الجديد

بعد موافقتها على تعديل القانون الانتخابي .. النهضة في مواجهة "حرج"  أخلاقي و سياسي !  

هشام الحاجي
لا شك ان حركة النهضة، تعد الرقم الاساسي في المشهد السياسي التونسي منذ 14 جانفي 2011 الى حد اللحظة الراهنة . و لهذه المكانة عدة اسباب، لعل من اهمها دور الحركة في التخلص من النظام السابق، الى جانب ما راكمه النهضويون منذ تأسيسهم من تجارب و من قدرة على اللعب على التناقضات، و على ممارسة “المناورة المشروعة “، علاوة على انهم اقدم حزب سياسي، اذ يعود تأسيسه الى مطلع ثمانينات القرن الماضي.
ولعل هذه الخلفية، قد تساعد في فهم مفارقة الاختيارات الصعبة، التي تعيشها  حركة النهضة حاليا. ذلك ان الحركة  قد بنت  مشروعيتها منذ النشأة والى لحظة الاطاحة بزين العابدين بن علي، على سردية النضال و المعاناة والمظلومية، و بدرجة اقل على الارتباط بتصور نضالي للإسلام، لا يخلو في المستوى الثقافي و الاجتماعي، من رؤية محافظة.
خلال السنوات الاخيرة اضعفت هذه السردية وتراجعت كثيرا، وذلك بعد ان وقع “التعويض” عن “سنوات الجمر “، من خلال قانون العفو التشريعي العام و بعد ان انتقلت حركة النهضة من المعارضة و الاحتجاج الى المشاركة الفاعلة و المؤثرة في شؤون الحكم.
اما في المستوى الثقافي و الاجتماعي، فقد “اضطرت” النهضة حفاظا على جاذبية الصورة امام الخارج بالأساس، الى تبني دستور يؤكد على حرية الضمير و الى “تبرير ” المثلية الجنسية، و تقديم مواقف ملتبسة في ما يتعلق بالمساواة  في الارث.
و من المهم الاشارة، الى انه من عدم الالمام بكل المعطيات الاكتفاء بالإشارة للعامل الخارجي فقط،  في تفسير اسباب هذه المواقف لان ارهاصاتها قد وجدت منذ السنوات الاولى، التي اعقبت تأسيس الحركة و لكن الاختفاء وراء اولوية النضال السياسي، و ما خلقته المواجهة الامنية و السياسية مع النظام السياسي السابق، من ظروف لم تساعد على توفير مناخ للنقاش الفكري الهادئ، هو الذي ربما اجل النقاش حول هذه القضايا الى حد الان.
و هذا التأجيل يبدو انه لم يعد من الممكن ان يتواصل، لأنه المدخل الاساسي لتحقيق فصل حقيقي بين ” الدعوي” و “السياسي”، و الانخراط الواضح في المنظومة الديمقراطية بخلفيتها الفكرية و الثقافية، التي تسند الممارسات الديمقراطية بمؤسساتها و مساراتها الانتخابية .
هذا الحوار الفكري، الذي لم يكتمل لحد الان لا يبدو مهما في نظر قيادة حركة النهضة، التي تواجه بكل تأكيد مفارقات و رهانات سياسية حارقة.
فقد دفعها انخراطها في منظومة الحكم، الى ان تشيح بوجهها عن اصدقاء “سنوات الجمر” من شخصيات و احزاب سياسية و الى مد الايادي الى اعداء الامس من المنحدرين من النظام السابق .
هذا التغيير قد يكون بالنسبة للكثيرين دليل واقعية سياسية ساهمت الى جانب دعم مكانة حركة النهضة في تجنيب البلاد انتكاسات كان بالإمكان ان تكون تداعياتها سلبية على الجميع.
لكن هذا التغيير  افقد الحركة اوراقا هامة خاصة في ما يتعلق بالقدرة على الاضطلاع بدور الفيصل بين الفرقاء خاصة في الاستحقاقات الانتخابية . فقد كان موقف حركة النهضة حاسما في تولي منصف المرزوقي الرئاسة المؤقتة و مؤثرا  في انتصار الباجي قائد السبسي سنة 2014 و لكن لا يوجد مؤشر واضح و قاطع على ان حركة النهضة تملك القدرة على التأثير الواضح على الانتخابات الرئاسية القادمة، في ظل تراجع كتلتها الانتخابية، و في ظل عدم تجاوب اغلب المترشحين المفترضين مع اشارات النهضة التي عرضت بشكل موارب خدماتها في هذه الصدد.
يضاف الى ذلك ان الاختلافات في التقييم التي تعيشها حركة النهضة، والتي  القت بظلالها على الموقف من الاستحقاق الرئاسي في ظل التباين في المواقف بين من يدفع في اتجاه الاكتفاء بدعم مرشح من خارج الحركة و من يرغب في ان ترشح الحركة احد قيادييها لهذا المنصب.
هنا يبدو ان المخاوف من الفشل الانتخابي هي التي تفسر عدم تحمس  رئيس الحركة راشد الغنوشي للترشح لان هذا الفشل سيكون مضاعفا اذ سيمس صورة الحركة التي نجحت في كل المواعيد الانتخابية التي خاضتها منذ اكتوبر 2011 الى حد الان  في مراكمتها، و لأنه سيكون ايضا نهاية غير سارة لمسيرة “المرشد” السياسية والاعتبارية والرمزية.
و في كل الحالات فان الموقف من الاستحقاق الرئاسي يمثل احد مظاهر مفارقة الاختيارات الصعبة التي تنسحب الى حد كبير على الكيفية التي ستحسم بها حركة النهضة مع تزكية الترشحات للانتخابات التشريعية .
فبقدر ما يحسب للحركة اعتمادها الانتخابات الاولية بما تعنيه من ممارسة للديمقراطية الداخلية بقدر ما كشفت ملابسات الانتخابات التي عاشتها الجهات وجود ممارسات تمس من مصداقيتها في عدة جهات .
و قد كشفت مناقشة مشروع تنقيح المجلة الانتخابية عن وقوع حركة النهضة في مفارقة ذات بعد اخلاقي ان صحت العبارة اذ اصبحت تدافع عن “الاقصاء ” و هي التي عانت منه و طالما اعتبرت انها تناضل ضد كل اشكال الاقصاء.
عموما، يبدو ان الحسم في هذه المفارقات يرتبط الى حد كبير بطبيعة الاختلافات التي تعيشها حركة النهضة،  و هي اختلافات تحرص قيادات حركة النهضة، على ان لا تكون سببا من اسباب انقسام الحركة، و هو ما يحسب في كل الحالات لفائدة النهضويين، و من  بين مفارقات اللحظة الصعبة، تحديد الموقف من العلاقة من حركة “تحيا تونس”، في ظل بعض “الشكوك ” المتبادلة بين الطرفين، خاصة في ما يتعلق بكيفية التصرف بعد الانتخابات الرئاسية و التشريعية،  و التي ستتأثر الى حد كبير بالحجم الحقيقي الذي ستكشفه الانتخابات لحزب رئيس الحكومة الحالي، و بالأحداث المتسارعة اقليميا و دوليا و التي تمثل عاملا مهما ستأخذه الحركة بعين الاعتبار .
هشام الحاجي
 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP