الجديد

بعد تفجير شارع بورقيبة .. مزيد من الانقسام السياسي والاستقطاب الايديولوجي

كتب: منذر بالضيافي
برغم أن الخسارة المادية والبشرية خاصة لم تتحقق، على غرار الضربات الارهابية التي حصلت في المدن وكانت موجعة، مثل الهجومين اللذان استهدفا متحف باردو وحافة الأمن الرئاسي خلال سنة 2015، الا ان تكلفة العملية الانتحارية، التي أقدمت عليها بنت الثلاثين، يوم الاثنين 29 أكتوبر 2018، ستكون باهظة سياسيا، ولا يستبعد أن تزيد في اطالة أمد الأزمة.
اذ أنه من المتوقع أن تساهم في مزيد ارباك المشهد العام في البلاد الذي هو مرتبك أصلا، بفعل تمدد الأزمة السياسية، التي تعقدت وأخذت منحى خطير، خلال الخمسة أشهر الأخيرة، بعد أن تحولت الى صراع مفتوح ومباشر، بين رأسي السلطة التنفيذية، بين رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد. أزمة أربكت مؤسسات الدولة، كما خلفت حيرة وقلق مجتمعي كبيرين.
ردود الأفعال الأولية للفاعلين السياسيين الرئيسيين، خاصة تلك التي أعلنها الرئيس السبسي من برلين الألمانية كشفت عن كونها ستزيد في تعميق حالة الانقسام السياسي والاستقطاب الايديولوجي التي ميزت الحياة السياسية والاعلامية، خلال كامل الفترة التي سبقت عملية شارع بورقيبة الارهابية، والتي انطلقت مع اعلان الرئيس الباجي قايد السبسي، في حوار التلفزي الأخير (24 سبتمبر 2018)عن نهاية “التوافق” بينه وبين “النهضة” الاسلامية، والتي تعمقت أكثر مع اعلان هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي، عن وجود تنظيم سري لحركة النهضة تتهمه بالتورط في الاغتيالات السياسية.
بالعودة لحوار الرئيس التلفزي الأخير، نشير أيضا الى أنه لمح فيه الى “التبرأ”  من رئيس الحكومة الحالي، الذي خيره مرة أخرى، بين الاستقالة أو الذهاب للبرلمان، واعتبار حكومته “حكومة النهضة”، مغذيا بذلك الاستقطاب الايديولوجي، ومعلنا عن مسافة نقدية من ممارسة الحكم الحالية بقيادة يوسف الشاهد.
وهو ما أشار اليه الرئيس السبسي بكل “وضوح” في تصريحه الأخير عقب العملية الانتحارية، و الذي عبر فيه عن عدم رضى على ادارة شؤون البلاد، وورد التصريح بأسلوب نقدي شديد، وفيه تحميل جلي للمسؤولية لحكومة الشاهد ولمن يدعمها. حيث قال الرئيس الباجي قايد السبسي، إن التفجير الانتحاري الذي وقع في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس، “ذكّر التونسيين بأن لديهم مشاكل أخرى”.. واعتبر أن المناخ السياسي في تونس سيء مضيفا: “نحن منشغلون بزيد وعمر ومن يظل في الكرسي ومن يذهب والأحزاب ولكن هذه ليست مشاكل تونس”.
و أضاف الرئيس السبسي: “ظننا أننا انتهينا من مكافحة الإرهاب في المدن وما زالت فقط في الجبال لكن العملية أثبتت غير ذلك”، وتابع قائلا: “ظننا أننا قضينا على الإرهاب لكن في الحقيقة نرجو من الله ألا يقضي علينا”.، وان عبر الكثيرون عن رفضهم لهذا التصريح، الذي أعتبر بمثابة “خطأ اتصالي”، فان الذين يعرفون الرجل يدركون أنه يوجه رسالة لطرف سياسي بعينه، تأكيدا لتثبيت خيار نهاية “التوافق” وبداية مرحلة جديدة، عبرت عنها بيانات “نداء تونس” الأخيرة، الذي لا يستبعد أنها كانت محل تنسيق و “تشاور” مع الرئيس
بالنظر الى السياق السياسي الذي أتت فيه العملية الانتحارية فإنها ستكون عامل اضافي في مزيد تغذية حالة الانقسام السياسي والاستقطاب الايديولوجي التي برزت على السطح منذ اعلان الرئيس السبسي عن نهاية التوافق بين حزبي “نداء تونس” وحركة “النهضة” الاسلامية، مثلما سبق وأن اشرنا اليه.
هذا التوافق، برغم انه لم يكن له منجزا اقتصاديا او اجتماعيا، فضلا عن تفجر ازمة سياسية في زمنه، أزمة اربكت المجتمع وعطلت مؤسسات الحكم، الا انه مع ذلك وفر حد ادنى من الاستقرار السياسي والامني، في مناخ اجتماعي محتقن، وفي مشهد اقليمي ودولي مضطرب وغير مستقر.
خصوم النهضة تحركوا بعد عملية شارع بورقيبة “الانتحارية” لا  لاحراجها أكثر فقط بل لوضعها في الزاوية، والنفخ في منسوب الاستقطاب الايديولوجي، عبر توجيه الاتهامات اليها ، وهي اتهامات في الواقع  تتصاعد وتيرتها و تعود مع كل عملية ارهابية، اتهامات تحمل الاسلاميين وتحديدا حركة “النهضة” مسؤولية انتشار التيار السلفي المتشدد وأن هذا التيار هو رصيد تحت تصرف الحركة. فضلا عن تزامن هذه العملية الارهابية مع تصاعد نسق وتيرة الاتهامات بوجود جهاز تنظيم سري للنهضة، تحمله القوى اليسارية مسؤولية الاغتيالات السياسية التي حصلت زمن حكم النهضة.
كما لابد من الاشارة الى وجود تخوفات برزت للسطح خلال الاشهر الاخيرة من هيمنة الاسلاميين على المشهد السياسي، تخوفات زاد الخطاب الاستعراضي لرئيس النهضة راشد الغنوشي في نهاية الأسبوع الفارط في تأكيدها، والتي وجدت رواجا لها بعد تعمق الاختلال  في المشهد السياسي والحزبي خاصة، أشهر فقط قبل تنظيم الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والتشريعية المقررة خلال سنة 2019. وهو ما جعل قطاع مهم من النخب يعود للتنبيه من خطورة تمدد الاسلام السياسي و”غزوه” لمؤسسات واجهزة الدولة، وهي تخوفات زادت الممارسة السياسية والاتصالية الاستعراضية لحركة النهضة في تعميقها.
مما تقدم يتوقع أن يكون للتفجير الانتحاري الأخير تأثير وتداعيات على رؤية رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في التعاطي مع المشهد عموما ومع الترتيبات السابقة لحادثة شارع بورقيبة في ما يتعلق بالتحوير الوزاري، الذي كثر الحديث عنه، وتم تقديمه كحل للخروج من الأزمة، وخاصة تجديد شرعية رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، وذلك بعد مطالبات ملحة له بالذهاب للبرلمان.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP