الجديد

برلمان تونس والتّزوير الديمقراطي

محمد صالح مجيّد
هل أمسى قدر التونسيين أن يعيشوا على وقع التزوير كلّما هبّوا إلى استحقاق انتخابي؟ على مدى نصف قرن ظلّت الانتخابات في عيون التونسيين علامة مشوّشة من علامات الحكم مفعولها لا يتجاوز يوما يتيما يدعى فيه الناس إلى كرنفال احتفاليّ لينسحبوا تاركين الفضاء الرّحب لأناس عرفوا كيف يتلوّنون ويرسلون خطابات مقنعة في لحظتها.
وإذا كان الجيل القديم قد عرف ألوانا من التزوير تنطلق ما قبل الانتخاب وتحتدم أثناءه, على شاكلة “لا إمساك ولا تشطيب” عند الاستفتاء على شرعيّة الرئيس “بورقيبة” رئيسا أوحد مدى الحياة ،أو نوادر فتح الصناديق في مقرّات السّيادة ،وتغيير النتائج بما يستجيب لما حدّدته القيادة المركزيّة زمن الجنرال، فإنّ الجيل الجديد الذي شارك في الانتخابات لأوّل مرّة بعد سقوط النظام السابق ، عرف تزويرا جديدا جرى ما بعد الانتخاب وهو أقرب إلى البدعة الثوريّة التي جاءت بها نسائم الديمقراطيّة.
ففي تونس المحروسة بأعظم دستور في العالم !!! ينتخب الشعب نوّابا منتمين إلى أحزاب أو مستقلّين وتتشكّل تحت قبّة البرلمان كتل تعكس إرادة الناخب. ثمّ ينقلب بعض النوّاب على اختيارات النّاس لينخرطوا في سياحة حزبيّة حقّرت العمل السياسي وجعلت الناس تفقد الأمل في تخلّص بعض النخب السياسيّة من الانتهازيّة التي تعتبر شعار العمل السياسيّ الغالب في تونس وما جاورها.
لقد انطلقت أشغال مجلس النواب المنبثق عن انتحابات 2014 بأسبقية غير مريحة لحزب نداء تونس، تليه حركة النهضة ثم تأتي بقيّة الكتل بنسب متفاوتة. وما أن انطلق المجلس في أعماله حتى بدأت شظايا شقوق الحزب الأول تنهال على البرلمان، ليتدحرج إلى المرتبة الثانية.
وتشكّلت كتل جديدة تحت مسمّيات جديدة بحثا عن مسوّغات للتنقّل بين الكراسي. وعاش التونسيون فصولا من مشهد كاريكاتوري يظهر فيه نائب بجبّة سياسيّة أولى بداية الأسبوع ليتوارى وراء أخرى بعد أيّام ولا يكاد يمرّ شهر دون أن تتشكّل كتلة جديدة سرعان ما ينفرط عقدها لتنصهر أو تتقارب مع أخرى !!!! ويتّضح من خلال هذا المشهد السريالي أنّ السّياحة الحزبيّة في تونس نوعان: سياحة تلقائيّة أبطالها رهط من النوّاب شعارهم الانتهازيّة. وقد صرّح بعض رجال الأعمال بأنّهم اشتروا نوّابا !!فهل هناك أحقر من هذا التوصيف؟ وهل يطمئن ناخب إلى واضع نفسه في مزاد علني يميل فيه إلى مَنْ يقدّم عرضا مغريا. وسياحة مفروضة في نظر مرتكبيها .فبعض النواب شعروا بأنّ الحزب الذي انتموا إليه حاد عن مبادئه ولم يعد بإمكانهم داخل هذا الحزب الدفاع عن البرنامج الذي انتخبهم الشعب من أجله !!! لكن فات هؤلاء -وهم يبررّون ويتعلّلون- أنّ كلّ نائب ترشّح في قائمة حزبيّة لم ينتَخَب لذاته أو لإشعاعه بل ببرنامج حزب عرف كيف يجمّع الناس من حوله.
وعلى هذا النحو فإنّ كلّ من يحترم قواعد اللعبة السياسية مطالب بأن يغلّب الحزب على ذاته لا أن يستغلّ منبرا منحه إياه هذا الحزب ليسبّه ،وليضعفه خدمة لأجندا شخصيّة تنجرّ عنها بالتتابع خدمة حزب منافس. فهل الحلّ في الخروج وتكوين كتلة جديدة أم في اتخاذ قرار الاستقالة والانسحاب احتراما للناخبين ثم العمل على استئناف النضال من منابر أخرى يكون فيه الدخول من الباب لا من النافذة؟؟؟ بات أكيدا أنّ كثيرا من نواب المجلس المتنقلين من حضن إلى حضن، يدركون أنّهم يلعبون أوراقهم الأخيرة قبل انطلاق صفارات الإنذار سنة 2019 لذلك هم يسارعون في حبك تحالفات سريعة مرّة بحجّة محاربة النهضة التي منحوها الأفضليّة بغبائهم السياسي ومرّة بتعلّة إنقاذ البلاد لكن ما أبعدهم عن ذلك.
إنّ كلّ نائب مارس السياحة الحزبيّة-وإن صدقت نواياه فيما يزعم -هو مشروع فشل قادم وإن ظهر في صورة المصلح الذي يخاف على الوطن لأنّ الذي يمزّق حزبه أو يترك ناخبيه هو بمثابة الجنديّ الذي فرّ من المعركة.. ولن تجدي التعلّات في تبرير الهروب والانقلاب على إرادة الناخب…
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP