الجديد

تونس اليوم .. في صراع البحث عن التوازن السياسي المختل

غازي معلى

السياسة لعبة جماعية مشتركة، لها أصولها و قواعدها و معاييرها و ضوابطها، تتراكم فيها الخبرة تراكما ايجابيا، و تنتقل من جيل الى جيل، و المعيار الأكثر أهمية و الأعمق في اداء اللعبة السياسية، يتمثل بامتلاك القدرة الجماعية على ادراك معنى «التوازن « بين الأطراف المتجاذبة في اللعبة، لأن فقدان التوازن في اللعبة، اي لعبة يترتب عليه جملة من الاثار الخطيرة التي تهدد الاستقرار، و تمنع التقدم، و تطيح ببقية المعايير الأخرى.

لأن اللعبة تصبح بلا معنى وبلا متعة، مثل اقامة مباراة كرة قدم بين فريقين، أحدهما : فريق كبير و عريق و متكامل و ذو خبرة و مكانة و مليء بالنجوم، وفريق اخر ضعيف و مفكك و بلا خبرة ولا تدريب و لا امكانيات، فتصبح اللعبة ضربا من العبث و لا تحقق أغراضها و لن تجد الاقبال و لا المتابعة ولا المتعة، و لن تستمر و سوف يكتب لها الفشل.

قواعد اللعبة السياسية في تونس تحتاج الى اعادة تصميم و بناء جديد على مبدأ التوازن الحقيقي بين الأطراف المشتركة، كما فعل الباجي قايد السبسي رحمة الله عليه في 2012 ، عندما حاول خلق حزب يوازي النهصة من حيث التركمات و الخبرة البشرية و العددية، فاصبح طرفا منافسا فاعلا و مؤثرا و لاعبا حقيقيا.

من خلال مشاركته في الانتخابات، و طرح مشاريع و تشكيل حكومات ، و جلب الاستقرار، اليوم نفتقد قامة مثل الباجي يجمع و ينافس و يتصالح و يشارك بدون انبطاح .

اليوم هل تقدر عبير موسي ان تجمع منافسي النهصة او سامية عبو قادرة على ان تصبح زعيمة الحداثيين و الجمل الطويلة، للاسف القيادة و الزعامة تتطلب مقومات يفهما المثقف و يلتقطها المواطن البسيط ، وهي لا تتوفر في السيدتان.

فلا تراكم الخبرة السياسية و لا الثقافة و لا المعرفة الاساسية متوفرة في سامية و عبير، لان في الاخير لا يغرنكم كثرة الصياح في المجلس او في المنابر، فعند وضع الورقة في الصندوق المواطن البسيط يبحث عن استقرار و مستقبل او مشروع يحلم به ، حتى و ان كنت لا توافقه احلامه.

و لعل هذا ما يفسر  سقوط  لائحة سحب الثقة من الغنوشي، و كما سقطت كل اللوائح قبلها ، و التي تليها لان التوازن مفقود و بالتالي سنعيش فترة هزات و ارتدادات، الى نهاية العهدة النيابية .

و حتى الرئيس قيس يمكن ان يكون قد خلق نوع من التوازن بالصدفة و باغلاط المنافسين و سوء تقديرهم، و لكن لا يمكنه ان يخلق توازن مستمر و استقرار باعتماده الا على صلاحيات دستورية محدودة،  فالحركة و الفعل السياسي يتطلب مقومات اخرى لا نراها متوفرة الان لدى الرئيس الحالي.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP