الجديد

الحدث الأبرز لعام 2019 في تونس .. رحيل الرئيس الباجي قايد السبسي

منذر بالضيافي
يعد رحيل الرئيس الباجي قايد السبسي الحدث الأبرز في تونس خلال سنة 2019، رحل “البجبوج” كما يحلو للتونسيين مناداته في الذكرى 62 لاعلان الجمهورية ( 25 جويلية 2019) ، رحيله كان محل اهتمام تونسي ودولي، وهو ما برز من خلال تناول وسائل الاعلام العربية والدولية لوفاته، وخاصة الجنازة التاريخية  التي أقيمت له، وحضرها عدد من زعماء العالم وعرفت مواكبة شعبية لا مثيل لها،  جنازة واكبها عدد من زعماء العالم فضلا عن حضور شعبي لافت، عبر من خلاله التونسيين عن حبهم للرجل ومكانته في قلوبهم .
ودع التونسيون  في جويلية 2019 محمد الباجي قايد السبسي، وهو أول رئيس للبلاد ينتخب ديمقراطيا.
كما أنه سياسي مخضرم، أكسبته مسيرته السياسية الطويلة الكثير من الخبرة والتجربة. وينظر له من عملوا بجانبه كسياسي يمتاز بـ”الذكاء السياسي الحاد والبراغماتية الاستثنائية”.
وعرف أيضا بمواقفه المتقدمة في حماية الدولة والثورة بعد ثورة 14 جانفي 2011 لما عاد بعد عشريتين من التقاعد السياسي ليكون على موعد مع سياق مجتمعي وسياسي مستجد وهو المحسوب على النظام القديم الذي قامت عليه الثورة، ليكسب الرهان ويتحول الى “أب الانتقال الديمقراطي” في تونس.
شغل الرئيس التونسي الراحل محمد الباجي قايد السبسي  عدة مناصب في الدولة، وهو سياسي مخضرم عايش أكثر من جيل في حياته كسياسي ورجل دولة. ويعد أول رئيس انتخب ديمقراطيا في 2014 عقب ثلاث سنوات على الثورة.
ولد السبسي لعائلة تونسية في 29 نوفمبر 1926 في “سيدي بوسعيد” الضاحية الشمالية للعاصمة تونس، وتابع تعليمه العالي بكلية الحقوق بباريس في فرنسا قبل أن يمتهن المحاماة.
 
السياسي “الذكي والبراغماتي
 
عاد إلى السياسية بعيد الثورة التي أطاحت في 14 جانفي 2011 بنظام بن علي، إذ عينه الرئيس الانتقالي فؤاد المبزع رئيسا للحكومة في 27 مارس  من العام نفسه في مستهل مرحلة الانتقال ديمقراطي.
ويعد من السياسيين التونسيين الذين عرفوا بـ ”الذكاء السياسي الحاد والبراغماتية الاستثنائية” كما يقول أحد المقربين منه عمل إلى جانبه لفترات طويلة.
عاد  الباجي قائد السبسي، بعد عشريتين من “التقاعد السياسي”، ليتصدر المشهد الوطني من جديد، من خلال قيادة تجربة انتقال سياسي نحو الديمقراطية، عاد “السياسي المخضرم”، الذي عاش كل مراحل تاريخ تونس الحديث، من التحرر الوطني، إلى بناء الدولة الحديثة، الى ثورة الحرية والكرامة، في 14 جانفي 2011.
عاد “الشيخ التسعيني” في مرحلة توصف بكونها “فارقة”، ضمن سياق ما يعرف ب “الحالة الثورية”، تمت الاستعانة بخبرته وبمعرفته بالمجتمع والدولة و “بشرعيته الوطنية” و “قابلية” قطاع واسع من التونسيين للإرث التحديثي للزعيم الحبيب بورقيبة، الذي يعد العائد من بعيد من أبرز ممثليه.
كل هذه العناصر مجتمعة، فضلا عن تقدمه في السن، بما يجعل منه زاهدا في الاستمرار في الحكم، وفق ما تصور من هندس لهذه العودة، وهو ما كذبته الأحداث، حيث افتتحت شهية الرجل على الحكم ليستمر أكثر مما خطط له.
عاد الرجل، الذي قالها صراحة: “أن السياسي لا يتقاعد”، لإدارة مرحلة انتقالية استثنائية، في موقع وزير أول، ليحقق حلم حرمه منه “أستاذه” بورقيبة فهو ليس من يستكمل الشروط الواجب توفرها، وعلى رأسها أن يكون “مستيري”.
أخيرا شاءت الأقدار أن يجلس على كرسي الحكم بالقصبة كوزير أول بصلاحيات رئيس حكومة، طلب منه إعداد البلاد لاستحقاق انتخابي، تكون مهمته التأسيس للجمهورية الثانية، مثلما أراد ذلك شباب الثورة في اعتصامي القصبة 1 والقصبة 2، الذين رأوا في استمرار محمد الغنوشي الوزير الأول لبن علي، خيانة للثورة بل سرقة لها، وهو الشعار الذي رفعه المعتصمون أمام قصر الحكومة، فكان لهم ما أرادوا، ومهدوا بل عبدوا الطريق لعودة الورقيبية التي أنقلب عليها منذ أكثر من ربع قرن.
 
السبسي رجل دولة
 
يمتلك الباجي قائد السبسي خبرة سياسية واسعة، مكنته من نيل منصب رئيس حكومة انتقالي في 2011 في فترة حساسة تمر بها البلاد آنذاك. وتمكن من الوصول بها إلى انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، التي فازت بها “حركة النهضة” الإسلامية.
أسس الباجي حزب “نداء تونس” في 2012 ودخل به الانتخابات على قاعدة مناهضة للإسلاميين. وتمكن من الفوز بغالبية مقاعد البرلمان آنذاك وبرئاسة الجمهورية، وأعلن في وقت لاحق دخوله في تحالف وتوافق سياسي مع النهضة على الحكم.
وضم هذا الحزب يساريين ونقابيين وأيضا منتمين سابقين لحزب “التجمع” الحاكم في عهد الرئيس المخلوع بن علي، والذي تم حله بقرار قضائي بعد الثورة.
وأصبح قائد السبسي أول رئيس لتونس منتخب ديمقراطيا، بعد فوزه في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التي أجريت في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، على منافسه الرئيس المنتهية ولايته محمد المنصف المرزوقي. وقد حصل حينذاك على نسبة 55,68 بالمئة من الأصوات مقابل 44,32 بالمئة للمرزوقي.
وجهت له في السنوات الأخيرة من عهدته الانتخابية انتقادات حول محاولته “توريث” السلطة لنجله حافظ قائد السبسي، ولكنه كثيرا ما كان ينفي ذلك.
واصل الباجي العمل على قاعدة التوافق السياسي مع حزب النهضة إلى حدود خريف 2018، ليعلن في موقف هز المشهد السياسي “نهاية التوافق”، بعد أن رفض الحزب الإسلامي تغيير رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، وتشبث في المحافظة عليه على عكس رغبة الباجي.
 
الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، هو آخر “السياسيين التقليديين”، لا في تونس فقط بل في العالم، فمثلما انتهي زمن “المثقف القطب” (العلامة الجامع) لصالح “المثقف الخبير” (المرتبط بالنجاعة وبثقافة السوق)، فان السياسي “الزعيم” في طريقه للانقراض، ولعل صعود دونالد ترامب في الولايات المتحد الأمريكية، هو أكبر دليل على ما أقول.
نحن اليوم ندشن، زمن سياسي جديد، انتهت فيه “الزعامة” التقليدية، كما تشكلت في مخيال جيلي والأجيال التي سبقتني، لصالح ما أصبح يطلق عليه بالادارة السياسية، وهي في الواقع أقرب الى تصريف للشأن السياسي، “فالسياسي المحترف” ترك مكانه “للسياسي الموظف”، الذي تشاركه في الادارة والتسيير والاختيارات والسياسات “جهات” و”مراكز نفوذ” و”زمر ضغط”، يتحول معها “الرئيس” أو “الحاكم”، الى مجرد “عون تنفيذ”.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP