الجديد

تونس الجديدة و امتحان "المقبولية الدولية"

خديجة زروق
لا يمكن فهم مسار تونس في السنوات الأخيرة اذا لم يقع اخذ البعد الدولي بعين الاعتبار. ذلك أن دور القوى الدولية و الاقليمية قد تنامى في تونس ما بعد 14 جانفي 2011 بل ظهر دور واضح لدول لم يكن لها أدنى تأثير على السياسة الداخلية و الخارجية لتونس كتركيا و قطر و بدرجة أقل السعودية و الإمارات العربية المتحدة. و لا شك أن المتابعين يستحضرون “مساهمة ” الخارج  في صياغة دستور 2014 و في لقاء “الشيخين”   (الباجي قايد السبسي و راشد الغنوشي) في باريس صائفة 2013 هذا اللقاء  الذي كرس “التوافق ” بين الخطين المتوازين برعاية خارجية لا يمكن التغافل عنها أو التقليل منها.
و تبقى المبالغ المالية الضخمة التي تحصلت عليها تونس في السنوات الأخيرة في شكل قروض و هبات أكبر تأكيد على اهمية الدور الخارجي في السياسات التونسية و هو ما يجعل من طرح السؤال حول مقبولية ما أفرزته الانتخابات الرئاسية و التشريعية الأخيرة امرا معقولا؟.
يبدو أن الصعود المفاجئ لقيس سعيد قد أثار عدة نقاط استفهام في دوائر القرار الدولية المهتمة بالشأن التونسي لان رئيس الجمهورية لا يملك قنوات تواصل مع العواصم الفاعلة و ظل غامضا في مستوى الآليات التي اعتمدها لتعبيد الطريق إلى قرطاج و لأنه لم يفصح خلال الحملة الانتخابية عن تصوره لعلاقات تونس الخارجية و خلقت مواقفه القوية من التطبيع مع الكيان الصهيوني تبرما في عدة عواصم و خاصة واشنطن التي لم توجه رسالة تهنئة لرئيس الجمهورية الى حد الآن.
لم تعبر المؤسسات المالية المانحة لتونس  لحد الان عن موقف داعم و يبدو أنها تنتظر تشكيل الحكومة و لكن من غير المستبعد أن تكون أكثر صرامة في تعاملها مع تونس و قد تتخذ من تعطل مسار الإصلاحات التي تطالب بها تعلة لتقتير القروض و المساعدات.
رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي لا يملك ايضا شبكة علاقات دولية من شأنها ان تساعده على حسن الاضطلاع بمهامه و في تحريك الاستثمار الخارجي و قد يجد صعوبة في فرض نفسه على رقعة العلاقات الإقليمية والدولية المعقدة.
و إذا كانت الأنظار تتجه الى راشد الغنوشي كورقة رابحة في توفير مقبولية ضرورية للمرحلة الحالية في الخارج فان عدة ردود فعل تؤكد أن رئيس مجلس نواب الشعب لا يحظى بالأجماع في هذا الصدد و ان بعض العواصم كباريس لا تمنحه مطلق ثقتها و تنظر اليه كراغب في إشباع نهم للسلطة أكثر مما هو رجل دولة و أن البعض الآخر لا يخفي انزعاجه من علاقات راشد الغنوشي الوثيقة مع تركيا و قطر…
وبهذا وبرغم طغيان الحسابات المحلية في اعادة رسم الخارطة السياسية وفي اعادة هندسة مؤسسات الحكم فان امتحان المقبولية الدولية قد يكون اكثر الامتحانات صعوبة للطبقة السياسية وخاصة الطبقة الحاكمة الجديدة، التي جاءت بها الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP