لن يكون بالضرورة على حساب الطبيعة الديمقراطية للنظام، فديمقراطيتنا الناشئة في أمس الحاجة الى ان تنتج من نفسها نظاما قويًّا، والنظام القوي لا يعني بالضرورة النظام التسلطي او النظام الاستبدادي.
ولأننا قد قلّدنا فرنسا، او ورثنا عنها جلُّ انظمتنا القانونية، فان المثال الأقرب الذي يمكن ان نقرّب الصورة به، هو نظام الجمهورية الرابعة الذي نشأ مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، تحديدا سنة 1946، ولم يصمد الا اثنتى عشرة عاما، حيث سقط سنة 1958، ليفسح المجال لنشأة الجمهورية الخامسة بقيادة الجنرال شارل ديغول الذي استنجدت به النخبة السياسية الفرنسية،
وذلك حتى يقوم بانقاذ الجمهورية والديمقراطية معاً، وقد كانت المخاطر محدقة بهما لغرق النخبة السياسية في صراعاتها العدمية، وعجز مؤسسات الحكم على اتخاذ القرارات اللازمة التي تحتاجها اعادة البناء والتنمية، والظن ان ما تعانيه جمهوريتنا الثانية شبيه بما عانته جمهورية الفرنسيين الرابعة، تماما كما يقول بعضهم بأن بلادنا في حاجة الى قائد قوي وأمين ووطني وديمقراطي كما كان ديغول، يمنح السلطة التنفيذية الوحدة والقوة المطلوبة دون ان يتحول الى مستبد متسلط،
فتونس الديمقراطية مثلما يعتقدون بحاجة الى عشر سنوات (دورتين رئاسيتين) لكي ينمو اقتصادها بالشكل المطلوب وتطمئن الديمقراطية على مصيرها.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP