الجديد

تشكيل حكومة الفخفاخ .. كيف سيكون المشهد السياسي والبرلماني؟

علاء زروقي
يفتخر الفاعلون السياسيون، في أغلبهم، بالمنجزات السياسية و الدستورية التي عرفتها تونس بعد الثورة، و أكد هذا النجاح النسبي في الانتقال السياسي، تواتر الانتخابات الدوري، و قبول كل الفاعلين السياسيين بنتائجها، و هو ما كرّس تداولا سلميا على السلطة. هذا النجاح النسبي، تُشوّهه في الحقيقة، ثلاثة أمور:

  • الفشل في استكمال المسار الدستوري عبر تركيز الهيئات الدستورية الضرورية لبناء المؤسسات الدسمقراطية و على رأس هذه المؤسسات، المحكمة الدستورية، و الهايكا و هيئة مكافحة الفساد.

 

  • الفوضى التي تمسّ الحياة الحزبية و الجمعياتية، التي مازالت خاضعة للمرسومين 87 و 88 لسنة 2011، و صار لزاما على البرلمان اليوم، اعادة صياغة قوانين قادرة على احكام تسيير الحياة الحزبية و الجمعياتية، و هو ما من شأنه ترشيد العمل السياسي و تنظيم تمويله، و اعلاء قيمه الديمقراطية، و الحد من التشتت و السياحة الحزبيتين.

 

  • انخراط الاحزاب السياسية في نوع من التجاذبات الايديولوجية الحادة، بعيدا على مشاغل عامة التونسيات و التونسيين، و هو ماجعل ثقة التونسيين بها ضعيفة جدا، و هو ما انعكس في نسب المشاركة في الانتخابات. و الجميع يعرف ان ارتفاع معدلات المقاطعة للانتخابات يُمثّل خطرا حقيقيا على التجربة الديمقراطية.

و زاد الأمر غموضا، تعثّر النخب الحزبية و فشلها في تشكيل حكومة، تتصدى لتسيير البلاد، و تتحمّل مسؤولية الإصلاحات الكبرى، و التخفيف من انشغالات التونسيين المتعلقة بغلاء الأسعار و التضخم و البطالة و الفقر و تقاوم الفساد و الجريمة. ولا يبدو ان المكلّف الثاني بتشكيل الحكومة  الياس الفخفاخ في موضع، أفضل من سلفه.  و نحن نعتقد ان المشهد الحزبي و البرلماني لن يكون ثابتا أو مستقرا في المدة القادمة. بل انه مرشّح لان يعرف تغيّرات كبيرة، بحسب نوعية السياج السياسي الذي سيكون ساندا لحكومة السيد الياس الفخفاخ.
و سنحاول في هذه الورقة توقع السيناريوهات الممكنة للتحالفات و توزيع القوى و الكتل السياسية:

  • مرور حكومة التحالف الرئاسي:

اختار الفخفاخ ان يُحدّد أوليا الائتلاف الحكومي، مستندا للدور الثاني في الرئاسية. فاختار حلفاءه من داعمي السيد قيس سعيد، النهضة و التيار و الشعب و تحيا تونس. وذهب البعض الى تسمية هذا التحالف بـــ”الخط الثوري”. و على ما في هذه التسمية من مغالطات تاريخية، فباستثناء حركة الشعب، فان بقية الكتل لم تكن ضمن القوى الفاعلة حقيقة في حراك 17 ديسمبر/14 جانفي، بل إن الرئيس نفسه لم يكن في لحظة من حياته من الحالمين بالثورة أو الداعين إليها ناهيك عن المشاركة في تحركات ثورية أو احتجاجية من أجلها، فان هذا الائتلاف ستكون له نتائج مباشرة على المشهد الحزبي و خاصة البرلماني:

  • سيكون هذا التحالف ضعيفا، و لن يُمكّن حكومة الفخفاخ من أغلبية مريحة، إذ سيُوفّر لها بالكاد النصاب القانوني لاكتساب الثقة، بل انه قد يعجز على توفير الأصوات مع ما يعنيه ذلك من فشل في نيل الثقة، الأمر الذي ستكون له عواقب دراماتيكية على الحياة السياسية في البلاد، و قد يدفع بها نحو أزمة خانقة، لن تنتهي الا بإعادة الانتخابات، مما سيزيد في تفاقم الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و يستنزف المقدرات المالية في انجاز انتخابات تتطلب أكثر من 130 مليار، و لا ضمانات حقيقية إنها ستعرف مشاركة مواطنية أو أن تكون نتائجها أفضل من سابقاتها، بما يُعيد إنتاج نفس الأزمة.
  • سيكون هذا التحالف هشّا، و غير مستقرّ، و من المرجّح ان ينفجر في كل لحظة. فالتقاء هذه الأحزاب في الدور الثاني للرئاسية، كان حول هدف موضوعي محدد، و لأسباب مختلفة. فلا شيء يجمع بين هذه الأحزاب لا في تصوراتها الاقتصادية او الاجتماعية بل وحتى الحضارية و رؤيتها للدولة و دورها الاقتصادي و الاجتماعي. فحركة الشعب تؤمن بالدولة الراعية، و بدورها التنموي و الاستثماري و بالاقتصاد الموجه، والحال ان حركة النهضة وتحيا تونس لهما تصورات اخرى للدولة و للمؤسسات العمومية و بالاقتصاد الحرّ. و لا نعرف حقيقة كيف سيكون حسم رئيس الحكومة في ملف المؤسسات العمومية امام تباين الآراء حولها.

 

  • سيكون لقاء “الضرورة” و ليس لقاء القناعة، تكشفه الخطابات العدائية التي يُصدرها قياديو هذه الاحزاب ضد بعضهم البعض. فالتيار الديمقراطي و حركة الشعب لا يُخفيان صراحة “عدوانيتهم” تجاه تحيا تونس، بل ان سامية عبو و سالم لبيض القياديين تباعا في التيار و في الشعب، لا يُفوتان فرصة للتهجم على يوسف الشاهد و حزبه. و انضمت قيادات النهضة المعروفة بخطابها “المتحفّظ” لانتقاد التيار و الشعب، و لم بخل ائتلاف الكرامة على الجميع بسيل من النعت السلبية. هذه العداوة الكامنة المتخفية قد تظهر في كل لحظة و قد تؤثر على استقرار الحكومة.

 

  • سيخلق هذا التحالف معارضة قوية، فمن الممكن أن يحصل تقارب بين قلب تونس و الحزب الجستوري الحر اضافة الى كتلة الاصلاح الوطني و كتلة المستقبل. و هو ما سيجعل المعارضة تحصل على ثلث اعضاء البرلمان، و هو ثلث معطّل، و قد يتحوّل الى ثلث ؤاديكالي، إذ سيجد خطاب السيدة عبير موسي فضاء ارحب و عددا من النواب أكبر. هذه المعارضة ستكون لها تأثيرات سلبية على عمل الحكومة و نشاط وزرائها و تمرير قوانينها و استكمال المؤسسات الدستورية، لكن خطرها الفعلي سيمسّ فعليا، حزبا حركة النهضة و تحيا تونس. فالجميع تابع قدرة “الاضرارnuisance ” الهائلة التي تمتلكها زعيمة الحزب الدستوري، رغم ان عدد نوابها لا يتجاوز الــ17 نائبا، فكيف سيكون الحال إذا ارتفع العدد الى الــ70 نائبا. و كيف سيتمكن المجلس من الاشتغال، و أية طاقة يجب ان يولدها السيد راشد الغنوشي لينجح في تسيير الجلسات.

هذا اضافة الى ان هذه الكتلة الكبيرة، يُمكنُها مداومة المساءلات الكتابية و الشفوية لوزراء الحكومة بشكل يمنعهم اصلا من ممارسة مهامهم بأريحية. أما تحيا تونس، فسيجد نفسه في إئتلاف غريب عليه تماما، و سيجد على يساره أحزابا شبيهة به، منتمية الى عائلته الفكرية و السياسية تُمارس دور المعارض لــ”حكومة” الثورة، حكومة النهضة، و سيكون لذلك تأثيره في شعبية الحزب، و قد يدقع غالبية قاعدته الانتخابية للالتفاف حول هذه المعارضة.

  • قلب تونس في الحكومة….سيناريو ممكن

 تفقد في هذه الحالة الحكومة صفة “الثورية” و يتحول الفخفاخ الى رئيس حكومة لها حزام سياسي قوي، قادر على توفير الدعم الضروري في كل مشاريع القوانين و الاصلاحات الكبرى، تحالف سيسمح ايضا باستكمال تركيز الهيئات الدستورية بسرعة، و على رأسها المحكمة الدستورية و تجديد هيئة الانتخابات. و سيكون لهذا السيناريو أيضا تأثيره على الوضع السياسي و على المشهد البرلماني:

  • حكومة بقلب تونس و فيها التيار الديمقراطي، ستكون حكومة قوية. و يضمن مشاركة قلب تونس، انخفاظا في التماس بين مكوناتها. بل سيلعب قلب تونس، دور العازل الضامن للاستقرار و المخفّض من درجة المزايدات، فلن يكون لاي حزب مهما كانت أهميته الدور الاساسي و الحيوي في استمرارية الحكومة، إن اختار الانسحاب منها لاي سبب من الاسباب. و سيكون للتيار “الوطني” المنحدر من العائلة الوطنية الاصلاحية الاغلبية التي تمكنه من لعب دور محدد في العمل الحكومي و في مشاريع القوانين و حتى في التعيينات. و سيتم تبعا لذلك تهميش دور المعارضة في المجلس، و سيكون صوتها نشازا في “سمفونية التوافق” الوطني.
  • حكومة بقلب تونس، و انسحاب التيار، ستكون حكومة اكثر انسجاما، فالتيار الديمقراطي، يرفض ان يُغادر خطابه فضاء المزايدات، و يرفض قياديوه التوقف على التحرّش ببعض مكونات التحالف الحكومي. بل ان الدفع بالتيار نحو المعارضة، قد يكون هدفا في المرحلة القادمة، لانا نعتقد ان الحزب الدستوري الحرّ سيتكفل بتهميش دور التيار كحزب معارض، و سيعجز على خلق خطاب معارض أعلى من خطاب عبير موسي أو خطابا اكثر وضوحا منها.
  • ستضمن الحكومة استقرارا في حزامها قد يُمكنها من بناء استراتيجية عمل على المدى المتوسط، و هذا امر مطلوب و ضروري لانجاز الاصلاحات المطلوبة و التي تم تأجيلها أكثر من مرّة.
  • قد يقود هذا التحالف الحكومي الى تقارب أكثر بين مكونات سياسية متشابهة و منتمية الى نفس الفضاء الفكري، اي قلب تونس و تحيا تونس و الاصلاح الوطني و الكتلة المستقلة. تقارب قد يكون له نتائج أهم على المستوى التنظيمي، بشكل يُعيد التوازن و الاستقرار الى المشهد الحزبي الذي انخرم بعد انفجار نداء تونس.

ان المشهد السياسي و البرلماني و الحزبي، في تونس سيظل محافظا على مميزاته، خاصة منها التشتت و الهشاشة و التحولات السريعة. تحولات قد تبدو لاغلب التونسيين انقلابات في المواقف دون مبررات موضوعية، مما يزيد في انعدام الثقة في الاحزاب.
و لكن الامر المؤكد هو ان الوضعية السياسية مازالت غير مستقرّة، و ان حكومة الفخفاخ  في قلب التجاذبات السياسية، و انها ستكون محددا للمرحلة القادمة و لتطوراتها.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP