الجديد

"حكومة الرئيس" .. لا "حكومة الانتخابات"

خديجة زروق
تعيش تونس منذ الانتخابات الرئاسية و التشريعية الأخيرة وضعا سياسيا أقل ما يقال أنه يطرح عدة تساؤلات. فقد استعمل عدد من المترشحين للاستحقاقين سردية الثورة، من اجل كسب الأصوات و “التبشير ” بالعودة إلى لحظة النقاء الثوري.
هذا الخطاب مكن قيس سعيد من الفوز في الانتخابات الرئاسية و لكنه لم يكن حاسما في الانتخابات التشريعية بالشكل الكافي. و عوض أن يكون تحقيق أهداف الثورة دافعا ايجابيا لتفعيل المؤسسات و إلى إصلاح ما برز من سلبيات،  فقد تحول إلى ما يشبه المدعاة للمساس بأهداف الثورة، و لتدمير مؤسسات الدولة الهشة.
ذلك أن غموضا ما انفك يتضخم حول الأهداف الحقيقية للثورة، في ظل تنامي منطق سلفي التوجه، يغفل الجوانب الاجتماعية و التنويرية التي تهدف الثورة إلى تحقيقها، و في ظل “التلاعب ” بقناة التواصل الوحيدة بين “الثورة ” و “الدولة “، و التي تتجسد في الإرادة الشعبية،  التي تعكسها النصوص المنظمة للنسق السياسي، و للانتخابات الحرة و النزيهة.
هذا الالتفاف ذي العواقب الوخيمة تجسد في ترك نتائج الانتخابات التشريعية جانبا و ابتعاد الحزب الفائز عن الاضطلاع بدوره في تشكيل الحكومة،  و هو ما أفشل المحاولة الاولى بما فتح الباب أمام “انقلاب صريح” على الإرادة الشعبية،  من خلال تكليف إلياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة الجديدة، و هو الذي ينتمي لحزب لا تمثيلية برلمانية له.
من جهته لا يترك رئيس الجمهورية قيس سعيد فرصة تمر دون استهداف الثورة و المؤسسات و الدستور.
فقد اعتبر أن الثورة قد وقع اجهاضها يوم 14جانفي 2011 و أن الدستور كتبه الشباب على الجدران، في استخفاف غير مسبوق بالدستور و زاد في وضع السكين على جرح الأحزاب المرتبكة،  من خلال اختيار إلياس الفخفاخ الذي فشل حزبه في التشريعية وفشل هو في الرئاسية أي بلا وزن شعبي،  ومع ذلك قد ينجح في الحصول على ثقة البرلمان نتيجة تخوف النواب من إمكانية حل البرلمان.
و لكنه لن يشكل حزاما سياسيا واسعا خاصة و أن بدايات مشاوراته كشفت خضوعا لمنطق الانتماء الحزبي الضيق. ما يجعل منه – حتى بعد نيل الثقة- محسوب على الرئيس وحكومته هي “حكومة الرئيس” حتى وان “تملص” من ذلك.
يذكر انه في خطاب التكليف عمد الرئيس الى “التملص” من تداعيات التكليف مؤكدا أكد على أن اختياره للفخفاخ يأتي “احتراما لإرادة الناخبين والناخبات في الانتخابات التشريعية، واحتراما للمقترحات التي تقدمت بها الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية في المراسلات التي قاموا بتوجيهها، فإن الحكومة التي سيتم تشكيلها لن تكون حكومة رئيس الجمهورية بل هي التي سيمنحها مجلس نواب الشعب الثقة، فعدد غير قليل من أعضاء المجلس النيابي هم الذين اقترحوا اسم رئيس الحكومة، والكلمة الفصل هي للمجلس وحده عند عرض الحكومة بكامل أعضائها على الجلسة العامة”.
ما تعيشه تونس اليوم هو قضم ممنهج لمنطق الدولة و عجز عن تحقيق أهداف الثورة وصراع بين “ارادات” و “أجندات” مختلفة و هو ما يجعل الوضع هشا و خطيرا ومفتوحا على المجهول.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP