الجديد

المشهد السياسي: نذر "الفتنة" تطل برأسها

كتب: منذر بالضيافي
تدنى الخطاب السياسي خلال الفترة الأخيرة، حيث تصاعد تبادل الاتهامات بينهم، اتهامات غير مألوفة وصادمة للرأي العام، بسبب خطورتها على الأمن القومي، وأيضا لكونها تمس بمستقبل مسار الانتقال الديمقراطي، الذي أصبح مهددا وفي حاجة لعودة الرشد للطبقة السياسية لحمايته وضمان ديمومته.
كما كشفت “الاتهامات” عن عمق أزمة الثقافة السياسية، وافتقاد المشهد السياسي لقيادات “نوعية”، وينسحب هذا على من في الحكم ومن في المعارضة. و أظهر أن الممارسة السياسية تفتقد لخلفية وعمق ثقافي وتنظيري، وتجلى أن سياسيينا يعيشون حالة “اغتراب” حقيقية عن مشاكل وحاجيات المجتمع الحقيقية، وتأكد أنهم في حاجة ماسة الى معرفة سوسيولوجية بما يجري في رحم المجتمع التونسي.
في ظل وجود “أزمة قيادات” برز على الساحة “رهط” من السياسيين تحولوا بقدرة قادر الى “مناضلين” و”سياسيين محترفين” لهم قول وباع وذراع في كل المسائل، ينتقلون من حزب الى حزب ومن كتلة برلمانية الى أخرى بلا أدنى توضيح وتفسير أو دون “حياء” أخلاقي. كما تصدرت صورهم وتصريحاتهم نشرات الأخبار وصفحات التواصل الاجتماعي، ليسدوا أذاننا بخطب هي عبارة عن مزيج من الشتم والتخوين وادعاء لبطولة وهمية، حديث يفتقد للمعني و “ينقص من الأعمار” كما يقول المثل الشعبي.
ان ما يجري “الان وهنا” مشهد لا يخضع لجاذبية الأرض، ويحيلنا على مقولة هوبز الشهيرة “حرب الكل ضد الكل”. و لا نبالغ في شيء بالقول أن الدعوات للاصطفاف والتجييش هي مقدمات ستكون لها نتائج سلبية ووخيمة على البلاد والعباد.
غاب عن أذهان “المناضلين الجدد” أن الانجرار الى الفوضى قد يكون سهلا، لكن الخروج منها صعب وصعب جدا، لأن “فاتورة” ذلك ستكون غالية جدا، ولن يسلم من نارها أحد. ولعل شواهد التاريخ تعطينا دروسا ولكن يبدوا أن الكثير منا لا يتدبر ولا يفقه وكأن على عيونهم غشاوة.
في ظل هذا المشهد السريالي بل الانتحاري هناك مؤشرات على الانزلاق نحو العودة  لحالة استقطاب سياسي وايديولوجي “مخيف” يتغذى هذه المرة من صراع غير مسبوق حول السلطة، والمزعج أنه صراع يدور بين رأسي السلطة التنفيذية،  وهو ما يجعله ينذر بالتحول الى شبح مخيف على استقرار البلاد، وعلى السلم الاجتماعي، كل ذلك في غفلة من “حكماء” هذا البلد  -ان وجدوا – .
يشبه المشهد السياسي التونسي الحالي، تلك الصورة التي عبر عنها الشاعر والفيلسوف الكبير أبو العلا المعري، في وصفه لتنامي الصراعات في عهده. حيث يقول: “في اللاذقية فتنة ما بين أحمد والمسيح .. هذا بناقوس يدق وذا بمأذنة يصيح .. يا ليت شعري ما الصحيح”.
وبالفعل فمن خلال تتبع التصريحات و ما يكتب في الصحافة أو البرامج الإذاعية والتلفزيونية، أو في الندوات ومنابر الحوار وحتى في الفضاءات العمومية نلاحظ وجود كل مظاهر “الفتنة”. من خلال “تمترس” كل فريق وراء موقفه وزمرته. و ما يعني ذلك من إلغاء للآخر المخالف تصل حد استبطان الالغاء والتصفية.
بالعودة للشعارات التي رفعتها الحركة الاحتجاجية في تونس –التي تحولت إلى ثورة –  منذ انطلاقتها، يمكن الإشارة إلى بعض الخاصيات ومنها أساسا أن أبرز الفاعلين فيها هم “أجيال ما بعد- إيديولوجيا”، فلم يحركها ويؤطرها لا اسلامي ولا قومي ولا ستاليني ، لذلك وصفت بثورة الشباب. وهي الأجيال الجديدة التي تم توجيهها وتهميشها بصفة إرادية خلال كامل فترة حكم العهد السابق.
ما جعل منها أجيالا لا تهتم كثيرا بالايدولوجيا وبالعمل السياسي أصلا بما يعنيه من انخراط في الأحزاب واهتمام بالشأن العام. ولم يكن لها ارتباط -ولو عاطفي- بالإيديولوجيات الكبرى سواء كانت “قومية/عروبية” أو “ماركسية” أو “إسلامية”. وبرز ذلك “من خلال الشعارات التي كانت كلها براغماتية وواضحة ولا تتحمل أي تأويل، تم تلخيصها في : (“ديقاج”- “ارحل”).
حرص المحتجون يومها على التعبير – وفي المقام الأول – على رفضهم للدكتاتورية والفساد والمطالبة بالديمقراطية. بطريقة بدت “عفوية” وبدون قيادات أو زعامات تقليدية. على خلاف ما هو متعارف عليه في تاريخ الثورات. وأيضا دون تأطير وهذا ما عقد كثيرا الانتقال نحو “مأسسة الديمقراطية”، خاصة وأن الدكتاتورية خلفت فراغا سياسيا وإيديولوجيا كبيرا.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP