الجديد

بورتريه// نورالدين الطبوبي….حارس الخيمة

المهدي عبد الجواد
لم يكن اسم نورالدين الطبوبي،  قبل المؤتمر الاخير لاتحاد الشغل، يعني الكثير لعامة المواطنين، و كان مثيرا للكثير من التساؤلات حول انتماءات الرجل و ميولاته السياسية عند الفاعلين السياسيين و الحزبيين.
لعل مردّ ذلك طبيعة الرجـــــل، فقد اشتهر عند النقابيين بكونه رجل ميدان “ولد البطحاء”، فقد كان نقابيا ملتصقا بالقواعد، شديد الحرص للقيام بالواجب، شخصيا او مهنيا، كان عمُولا، دقيق المواعيد. أول من يلتحق بمكتبه و آخر من يُغادره. تلك كانت عاداته، منذ كان كاتبا عاما لنقابة اساسية في شركة اللحوم سنة 1990، الى كاتب عام لجامعة الفلاحة سنة  2001 فكاتب عام للاتحاد الجهوي بتونس، أكبر جهويات الاتحاد و أكثرها “تسيُّسا”، عمل الطبوبي بصمت بعيدا على الاضواء. و هو ما مكنه من ان يكون في القائمة الائتلافية لمؤتمر طبرقة 2011، وهو الذي شغل قبل ذلك خطة النظام الداخلي، و رجل النظام الداخلي في أعراف الاتحاد هو الأقوى في الاتحاد.
عندما كان الاتحاد و قياداته في مركز الصورة، وطنيا و دوليا، كان الطبوبي، وراءهم في الظل. يتنقل الى الجهات، يشرف على المؤتمرات، يُتابع التحركات، قريبا من القواعد، و القواعد في الاتحاد “هي الكلّ”.
ينتمي الطبوبي الى ما يُعرف في الاتحاد بالخط النقابي الصرف، “العاشوري”، أو “الخط البيروقراطي” و هو الخطّ الذي هيمن على اتحاد الشغل رغم درجة التسييس العالية فيه.
التيار “النقابي الوطني” هو التيار الاصلي في اتحاد الشغل، أسهم في معركة التحرير الوطني و قدم شهداء، أبرزهم الأمين العام فرحات حشاد، و أسهم في بناء الدولة في ما بات يُعرف بالوحدة القومية، حيث تحالف حزب الدستور مع المنظمات الوطنية في بناء دولة الاستقلال.
و بالمناسبة يجهل الكثيرون أن “التقرير الاقتصادي و الاجتماعي” لاتحاد الشغل هو برنامج الحكم الاول الذي بُنيت عليه كل المكتسبات الاجتماعية لدولة الاستقلال، و يجهل الكثيرون ان الحسم السياسي في المعركة بين الحبيب بورقيبة و صالح بن يوسف، قام به اتحاد الشغل و زعيمه الحبيب عاشور في مؤتمر صفاقس، في نوفمبر 1955.
لذلك تقود بوصلة نورالدين الطبوبي، هذان الركيزتان، الدور الوطني بما يعنيه من حفاظ على الدولة، و على وحدتها و سيادتها من جهة، و الدور الاجتماعي بما يعنيه من حفاظ على مكتسبات اجتماعية و تجذيرها و تعميقها، بحسب تطور الاجيال.
و الطبوبي حريص، لانه سليل مدرسة الحبيب عاشور على صيانة استقلالية القرار النقابي، و صد كل محاولات الهيمنة على الاتحاد، مهما كان مأتاها، و نحن نعتقد ان اشراف السيد نورالدين الطبوبي على كل المؤتمرات الجهوية تقريبا، تدخل في باب هذا الحرص، على تنقية الاتحاد، و فرض “الأجندا النقابية الوطنية” على بقية الأجندات.
هنا، يُحسب لنورالدين الطبوبي، نجاحه في تحويل ملكية كل مقرات الاتحاد الى الاتحاد. فقد اشترى مقرات الاتحاد بنهج محمد علي الحامي، و سوق هراس و نهج الجزيرة و نهج اليونان و مقر جريدة الشعب… في صمت و دون ضجيج اعلامي…. انجاز لم يُسبق اليه، لان الطبوبي يعلم جيدا ما قد تُخفيه الايام… خاصة و ان شيطنة الاتحاد، و التهجم عليه و المطالبة بتحجيم دوره تتعاظم محليا و حتى دوليا. يعلم الطبوبي جيدا ان لا موقف نقابي مستقل دون استقلالية مالية و عقارية للاتحاد.
كما يعلم الامين العام حجم المخاطر التي تحفّ بالاتحاد في هذه المرحلة التاريخية. مخاطر متشابكة و معقدة، بعضها خارجي و بعضها وطني و بعضها الآخر داخل الاتحاد نفسه.
خارجيا تعتقد الكثير من الجهات المانحة ان “دور الاتحاد” انتهى. فمفهوم الدولة الراعية، التي كان اتحاد الشغل احد المساهمين فيها انتهى، و الحزب/ الدولة انتهى، فلا مبرر اليوم ليكون الاتحاد بهذا الحجم و هذا الدور، و من ثمة الحاح الطبوبي على كون اتحاد الشغل، يعمل على صيانة القرار الوطني. و من ثمة ” نحن “ملاكة” و المصلحة الوطنية خط احمر، نحن نتبنى مطالب شعبنا و مطالب الفقراء و المهمشين…. الاتحاد قوة عطاء و قوة اقتراح و قوة من اجل تحقيق اصلاحات جدية تستجيب لأهداف الثورة”.
و وطنيا تعمل الاحزاب السياسية على الهيمنة على الاتحاد، بشتى الطرق الظاهر و الخفي، و يسعى بعض من النخب “الجاهلة” بالتاريخ الوطني و بدور الاتحاد الى شيطنة الاتحاد و تحقير دوره، و لكن الطبوبي يقول لهم “سيفشل كل من يسعى الى شيطنة الاتحاد كما فشل من سبقه….” و هذا ما جعل الامين العام يتخذ موقفا سلبيا من النخب السياسية اليوم إذ يقول: “الطبقة السياسية الحاكمة الان غير مدركة تماما لحقيقة صعوبة الاوضاع و تعقدها في الدولة…الجميع مهتم الان و يستعد و يفكر في المحطات الانتخابية القادمة… تفشل الحكومات في صياغة حلول و معالجة الازمات و في ان تكون في مستوى تطلعات الناس و انتظاراتهم”. و لكنه يؤكد في ذات اللحظة أنه ” ليس لنا علاقة عدائية مع اي احد…. علاقتنا بحسب الملفات.” .
اما محليا فان بعض القوى النقابية و التيارات السياسية المبثوثة في الاتحاد، و هي بقايا عهد الاستبداد لم تُدرك بعد طبيعة التحولات في العمل النقابي ذاته، تحولات تفرضها طبيعة المرحلة. ان القصووية المطلبية النقابية، و الانفلات الاحتجاجي الذي عرفته البلاد بعد الثورة، مازال يطل برأسه بين الحين و الأخر. و رغم ان الامين العام يؤكد أنه ” ليس هناك اضرابات عشوائية. ..فنحن نحترم القانون”. فان ما تعرفه قطاعات مهمة من تحركات، تمس من صورة الاتحاد و تزيد في توفير تبريرات لخصومه، فما يعرفه قطاع التعليم الثانوي، و الصحة و السكك الحديدية، يُنذر بأزمات داخلية حول تصور العمل النقابي ذاته
برغم ذلك نجد الطبوبي يؤكد على انه “لا وجود لازمة داخلية، نحن نعمل بكل شفافية و ديمقراطية، قد نختلف في ادارة بعض المسائل، و لكن داخل اطر الاتحاد و هياكله” فان الحقيقة ان أزمة تصور لطبيعة العمل النقابي في المرحلة الديمقراطية، و اختلافها الجذري على منطق النضال في دولة الاستبداد، موضوع لم يُناقش بعد من جهة، و وجود بعض القيادات السياسية لأحزاب، في مراكز قيادية نقابية مشكل آخر، فعلاوة على تعارضه مع مرسوم الاحزاب و مرسوم الجمعيات فان مضرته اكثر من نفعه، إذ يزج بالاتحاد في مناكفات العمل السياسي اليومي.
و لعل الاصوات التي تتنادي من داخل الاتحاد، و من محيطه، المطالبة اياه بالمشاركة المباشرة في الانتخابات، بل هناك من يدعوه الى تشكيل قوائم انتخابية، تمثل اكبر خطر على اتحاد الشغل. فالقاعدة الانتخابية للاتحاد ليست متجانسة، بل أزعم انها متناقضة، و تشقها ميولات سياسية مختلفة، و هي مغامرة خطيرة، تقود في حال هزيمة انتخابية الى تدمير كل دور وطني و تعديلي اجتماعي لاتحاد الشغل، و يبدو ان السيد الطبوبي على دراية بهذه المحاذير و هو الذي صرّح اخيرا “ليس لنا مرشحون للانتخابات الرئاسية، نحن لسنا حزبا سياسيا. ثم ان الاتحاد له مؤسساته و هي وحدها المخول لها اتخاذ القرار، و لكني دعوت النقابيين و العمال و كل المواطنين الى التسجيل في الانتخابات، حتى نكون حاضرين بقوة فيها، و اختيار من يحكم البلاد و خلق التوازن المطلوب”…
يحلو للكثيرين القول بان الاتحاد هو خيمتنا الاخيرة…. و مازال نورالدين الطبوبي…. حارس الخيمة.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP