الجديد

الغنوشي: “لا أحد يستطيع أن يحكم بدوننا”

تونس- التونسيون

في حوار مطول مع مجلة جون أفريك الفرنسية قال رئيس حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي : “لا أحد يستطيع أن يحكم بدوننا”.

في ما يلي نص الحوار الذي أجرته مجلة جون افريك مع رئيس البرلمان التونسي و رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي:

على الرغم من الأزمة السياسية الحادة التي عرفتها تونس طيلة اسابيع طويلة ،فقد ظهر هادئا متماسك الأعصاب و هي ميزة يبدو أن رئيس البرلمان التونسي قد إكتسبها خلال سنوات منفاه ببريطانيا .

راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الذي تمكّن تدريجيا من تغيير البوصلة الإيديولوجية للحزب منذ 2011 نحو الوسطية نجح ايضا في إعتلاء سدة الحكم تحت قبة باردو حيث تمّ انتخابه رئيسا للبرلمان بعد تشريعيات اكتوبر 2019 …

جون افريك : تمسّكتم بحكومة وحدة وطنية خلال المشاورات ،فما هي دوافعكم ؟
الغنوشي:تونس اليوم في حاجة الى التماسك و الوحدة لا الى التقسيم ،الحكومة مقدمة على تحدّيات داخلية كبيرة في سياقات اقليمية دقيقة ،لا يمكن ان تنجح الحكومة وسط المناكفات السياسية الايديولوجية بين اليسار و اليمين ،نحن نحتاج الى “حركة مقاومة وطنية موحّدة” كتلك التي عرفتها تونس خلال الإستعمار بعيدا عن ثنائية الحكم و المعارضة …

جون افريك : لكن الديمقراطية التمثيلية تقتضي وجود ثنائية الحكم و المعارضة !
الغنوشي : ديمقراطية تونس ديمقراطية شابة و يجب ان يكون لها طابعها الذي يميّزها عن بقية التجارب ،فمقاربتنا ليست نفسها مقاربات الديمقراطيات الراسخة التي تقوم على حكم الحزب الفائز في الانتخابات و معارضة الحزب الثاني ،نحن نعيش مرحلة توطيد الديمقراطية و منجزاتها …

جون افريك : ماهو مكان النهضة في هذه الحكومة ؟
الغنوشي : لدينا حقائب ،الفلاحة ،التجهيز ،التعليم العالي ،الصحة ،الرياضة و الشباب و الحكم المحلي و هي وزارات حيوية تلامس مشاغل المواطنين مباشرة و الحياة اليومية ،أردنا تجنّب وزارات التعليم و الشؤون الدينية حتى ندرء شبهات إثارة النعرات الايديولوجية التي دائما ما تلاحقنا عن غير وجه حق ,وجودنا في الاغلبية البرلمانية و الأغلبية الحكومية ضمانة للإستقرار…

جون افريك :الصعوبات التي رافقت تشكيل الحكومة و الإحتقان بين الأحزاب المكونة لحزامها السياسي ،هل تعتقد بأنها ستؤثر على عملها مستقبلا ؟
راشد الغنوشي :حكومة الشاهد و حكومة الحبيب الصيد قبلها تحصلتا على دعم برلماني بين 160 و 170 صوتا و حكومة الفخفاخ بالكاد تحصلت على ما يقارب 130 صوتا ،و ذلك نتيجة إقصاء الحزب الثاني و هو قلب تونس حيث فرض عليه التواجد خارج الحكومة و بالتالي تموقعه قسرا في المعارضة ،و لا أرى موجبا أو سببا منطقيا لذلك ،عموما النهضة اليوم في الحكومة تدعمها و ستكون مشاركتها فيها مسؤولة…

جون افريك :النمو الاقتصادي بطيء ،غضب شعبي ،المقدرة الشرائية منهارة ، قطاع الصناعة في تراجع …هل لديكم حلول جذرية حتى تتجاوز تونس هذا الركود ؟
على الحكومة ان تقاوم الفساد و أن تولي الأهمية لتحسين البنية التحتية في النقل و الصحة و قبل ذلك وجب مصارحة المواطن بدقة المرحلة ،على الاحزاب،الإعلام و المنظمات الاجتماعية أن تتحمّل مسؤولياتها في هذه المرحلة،الوعي مطلوب من الجميع سواء الدولة أو المواطن

جون افريك : لكن كيف يمكن إعادة تشغيل الماكينة ؟
الغنوشي :يجب أن نعيد للعمل قيمته و التشجيع على الإبتكار و تحفيز الشباب حتى نعود للإنتاجية و التنافسية و إزالة القيود البيروقراطية و الإدارية التي تكبّل باعثي المشاريع و تعيقهم ،الدعم أيضا مسألة معقدة فعلينا توجيهه لمستحقيه فمن غير المعقول أن تباع مواد مدعّمة على غرار المحروقات ،الخبز و الزيت بنفس الأسعار لجميع الشرائح الإجتماعية ،و جب علينا الإستثمار في التعليم و التفكير في أجيال المستقبل بإعادة المصعد الإجتماعي ،يجب على تونس أن تخلق القيمة المضافة فمن خلال زيت الزيتون و السياحة بمكن أن نحقّق قفزة نوعية …

جون أفريك: في مسألة الحوكمة ،لماذا دائما ماتدعمون فكرة “التوافق” ، هل يفسّر هذا على أنّه تهرّب من المسؤولية؟
الغنوشي :التوافق ضرورة في تونس ، في فترة الترويكا شهدت تونس تحالف 3 أحزاب ،النهضة،المؤتمر و التكتل ،ثم بعد 2014 عبر توافق النداء و النهضة ،الباجي رحمه الله كان يقول بأن النهضة و النداء خطّان متوازيان لا يلتقيان و في النهاية وجدنا قاعدة عمل مشتركة حقّقت الإستقرار السياسي للبلاد طيلة 5 سنوات، في ألمانيا ايضا ،الديمقراطيون المسيحيون يحكمون مع يسار الوسط …
الإصلاحات الاقتصادية في تونس لا يمكن أن تنجح عبر حكم الحزب الواحد ،تشريعيا أيضا ،نحن في حاحة للتوافق لإرساء المحكمة الدستورية و غيرها من القوانين ،السياق الاقليمي الجيوبوليتيكي أيضا و ما تعرفه الشقيقة ليبيا من احتراب داخلي يقتضي إتحاد كل المكوّنات السياسية …

جون افريك : التناغم الحاصل بين رئيس الحكومة و رئيس الجمهورية ألا يمكن أن يتسبّب في تهميش البرلمان؟
الغنوشي:رئيس الجمهورية هو من قام بتكليف الياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة حسب ما يقتضيه الدستور و هذا يمكن أن يفسّر التناغم الحاصل و هو أمر طبيعي و محمود ،لكن للمجلس دور رقابي و الحكومة في أغلبيتها تتكون من وزراء رشّحتهم احزاب ممثلة في البرلمان … هذه الفترة لا يمكن مقارنتها بالفترة السابقة التي شهدت إحتقانا كبيرا بين القصبة و قرطاج ،فمهما حصل تونس لا يمكن أن تحكم بعقلية و منطق “الشخص الواحد” و “الزعيم الأوحد”…

جون افريك : رئيس الجمهورية يتبنّى فكرة تغيير النظام السياسي من الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية المباشرة فهل لهذا الطرح حظوظه في تونس ؟
الغنوشي: انا أتفهّم فكرة الحكم القاعدي أو المباشر ، نظامنا الحالي ليس نظاما مركزيا ،بل هو اقرب لنظام الحكم المباشر مع توزيع الحكم بين القصة و باردو و البلديات…

جون افريك :هل تعتقدون بأنه قد حان الوقت لتعديل دستور 2014؟
الغنوشي :الإشكال ليس في الدستور ،بل في القانون الانتخابي و لذلك تقدّمنا بمبادرة لتنقيحه ..

جون افريك :أفهم من ذلك بأنكم تريدون إدراج قانون العتبة و تحديدها بنسبة 5% في الانتخابات المقبلة لإقصاء الاحزاب الصغيرة ؟…
الغنوشي :النهضة عانت من الإقصاء و لا تتبنّى هذا المنطق فنحن لم نقص أحدا منذ 2011 و مبادرتنا لتنقيح القانون الانتخابي لا يمكن أن تقرأ على أنّها إقصاء بل على أساس دعوة لتجميع العائلات السياسية في 5 أو 6 احزاب كبرى و هذا كاف في بلد صغير مثل تونس، من غير المنطقي أن يكون لدينا 220 حزبا و هذا إستثناء عالمي ..
النهضة حزب كبير و مهيكل و ربما من مصلحتها السياسية تواصل تشرذم المشهد لكن الواجب الوطني يقتضي وجود أحزاب قويّة لتمرير القوانين في البرلمان…

جون افريك :بإعتبارك رئيسا للبرلمان ماهو تقييمك للأحزاب؟
الغنوشي:أغلبها احزاب ناشئة مازالت تتلمس طريقها نحو ممارسة العمل السياسي ،أيضا هي أحزاب غير مهيكلة و غير متماسكة و مهددة بالإنشطار و التفكك ،نداء تونس كان الحزب الاغلبي بعد انتخابات 2014 و اليوم غير موجود …هذا أمر طبيعي في سياق ثوري ..

ماذا عن الدستوري الحر ؟
هو حزب يتبنّى خطابا إقصائيا ،نادى بإعادتنا للسجون لكن نحن نحترم حقه في التعبير رغم ان خطابه يتجاوز حدود اللياقة ،هذا الحزب نحن من صادقنا على تمكينه من تأشيرة العمل السياسي و هو اليوم ممثّل بكتلة في البرلمان ،السياسة مثل التجارة ،سوق مفتوح ،كل يعرض بضاعته و الشعب سيختار العرض الذي يناسبه …

جون افريك :كنت انتقدت السياسة الخارجية لرئيس الجمهورية فما دواعي ذلك ؟
الغنوشي :نعم انتقدت تغيّب تونس عن مؤتمر دافوس ،إيروماد ،القمة الافريقية في أديس ابابا و مؤتمر برلين و محوره الازمة الليبية التي تهمّنا بشكل مباشر ،تونس تبيع الديمقراطية و من الواجب أن تكون حاضرة في هذه المحافل العالمية ،الرئيس تعذّر بالشأن الداخلي و مشاورات تشكيل الحكومة ،اليوم لتونس حكومة و لديّ ثقة بأن الرئيس سيؤدي دوره الديبلوملسي على أكمل وجه …

جون أفريك :ما هي رؤيتكم للحلّ الممكن للأزمة الليبية ؟
الغنوشي :الديبلوماسية التونسية أخطأت بإغلاق السفارة في ليبيا ،تونس تتعامل بحذر مع الازمة الليبية و الفكرة السائدة أن الصراع القائم هناك هو صراع بين العلمانيين و الاسلاميين و هذه فكرة خاطئة ..الأزمة الليبية يجب ان تكون أولوية الأولويات في الديبلوماسية التونسية لأنها عمقنا الإستراتيجي و تواصل الفوضى في الجارة الشرقية لا يخدم تونس أبدا …
مؤخرا قابلت السيد عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي في العاصمة الاردنية عمان ،كما ان لي علاقات جيدة مع حكومة طرابلس ،الحلّ في ليبيا لن يكون غير التوافق أسوة بالتجربة التونسية …

جون افريك:ماذا عن العلاقات التونسية الاوروبية؟
الغنوشي:علاقتنا جدّ ممتازة مع الشريك الاوروبي ،و هو شريك وازن بالنسبة لتونس لكن العالم رحب و هناك أفاق أخرى لتونس و خاصة مع عمقها الافريقي و كذلك مع آسيا و امريكا اللاتينية …

جون افريك :في علاقة بالنهضة ،ما هي حقيقة الخلافات بينكم و بين أعضاء مجلس الشورى؟
الغنوشي :النهضة حركة عمرها نصف قرن ،النقاشات مفتوحة داخلها و كل الأراء مسموعة لكن في النهاية الكل ينضبط للقرار النهائي وفق الآليات الديمقراطية …
اليوم النهضة في قلب الوسط ،الأحزاب اليمينية كما اليسارية لا يمكنها تشكيل حكومة دونها ،نحن نتعامل مع الأحزاب الثورية كما نتعايش مع الاحزاب المنبثقة عن النظام السابقة ،النهضة أوجدت أرضية ليتعايش كل هؤلاء ،
اليوم حركة النهضة هي العمود الفقري للحياة السياسية في تونس ،حتى أن رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ كان لوّح بالإستقالة و إعادة التكليف خلال المشاورات إذا ما رفضت حركة النهضة المشاركة قي الحكومة …

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP