الجديد

"نداء تونس" .. الرجل المريض

بقلم: عبد الواحد اليحياوي
يعتبر حزب نداء تونس من منظور التاريخ السياسي ظاهرة حقيقية سواء من حيث الانتشار السريع او الانهيار الأسرع ،الانتشار الذي سمح له بالفوز في الانتخابات التشريعية والرئاسية بعد عامين فقط من تأسيسه ،والانهيار الذي يجعله اليوم على هامش الحكم ( وهو ما برز من مشاورات التحوير الوزاري) رغم انه نظريا لا يزال الحزب الفائز بآخر انتخابات، وهي ظاهرة حزبية غريبة ومفارقية في تاريخ الانظمة السياسية.
يربط كثير من المحللين السياسيين صعود الحزب بشخصية مؤسسه الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي وسقوطه بشخصية ابنه حافظ قايد السبسي الطامح الى وراثة ابيه دون امكانيات سياسية حقيقية ولكن الظاهرة اعقد من ذلك دون شك، فالحزب الذي تصدر عمليات سبر الآراء حتى قبل ان يتأسس فعليا عبر عن حاجة سياسية في تلك اللحظة هي أساسا انشاء حزب سياسي قادر على منافسة حركة النهضة باعتبارها الممثل الحزبي الأساسي للإسلام السياسي.
ولم يكن ذلك ممكنا الا بحركة سياسية ذات خلفية فكرية قادرة على ذلك فكان الخط الوطني هو الحل عبر اعادة انتاج التجربة التاريخية لبورقيبة كتمثل لدولة الاستقلال الوطني، وكان الباجي الوسيط بين المشروع السياسي الجديد والحقبة البورقيبية باعتباره امتدادا لها ووريثا رمزيا لبورقيبة.
وهو ما تم الاشتغال عليه ضمن حزب يتمتع بإمكانيات مالية واعلامية مهولة وفرتها له أساسا شبكات تبادل المنافع التي كان النظام السابق ممثلا لمصالحها، وايضا كل المعارضين للإسلام السياسي الذي قاد تونس بداية من اكتوبر 2011باخفاقات سياسية واقتصادية فادحة.
أتيحت لنداء تونس ظروف موضوعية وذاتية جعلت منه الحزب الأول في البلاد في زمن وجيز، ولكن ذلك الانتشار السريع جلب اليه منخرطين ومساندين من تيارات فكرية وسياسية مختلفة ،ومن فئات اجتماعية متناقضة المصالح الى جانب شخصيات انتهازية مهمومة بالحكم مما جعل الحزب منذ البداية فسيفساء حاملة لتناضات عديدة ان لم نقل حاملة لبذور التفكك وحتى الانهيار.
استفاد الحزب الذي تأسس على فكرة العداء للتيار الإسلامي من وضع استقطابي تجاه هذا المكون السياسي الذي كان يعاني رفضا اجتماعيا وايديولوجيا شديدا ليفوز بالانتخابات البرلمانية والرئاسية ولكن نتائج الانتخابات التي لم تكن حاسمة وضعت النداء امام امتحان اسطورته المؤسسة فكان التحالف مع اسلاميي حركة النهضة اول فشل في اختبار الضدية الذي جلب له اغلب منخرطيه و ناخيبيه، و الأسوأ من كل هذا اندلاع الخلافات بين مؤسسيه على غنائم سلطة انتخابات 2014،ثم الصراع على الحزب نفسه كآلة انتخابية استباقا لانتخابات 2019 خاصة وان كبر سن الرئيس ومرضه فتح باب الصراع على رئاسة الدولة باكرا.
بقطع النظر على الدور الذي لعبه ابن الرئيس حافظ قايد السبسي، او رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي جيء به ليلعب دور الموظف لدى الرئاسة فتمرد على الدور الموكول له، فإن تفكك نداء تونس يعتبر نتيجة طبيعية لبنيته التكوينية من حيث هو لقاء بين مكونات متناقضة فكريا وسياسيا وذاتيا ،ومن حيث هو بنية مبنية على الضدية مع حركة النهضة وهي الضدية التي بعد ان كانت الدافع الى وحدة عناصر بنية الحزب اصبحت خلفية الصراع داخله حيث اصبح الجميع يخوض معارك التموقع داخل الحزب بعنوان الموقف من النهضة. رغم ان هذه الخلفية فقدت كل مصداقية بمجرد تحالف حركتي نداء تونس والنهضة منذ حكومة الحبيب الصيد الأولى.
يتجه نداء تونس الى الموت السياسي دون ان يخلف ورائه اي ميراث رمزي او سياسي، اذ تقتصر تركته السياسية على كتلة برلمانية تتأرجح بين ابن الرئيس ورئيس الحكومة المتمرد واعداد هائلة من الناخبين بدأت أحزاب عدة في التنافس عليهم في افق انتخابات 2019 القريبة والحاسمة.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP