الجديد

بعد 9 سنوات من الثورة.. خيبة أمل كبيرة، تشكيك في الثورة ومنجزاتها وخوف من المستقبل

تونس- التونسيون
تحيي تونس اليوم الثلاثاء 14 جانفي 2020، الذكرى التاسعة لثورة 14 جانفي2011، في مشهد تغلب عليه مظاهر القلق، والخوف من انزلاق الأوضاع نحو حالة من عدم الاستقرار، على غرار ما حصل في بعض دول “الربيع العربي” مثل سوريا وليبيا، إذ إن هناك إجماعاً داخل تونس وخارجها، على أن الاستقرار الحالي هشّ، نظرا لتعمق الأزمة الاقتصادية التي يتوقع أن تكون لها تداعيات تربك الأوضاع في مناخ اقليمي مضطرب ( الأزمة الليبية).
يجري هذا، في ظل استمرار الأزمة السياسية ، التي تنذر بالتحول لأزمة حكم، وعلى خلاف ما كان متوقعا من حصول انفراج بعد انتخابات 2019 الرئاسية والتشريعية، فان الحالة السياسية ازدادت تعقيدا، ما جعل من الاستحقاق الانتخابي الأخير،  يتحول من “فرصة” الى “مأزق”، اذ بدأنا نلاحظ أن البلاد أصبحت عصية على الحكم، خاصة بعد  صعود التيارات “المتشددة”  و”الشعبوية” التي وصلت للبرلمان وللرئاسة.

فشل الجديد .. و تطلع لعودة القديم

يوجد شبه اجماع لدى المحللين للمشهد التونسي اليوم، على أن التونسي لم يشعر بعد 9 سنوات بأن أوضاعه المعيشية تتحسن، بل على خلاف ذلك فإنها ازدادت سوءا، و أن “النخبة السياسية” التي جاءت بعد 14 يناير 2011 فشلت في إدارة البلاد وفي تقديم الحلول.

ويشير ثابت إلى أن هذا ما يفسر تصاعد الشبوية وكذلك الحنين لعودة  النظام القديم الذي قامت عليه الثورة إلى الواجهة، الذي برز من خلال وجود مطلب شعبي – وان كان ما زال لم يعبر عن نفسه بجرأة – لضرورة استدعاء رجالات ورموز ما قبل الثورة لانقاذ البلاد من الأوضاع التي الت اليها.
زهنا يستدل أصحاب هذا الرأي بالدور المهم الذي لعبه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في حماية الثورة والدولة معا خلال فترة فارقة من تاريخ تونس، بفضل التجربة السياسية والمعرفة بالدولة وكذلك العلاقات الدولية مع الخارج، الذي دعم ووقف لجانب مسار الانتقال الديمقراطي، ولعل مثل هذه الدعوات قد تصبح ملحة في ظل الاجماع الحاصل اليوم عالى أن البلاد تسير نحو المجهول.
ما يفسر خيبة الأمل الكبيرة،  أن الذكرى الـ9 للثورة، لم تعرف مظاهر احتفالية تذكر، باستثناء تظاهرة يتيمة في سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر 2019 بمناسبة ذكرى انطلاقة الثورة ، في مهد الثورة، المدينة التي أقدم فيها محمد البوعزيزي، على حرق نفسه في 17 ديسمبر 2010، لتنطلق بعدها أحداث واضطرابات واسعة، شملت جل المدن والمحافظات التونسية، انتهت بهروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 14 جانفي 2011.

خيبة أمل شعبية

يشير غياب البعد الاحتفالي عشية هذا الحدث الهام، الذي تجاوزت تداعياته تونس وأدخلت كامل المنطقة العربية في حراك ثوري، يعود إلى حصول خيبة في الشارع التونسي.
خيبة أمل من آمال وانتظارات علقها على الثورة لتغيير واقعه، الذي يجمع المراقبون على أنه ازداد سوءا.  فحت النجاحات التي تحققت في الجانب السياسي، من خلال تنظيم انتخابات ديمقراطية ووجود تداول سلمي على السلطة وهو جوهر الممارسة الديمقراطية، اصبحت مهددة.
وذلك بسبب وجود فشل ذريع في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، فالحكومات التي تداولت على الحكم بعد الثورة لم يكن لها برامج وتصورات خاصة في ما يتعلق بوضع منوال تنمية جديد، وهذا ما يفسر انزلاق البلاد نحو أزمة اقتصادية كان لها انعكاس اجتماعي سلبي، تمثل في عودة الحراك الاحتجاجي، الذي يتوقع أن يرتفع منسوبه في ظل غياب الحلول .
من هنا يتفهم الجميع وجود حالة يأس وإحباط أو انكسار لدى قطاع كبير من التونسيين، ما دفع الكثير منهم إلى التشكيك في الثورة أصلا معتبرين أنها “مغامرة” قامت بها قوى خارجية، ولم تكن تعبر عن مطلب مجتمعي داخلي.
في المقابل هناك من يزال يتمسك بأن ما حصل ثورة، وأن الحراك الثوري سوف يستمر حتى تحقيق وعوده.

حراك ثوري مستمر

بعد 9 سنوات، بقيت الآمال معلقة، كما تراجع حتى الحق في الحلم، لكن مع ذلك فإن هناك وعياً صامداً بأنه لا يجب الانسياق وراء دعوات تروج لشيطنة التغيير والحنين إلى إعادة إنتاج ما قبل الثورة.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن التحولات الكبرى في تاريخ الشعوب لا تتحقق بقرار بل هي مسار وصيرورة.
وبرأيهم فإن المهم هو الإبقاء على روح الثورة، من خلال اليقظة المستمرة لكل ما من شأنه أن يساعد على الردة إلى الوراء، معتبرين أن التأسيس مهمة شاقة وليس في مأمن من الانتكاسات، التي تقودها قوى ترفض التغيير وتعاديه، لأنه في النقيض مع مصالحها.
و برغم الانتكاسات والتراجعات فإن البعض ما زال يعتبر أن مسار الثورة التونسية لا يزال محافظا على الحد الأدنى الثوري، وهو معطى مستمد من التجربة التاريخية للثورات.
من ذلك مثلا أن  الثورة الفرنسية عرفت الصراعات السياسية والأيديولوجية، كما عرفت صعود العسكر وعودة الملكية القديمة وكذلك محن اقتصادية ومجاعات وأوبئة نجد وقائعها في الكتاب الشهير لفيكتور هوغو “البؤساء”،
ولكن اتضح بعد ذلك أن الثورة كانت تحفر أعمق من النظام السابق لأنها تحفر مجرى جديدا في أفق التاريخ حيث الثورة أقوى من إرادة رموز الأنظمة القديمة لذلك فقد تغيرت فرنسا والعالم إلى الأبد وظهرت الحداثة القيمية والسياسية كأفق وحيد للتاريخ.
و يتمسك أصحاب هذا الرأي بأن الثورة التونسية أيضا غيرت وستغير المنطقة العربية الإسلامية نحو تكريس الحرية.

قلق جماعي وخوف من القادم

إن السمة الغالبة على المشهد التونسي بعد 9 سنوات من الثورة، هي وجود حالة قلق تكاد تكون عامة وشاملة، أحزاب قلقة، مسجد قلق، منظمات قلقة.
هذا القلق يتغذى من غياب رؤية واضحة لإدارة البلاد، ومواجهة مشاكلها التي أصبحت مستعصية، وتهدد وحدة المجتمع واستمرار كيان الدولة.
إلى جانب تواصل مخاوف الخطر الإرهابي، الذي أربك الوضع وفرض على التونسيين التعايش معه، من دون أن ننسى أنه ضرب النشاط الاقتصادي، ما جعل نسبة النمو تتدحرج إلى أقل من واحد بالمائة.
وهذا ما أدخل البلاد، في أتون أزمة اجتماعية تعد بمثابة قنبلة موقوتة تهدد الأخضر واليابس، وتمثل خطرا محدقا يهدد مسار الانتقال الديمقراطي الناجح إلى حد الآن، برغم أنه يبقى مساراً هشاً ومهدداً بالانتكاس.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP