الجديد

الرئيس السبسي .. عودة لواجهة الداخل من بوابة "الاشعاع" الخارجي

كتب: منذر بالضيافي
تناقلت وسائل الاعلام المحلية والدولية، اشادة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون،اليوم الخميس، 11 أكتوبر 2018، في افتتاح قمة الفرنكفونية، بمدينة يرفان (عاصمة ارمينيا)، بالرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، كما عبر عن دعمه للمسار الانتقالي في تونس، هذا المسار الذي يمر بصعوبات عديدة ومعقدة.
نوه الرئيس الفرنسي بشجاعة الباجي قايد السبسي الذي قال “إنه تحلى رغم تنامي المد الظلامي بالشجاعة وأقر تشريعات أساسية تهم حقوق المرأة”.ودعا المشاركين في القمة إلى دعم تونس بقوة، متابعا “لا تستسلموا، لا تستسلموا سنكون دائما معكم وسنستمر في الوقوف إلى جانبكم، تونس محل فخر لنا”..

رمت تصريحات ماكرون، بظلالها على المشهد التونسي الذي يمر بفترة فارقة، سمتها الأساسية تمدد أزمة سياسية، أربكت المجتمع ومؤسسات الدولة، وأدخلت البلاد في أتون انهيار اقتصادي غير مسبوق، فضلا عن كونها حكمت على الانتقال الديمقراطي بما يشبه حالة التوقف، وسط تنامي مخاوف من امكانية حصول ردة عما تحقق من مكاسب،خلال السنوات التي تلت ثورة 14 جانفي 2010 ،خاصة في الحقل السياسي وفي مجال حرية الراي والتعبير، وحياد واستقلالية مؤسسات الدولة عن الصراع السياسي.

أعادت تصريحات ماكرون، الرئيس الباجي قايد السبسي الى تصدر واجهة المشهد، من بوابة الخارج هذه المرة، بعد حصول ما يشبه الاجماع في الداخل، على تراجع دور الرئيس، وأنه فقد الكثير من قدرته على التأثير في مسار الأحداث، في مشهد سياسي متحرك داخليا وفي تفاعل شديد مع الوضع الإقليمي والدولي.
يروج في الكواليس وفي الاعلام المحلي، ما مفاده أن الرئيس قايد السبسي في حالة تراجع وأنه اصبح ضعيفا، ويستدلون على ذلك بعجزه عن حسم الصراع الدائر منذ اشهر بين راسي السلطة التنفيذية، بينهوبين رئيس الحكومة، يوسف الشاهد.
تراجع دور الرئيس، يعود لحصول اختلال في التوازنات السياسية، والذي تعمق بعد الأزمة التي ضربت حزبه “نداء تونس”، الذي دخل في طور التفكك، ليتقلص تأثيره في المجتمع (خسارة الانتخابات البلدية الأخيرة أمام غريمه حزب النهضة الاسلامي)، وأيضا في مؤسسات الحكم ( تراجع كتلته البرلمانية الى المركز الثالث).
اختلالموازين القوى دعمته نتائج بلديات ماي 2018، و جعل قيادة حركة “النهضة”، تطالب بمراجعة “مضمون” ما يسمى في تونس ب “توافق الشيخين”، هذا “التوافق” الذي بمقتضاه تم حكم البلاد طيلة الأربع سنوات الأخيرة.
ترجمت حركة النهضة نوياها السياسية في الواقع، من خلال نقل التوافق من قرطاج الى القصبة، خصوصا بعد “تمترسها” وراء موقفها الداعم لرئيس الحكومة، في صراعه المعلن مع رئيس حكومته، يوسف الشاهد.
قدمت النهضة موقفها “المنتصر” لرئيس الحكومة، على أنه يندرج في اطار “دعم الاستقرار السياسي والحكومي”، موقف اعتبره الرئيس السبسي، بمثابة اعلان عن “فك الارتباط” أو “انهاء للتوافق”، من طرف واحد، أي من الطرف النهضوي، مثلما أكد في حوار تلفزي، 24 سبتمبر الفارط.
للإشارة فان “التوافق” مع النهضة، كلف الرئيس السبسي، تراجعا كبيرا، في شعبيته وفي خزان حزبه الانتخابي، وهو الذي قاد عودته للحياة السياسية على نقيض المشروع السياسي وخاصة المجتمعي للإسلاميين، فضلا عن كونه “توافق” بلا أي منجز اقتصادي أو اجتماعي يذكر، وحتى على الصعيد السياسي والأمني فان الأوضاع ما تزال توصف ب “الهشة”.
لكنه، توافق مكن الاسلاميين من اعادة التموقع في المشهد الداخلي، ومن تحسين صورتهم في الخارج، في سياق ظرف اقليمي ودولي معاد لتيار الاسلام السياسي، لكنه ليس “شهادة براءة” لهم، وأن حارس هذا “الموقف من الاسلاميين”، عند الغرب، هو الرئيس السبسي، الذي “تحدى الظلاميين وانتصر للحريات وحقوق المرأة”، وفق تعبير الرئيس ماكرون.
وهنا يحسب للرئيس الباجي قايد السبسي، مراهنته على خيار ادماج تيار الاسلام السياسي، في الحياة السياسية وفي الحكم، وهو بذلك ينهي أكثر من أربعين سنة من الصراع، والصدام بين التيار الاسلامي والنظام السياسي الذي اسس الدولة الوطنية الحديثة، والذي يتناقض مشروعه جوهريا مع مشروع الاسلاميين.
هذا فضلا، عن الدور الكبير الذي قام به الرئيس السبسي، في التمسك بإنجاح الانتقال الديمقراطي، من خلال التمسك باحترام الدستور، الذي عبر في أكثر من مناسبة عن تحفظه عليه، خاصة في باب النظام السياسي، وكذلك احترام حرية الرأي والتعبير ودورية الاستحقاقات الانتخابية.
دون ان ننسى تمسكه بثوابت المشروع المجتمعي البورقيبي، ودعامته الاساسية مدونة الأسرة، والحريات الفردية والمساواة بين المرأة والرجل. وهو ما يحسب لعهدته الرئاسية، التي دخلت في سنتها الأخيرة، سنة ستكون حاسمة، لا من حيث “ضمان خروج امن” له من السلطة، بل من جهة التأسيس لما بعده، وجعل الاشعاع الدولي مقترنا بإشعاع محلي.

في لقاء، جمعني بالرئيس الباجي قايد السبسي، نهاية الاسبوع المنقضي، وأثناء الحديث حول “الأزمة السياسية”، أكد لي أنه: “لن يقبل بدور المتفرج وأنه سيتحرك في الوقت المناسب”، وتابع قائلا: “ان مسار وضع تونس على سكة الديمقراطية أهم أولوية عندي، قبل كل الأولويات الأخرى أيا كان نوعها، خلافا لما قد يتصور البعض”.

يذكر أن الرجل لعب دورا مؤثرا في مرحلة ما بعد 14 جانفي 2011، وفي تجربة الانتقال السياسي نحو الديمقراطية، التي بدأت بعد الثورة ومازالت مستمرة، وأرجح أنها ستعرف تطورات لاحقة، وأن هناك سيناريوهات عديدة تواجه هذه التجربة، التي وان كانت تبدوا واعدة الى حد الآن، فإنهاقد تواجه أهوال وشدائد، قد تحكم عليها بالانتكاس، وهو سيناريو يبقى واردا، وان كنا نأمل أنه من الممكن تجاوزه، ولعل نضج وحيوية المجتمع التونسي، الذي أرى أنه متقدم كثيرا عن النخب، يجعل من تفاؤلنا هذا أمرا ممكنا ومرجحا.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP