الجديد

الولايات المتحدة وسواها من الجهات المانحة الدولية مارست نفوذًا كبيرًا وخصّصت موارد طائلة من أجل الدفع باتجاه التحرير الاقتصادي في الشرق الأوسط، في حين أنها أبدت تردّدًا في التركيز بالدرجة نفسها على الإصلاحات السياسية /خبير/

يقول ديفيد لينفيلد، في مقابلة معه، إن الجهات المانحة الدولية تصبّ في صالح هيكليات السلطة القائمة في الشرق الأوسط. وشدد في مقال لمؤسسة كارنيغي على أن “الجهات المانحة الدولية متواطئة في لعبة النخب الشرق أوسطية”. وفي ما يلي حوار مع لينفيلد نشره موقع “كارنجي”:

مايكل يونغ: نشرت لك مؤسسة كارنيغي، منذ فترة وجيزة، مقالًا بعنوان “الجهات المانحة الدولية متواطئة في لعبة النخب الشرق أوسطية”. ما هي وجهة النظر التي تعرضها في المقال؟

ديفيد لينفيلد: وجهة نظري هي أن الولايات المتحدة وسواها من الجهات المانحة الدولية مارست نفوذًا كبيرًا وخصّصت موارد طائلة من أجل الدفع باتجاه التحرير الاقتصادي في الشرق الأوسط، في حين أنها أبدت تردّدًا في التركيز بالدرجة نفسها على الإصلاحات السياسية. وما أقصده بالإصلاحات السياسية هو تعزيز الشفافية، ومكافحة الفساد، وتعزيز صلاحيات المسؤولين المنتخَبين. وقد برّر الأفرقاء الدوليون لجوءهم إلى هذه المقاربة عبر الإشارة، من جملة تبريرات أخرى، إلى أن الإصلاحات الاقتصادية تُشكّل وسيلة أفضل لإرساء الاستقرار، وإلى أنها تنطوي على مخاطر أقل مقارنةً مع التغييرات السياسية. ولكنني أرى أن الأحداث الأخيرة في المنطقة تشي بأن هذه السياسات تزيد احتمالات حدوث تغيير عنيف وفجائي بدلًا من خفضها.

عند تطبيق إصلاحات اقتصادية، مثل الخصخصة، في سياق أنظمة سياسية سلطوية، عادةً ما تعود هذه الإصلاحات بالفائدة على هيكليات السلطة القائمة، ما يؤدّي إلى تفاقم اللامساواة الاقتصادية والتشنجات بين المواطنين والدولة. حاليًا، تصنّف قاعدة بيانات اللامساواة العالمية منطقة الشرق الأوسط في المرتبة الأسوأ عالميًا لناحية التفاوت الاجتماعي. فاللامساواة الاقتصادية تراجعت على الصعيد العالمي منذ التسعينيات، ولكنها تحافظ على المستويات نفسها في الشرق الأوسط.

وقد دعمت الجهات المانحة الدولية سياسات تسبّبت، عن غير قصد، باستفحال اللامساواة، فيما أهملت الإصلاحات السياسية، فساهمت بذلك في تغذية مشاعر الإحباط لدى المواطنين المستائين من أوضاعهم الاقتصادية، وتركتهم في الوقت نفسه من دون وسائل مؤسسية سلمية للتعبير عن مظالمهم. وهذا كلّه يقود إلى زعزعة الاستقرار، أي نقيض ما تريده الجهات المانحة.

يونغ: كتبتَ أن “التضامن الناشئ بين مجموعات كانت تتنافس مع بعضها البعض في السابق، والمتجذّر في [اللامساواة الاقتصادية]” هو من سمات السخط المتنامي من النخب في الشرق الأوسط. هل تلمّح إلى أننا نشهد، بحسب المصطلحات الماركسية، ظهور نوعٍ من الوعي الطبقي في بعض البلدان قد يحمل في طياته نبضًا ثوريًا؟

لينفيلد: ركّزت معظم الاحتجاجات في الشرق الأوسط منذ العام 2018 على اللامساواة الاقتصادية والفساد. وفي حين أن التظاهرات السابقة في المنطقة كانت تتألف عادةً من مجموعة إثنية واحدة، سواءً كانت هذه المجموعة تنتمي إلى مذهب ديني معيّن، أو منطقة أو مجموعة قبائل معيّنة، بات المشاركون في التظاهرات مؤخرًا أكثر تنوّعًا في انتماءاتهم.

يبدو أن مشاعر الإحباط المشتركة من اللامساواة دفعت بالأشخاص في المجتمعات ذات الدخل المتدنّي إلى التظاهر دعمًا لقضية مشتركة، وإن بشكلٍ متقطّع ومتردد، في مواجهة ما يعتبرونه نخبةً فاسدة ومنتمية إلى طوائف متعددة خذلتهم. وخير مثال على ذلك ما حدث في العراق والأردن ولبنان.

تُشير بعض الشعارات المستخدَمة في الاحتجاجات الأخيرة في البلدان المذكورة، إلى ظهور وعيٍ طبقي. فحينَ هدّدت نقابة المعلمين الأردنيين بالإضراب في صيف 2020، وُضعت معاناتها في إطار الصراع الطبقي في مواجهة مَن “نهبوا مقدّرات البلاد”. ورفعت الاحتجاجات اللبنانية في العام 2019 شعارات من قبيل “يسقط حكم الأزعر”. وقال المتظاهرون العراقيون في 2019 و2020 لوسائل الإعلام إن نضالهم هو من أجل استعادة البلاد من “اللصوص”.

يونغ: على ضوء تقييمك للأوضاع، ما الدور الذي أدّته خطوط الصدع التقليدية بين شعوب الشرق الأوسط – وأعني بذلك الانقسامات المذهبية أو القبلية أو المناطقية التي أجّجتها الأنظمة للاحتفاظ بالسلطة – في بيئةٍ تصفها بالمتغيِّرة؟

لينفيلد: لا تزال خطوط التصدع التقليدية في مجتمعات الشرق الأوسط حاضرة بقوة. فالتشنجات الطبقية الناشئة لم تحل بصورة كاملة محل الانقسامات على أساس الانتماءات الإثنية والدينية والقبلية، لا بل باتت تترافق معها أكثر من أي وقت مضى. لكن الاتجاهات التي تطرّقتُ إليها آنفًا تشي بأن أهمية الانقسامات الطبقية ستزداد نسبيًا، وستنجح في إعادة رسم معالم التحالفات والانقسامات السياسية القائمة.

إضافةً إلى التظاهرات التي أشرتُ إليها آنفًا، من المؤشرات الأخرى على قوة التضامن الطبقي دراسة أجراها باحثون من جامعة بيتسبرغ والمركز اللبناني للدراسات في العام 2019. وقد توصلت الدراسة التي وزّعت مئات اللبنانيين على مجموعات نقاش مختلفة تتنوّع انتماءاتها المذهبية والطبقية، إلى أن دعم اللبنانيين للسياسة المذهبية يكون أقل على نحوٍ ملحوظ عند اجتماعهم بأشخاص من الطبقة الاجتماعية نفسها.

لا يزال من السابق لأوانه وضع تقييمٍ شامل للمنحى الذي سيسلكه التفاعل بين التشنجات الطبقية الناشئة والانقسامات المجتمعية القائمة منذ أمد بعيد في الشرق الأوسط. ومن الأسباب التي تستدعي الانتظار لوقت أطول ومراقبة ما ستؤول إليه الأوضاع هو أن جائحة كوفيد 19 حوّلت التركيز على نحوٍ كبير من التحديات السياسية والاقتصادية إلى الأزمة الصحية. ولكن نظرًا إلى أن الجائحة فاقمت اللامساواة الاقتصادية، إذ تتحمّل الفئات ذات الدخل المتدنّي الوطأة الأكبر للتداعيات الاقتصادية الناجمة عن الوباء، لن ينقضي وقت طويل على الأرجح قبل خوض النقاشات الطبقية من جديد.

يونغ: إذا كانت المشكلة تتمثل في أن التحرير الاقتصادي عزّز مكانة النخب، ما هي برأيك المقاربة البديلة التي يجب أن تعتمدها الجهات المانحة الغربية؟ وعلامَ تعوِّل للقول إن هذه المقاربة تملك حظوظًا بالنجاح؟

لينفيلد: المقاربة البديلة التي أوصي بها هي أن تُدرج الجهات المانحة الدولية إجراءات لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد في الجهود القائمة للتحرير الاقتصادي. فهذه الإصلاحات السياسية مؤاتية أيضًا لنمو الأعمال والاقتصاد، وفقًا لما ورد في تقارير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي استشهدتُ بها في مقالي. يُشكّل إصرار صندوق النقد الدولي مؤخرًا على قيام السلطات اللبنانية بمعالجة الفساد قبل حصولها على قروض إضافية، خطوةً إيجابية نحو دعم تحاليله وآرائه بإجراءات عملية وفعّالة.

من الخطوات المفيدة الأخرى الدفع باتجاه تعزيز دور الهيئات التشريعية التي يعاني عدد كبير منها من الضعف في مختلف أنحاء المنطقة كي لا يقتصر عملها على المصادقة تلقائيًا على السياسات، إذ من شأن ذلك أن يُقدّم للجماهير الغاضبة بديلًا عن الاحتجاجات. وإذا استخدمت الجهات المانحة الدولية الزخم نفسه لدعم الحوكمة الجيدة مثلما تفعل في دعم التحرير الاقتصادي، فسوف تعزّز احتمالات تحقيق تقدّم سلمي ومستدام في الشرق الأوسط.

يونغ: ألا تبالغ بعض الشيء في قراءتك لمدى تأثير التضامن المناهض للنخب؟ ففي نهاية المطاف، تُظهر تجربة دول المنطقة أنها ستلجأ إلى العنف من أجل الحفاظ على بقائها، وأن المجتمعات غالبًا ما تلتزم الصمت من جديد. لماذا تعتقد أن ذلك سيتغيّر؟

لينفيلد: لقد برهنت النخب الحاكمة في المنطقة أنها مستعدة للذهاب إلى أقصى الحدود من أجل الحفاظ على مكتسباتها. لا أقول إن النخب ستقرر أن عليها التفكير في الآخرين بعيدًا من الأنانية وتبدأ بتشارُك الموارد مع باقي مكوّنات المجتمع. بل ما أقصده، وهو ما يُفهَم ضمنًا من سؤالك، أن سلوك النخب القائم على تركيز السلطة والموارد في أيدي الفئات النخبوية هو استراتيجية غير مستدامة ستؤدّي في نهاية المطاف إلى تأجيج العنف وإلحاق الضرر بمصالح الجميع، بما في ذلك مصالح النخبة.

تلجأ الأنظمة السلطوية عادةً إلى العنف حين تشعر بأن ما من خيارات أخرى أمامها، لكنها تعوّل في معظم الأحيان على الإكراه والترهيب غير العنيفين من أجل الحفاظ على سيطرتها اليومية. وعندما تتحوّل الأنظمة نحو العنف، يشكّل ذلك مقدّمة لفقدانها السيطرة، أو تكون قد بلغت مرحلةً قريبة من فقدان السيطرة.

لم تنجح الاستراتيجية التي تعتمدها الجهات المانحة الدولية من خلال تركيز نفوذها ومواردها على التحرير الاقتصادي بدلًا من الحوكمة الجيدة في تثبيت دعائم الاستقرار وتوطيد العلاقات بين المواطن والدولة، بل تسبّبت باستفحال التشنجات الطبقية وتفاقم الظروف المؤدّية للاضطرابات.

ليست هذه الاتجاهات متّسقة، فالتظاهرات في المنطقة ضد اللامساواة الاقتصادية والفساد شهدت مدًّا وجزرًا. ولا تزال النخب الحاكمة مصمّمة على القيام بكل ما في وسعها من أجل الالتفاف على التحديات الأخيرة بما يصب في مصلحتها الخاصة. هذا فضلًا عن أن التشنجات المجتمعية القديمة القائمة على المذهب والمنطقة والقبيلة لا تزال تعتمل وتبقى عرضة للاستغلال من النخب. ولكن الاتجاه الإجمالي للمنطقة لا يزال نحو التحرير الاقتصادي في خضم ترسيخ النزعة السلطوية. وما دام الوضع على هذه الحال، فسيتعزز التضامن ضد النخب على الأرجح. وتساهم الجهات المانحة الدولية، عن غير قصد، في تأجيج هذه التشنجات المتنامية بين المواطن والدولة، فيما كان يمكنها الدفع باتجاه تغييرٍ أكثر ديمومة يضفي على المنطقة قدرًا أكبر من الاستقرار والازدهار اللذين يشملان الجميع.

رابط الحوار

https://carnegie-mec.org/diwan/83778?utm_source=rssemail&utm_medium=email&mkt_tok=eyJpIjoiTlRsbFl6bGlOamRsTVdSaSIsInQiOiI2U1lMT3lxYzM2aE0yK1JsK0tKZ2ZmMXhMUFRiaG1OUzZucnpLcXJIQVNvMWRYaDNKQzlOOUlpNVVWUzAzQXBrKzdQUzBwSXBvNit4Nm1ZQTVRK0t1Y1lBcmVcL05GckdYZnNZNlhtZlE2R3ZvQ0liNTI1dXBlUzUrZWZPWjh0VysifQ%3D%3D

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Acıbadem evden eve nakliyat, Acıbadem Nakliyat
Bahçeşehir evden eve nakliyat, Bahçeşehir Nakliyat
Evden eve nakliyat, Nakliyat, İstanbul evden eve nakliyat, nakliyat firmaları, nakliye
Şehirler arası nakliyat, Şehirlerarası evden eve nakliyat
evden eve nakliyat ücretleri
evden eve nakliyat ücretleri
eşya depolama uluslararası evden eve nakliyat

istanbul izmir şehirler arası evden eve nakliyat

istanbul izmir evden eve nakliyat

istanbul bodrum evden eve nakliyat

istanbul fetihye evden eve nakliyat

bodrum evden eve nakliyat

istanbul izmir şehirler arası evden eve nakliyat

istanbul izmir evden eve nakliyat

istanbul bodrum evden eve nakliyat

istanbul fetihye evden eve nakliyat

bodrum evden eve nakliyat

uluslararası eşya taşımacılığı uluslararası eşya taşımacılığı eşya depolama yurtdışı kargo uluslararası evden eve nakliyat istanbul ev depolama ev eşyası depolama uluslararası ev taşıma uluslararası evden eve nakliyat uluslararası nakliyat
bursa escort gorukle escort
deneme bonusu deneme bonusu veren siteler
İstanbul İzmir nakliyat İstanbul İzmir evden eve nakliyat ümraniye evden eve nakliyat ümraniye nakliyat kağıthane evden eve nakliyat kağıthane nakliyat çekmeköy nakliyat çekmeköy evden eve nakliyat
deneme bonusu veren siteler deneme bonusu
ankara escort
akü servis akumyolda.comakücü akumyoldaakumyolda.comakumyolda.com akücü
ingilizceturkce.gen.tr
TranslateDict.com is a online platform that specializes in free translation, helping visitors to translate to English from a wide variety of languages.translatedicttranslatedict.com
Free Spanish to English translation services are available at spanishenglish.com to help you understand and communicate in both languages. spanishenglish.com
şehirler arası nakliyat manisa şehirler arası nakliyat şehirler arası nakliyat şehirler arası nakliyat şehirler arası nakliyat profesyonel evden eve nakliyat ofis taşıma sigortalı evden eve nakliyat istanbul evden eve nakliyat
kazansana
Şehirler arası nakliyat
unblocked games io games
evden eve nakliyat fiyatları İstanbul evden eve nakliyat
evden eve nakliyat nakliye şirketi
Sarıyer Evden Eve Nakliyat Şişli Evden Eve Nakliyat İstanbul İzmir Nakliyat, İstanbul İzmir Evden Eve Nakliyat İstanbul İzmir Evden Eve Nakliyat Kağıthane Evden Eve Nakliyat Ümraniye Evden Eve Nakliyat Çekmeköy Evden Eve Nakliyat
https://www.fapjunk.com https://pornohit.net
https://www.fapjunk.com https://pornohit.net
Başakşehir Evden Eve Nakliyat Şişli Evden Eve Nakliyat Göztepe Evden Eve Nakliyat Bakırköy Evden Eve Nakliyat Sancaktepe Evden Eve Nakliyat Mecidiyeköy Evden Eve Nakliyat Fatih Evden Eve Nakliyat Bahçeşehir Evden Eve Nakliyat Esenler Evden Eve Nakliyat İstanbul Evden Eve Nakliyat
london escorts
şehirler arası nakliyat manisa şehirler arası nakliyat Çanakkale şehirler arası nakliyat Balıkesir şehirler arası nakliyat şehirler arası nakliyat şehirler arası nakliyat Tuzcuoğlu nakliyat
evden eve nakliyat istanbul
istanbul evden eve nakliyat Eşya depolama Ev depolama
evden eve nakliyat
İzmir Şehirler Arası Nakliyat Manisa Şehirler Arası Nakliyat Çanakkale Şehirler Arası Nakliyat Balıkesir Şehirler Arası Nakliyat Şehirler Arası Nakliyat
Spanish to English translation is the process of converting written or spoken content from the Spanish language into the English language. With Spanish being one of the most widely spoken languages in the world, the need for accurate and efficient translation services is essential. Spanish to English translation plays a crucial role in various domains, including business, education, travel, literature, and more. Skilled translators proficient in both Spanish and English are required to ensure accurate and culturally appropriate translations. They must possess a deep understanding of both languages' grammar, syntax, idioms, and cultural nuances to convey the original meaning and intent of the source content effectively. Quality Spanish to English translation services help bridge the language barrier and facilitate effective communication between Spanish-speaking individuals and English-speaking audiences.spanishenglish.com
^ TOP