الجديد

بعد أن طلب منه تجديد "شرعيته" في البرلمان: ما هو مستقبل "التعايش" بين رئيس الدولة و رئيس الحكومة ؟

عبد المجيد المسلمي *
التعايش أو بالفرنسية cohabitataion، هو مصلح أطلقه الفرنسيون على وضعية سياسية يكون فيها رئيس الجمهورية من حزب سياسي و رئيس الحكومة من حزب سياسي أخر معارض عادة، مما يجعلهم نظريا متعارضين. لكنهم مع ذلك فهم مطالبون بأن يتعايشوا ويمارسوا السلطة التنفيذية سويا.
تجدر الاشارة، الى أن فرنسا قد شهدت ثلاثة فترات تعايش في تاريخها السياسي المعاصر، أبرزها تلك التي كان فيها الاشتراكي، فرنسوا ميتران رئيسا و جاك شيراك الديقولي رئيسا للحكومة ( سنة 1990)، و تلك التي كان فيها جاك شيراك رئيسا، و رئيس الحكومة، هو ليونال جوسبان، الاشتراكي ( سنة 1998).
في تونس، التي يشبه نظامها السياسي نظيره في فرنسا ( رئيس منتخب من طرف الشعب و رئيس حكومة منتخب من البرلمان)، وأمام الصراع المكشوف بين رأسي السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي من جهة، و رئيس الحكومة يوسف الشاهد من جهة أخرى، فانه يمكن القول أن البلاد قد دخلت تحت نظام التعايش السياسي la cohabiation مع اختلاف مهم و هو أن رأسي السلطة التنفيذية المتصارعين هم من نفس الحزب السياسي و هو “نداء تونس”.
انشطار في العائلة في الحزب ثم في السلطة التنفيدية
ان طريقة أو ادارة الحكم التي أرساه السيد الباجي قايد السبسي منذ وصوله لقصر قرطاج، بنيت في جزء أساسي منها على الولاء العائلي. لذلك تم تصعيد ( لا نقول انتخاب) ابنه حافظ قايد السبسي لادارة الحزب الحاكم (نداء تونس)، وكذلك التحكم في تسييرالكتلة النيابية للحزب، أي أنه أصبح لاعبا رئيسيا في منظومة الحكم. و أصبح – مع أبيه – يتحكم في الجزء الأكبر من السلطة .
بعد إعفاء الحبيب الصيد، رئيس الحكومة الأول في فترة حكم السبسي الأب، عين الباجي قايد السبسي يوسف الشاهد، رئيسا الحكومة، الذي ينتمي أيضا للعائلة الموسعة للرئيس، و يرتبط معها بعلاقات وطيدة.
هكذا اذن وزع رئيس الدولة السلطة، بين جناحين للعائلة، ابنه حافظ قايد السبسي في الحزب و يتحكم في الكتلة البرلمانية، و يوسف الشاهد (الذي يمثل جناحا من العائلة) في قصر الحكومة بالقصبة، و حول هذا و ذاك تكونت شبكة من العلاقات تدور في فلكهم.
من الصعب تحديد التوقيت الذي اندلع فيه الصراع بين الجناحين، يقول البعض أنه منذ إيقاف رجل الأعمال المثير للجدل، شفيق الجراية، الذي تربطه وشائج قوية بحزب “نداء تونس”، و يقول البعض الأخر، انه اندلع منذ بروز طموحات سياسية للشاهد، لم يستسغها المدير التنفيذي لحزب “نداء تونس”ن الذي له أيضا نفس الطموحات.
و لكن الأكيد، أن الصراع بين جناحي العائلة، انتقل تدريجيا لحزب “نداء تونس” و كتلته البرلمانية، وصولا إلى الانقسام الحاصل حاليا في الحزب و كتلة البرلمانية، بين شق يوسف الشاهد و شق حافظ قايد السبسي، وهو خلاف تم ترحيله لأجهزة الدولة ومؤسسات الحكم.
توقع العديد من الملاحظين، أن يكون رئيس الجمهورية حكما بين الجناحين المتنازعين في العائلة و في الحزب ، إلا أنه انحاز بصورة واضحة لابنه و فريقه ضد رئيس الحكومة. وهكذا انقسمت السلطة التنفيذية بين شخصيتين متنافرتين متنازعتين. فكيف سيكون “التعايش” بينهما في ما تبقى من العهدة الانتخابية (سنة كاملة)؟
“التعايش” قدر محتوم أم خطأ أصلي للنظام السياسي التونسي؟؟
قسم دستور 2014 السلطة التنفيذية إلى رأسين، رئيس جمهورية منتخب مباشرة من الشعب، و رئيس حكومة يمنح له البرلمان الثقة، و خص كل منهما بصلاحيات محددة ( نظام برلماني مختلط). و يعتبر البعض أن هذا النظام السياسي يعد أحد أهم أسباب الأزمة الحالية، المتمثلة في الصراع بين رئيس الدولة و رئيس الحكومة. و يطرحون إما التحول إلى نظام برلماني محض تكون فيه السلطة الأساسية لرئيس الحكومة أو نظام رئاسي يحظى فيه الرئيس المنتخب من طرف الشعب بكل السلطات.
و يعتبر آخرون أن التعايش cohabitation ممكنة بل ضرورية بين راسي السلطة التنفيذية، وذلك في نطاق احترام صلاحيات كل طرف، و الحال أنه لا يفصلنا عن الاستحقاق الإنتخابي إلا سنة واحدة، و أن الأوراق سيعاد خلطها من جديد سنة 2019، و أن سلطة تنفيذية برأسين تمثل صمام أمان إضافي، ضد تغول إحدى السلطات على الأخرى، و بالتالي ضمانة أساسية للديمقراطية
*ناشط سياسي

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP