الجديد

غازي معلى

حفتر معزول دوليا .. أي مصير للمشير “المقامر” ؟

غازي معلى

قالها و اخيرا قالها….قالها المشير خليفة حفتر، امام الشعب الليبي، انه قبل تفويض الشعب الليبي، حسب تعبيره، الذي كان قد طلب منه منذ اقل من أسبوع، و قال انه رغم حجم المسؤولية و جسامتها،  لكن القيادة العامة للجيش تقبل قيادة البلاد، و إلغاء الاتفاق السياسي الموقع في 2015 في الصخيرات، و بالتالي إلغاء البرلمان و الذي مقره طبرق شرق ليبيا ، و ازاحة حكومة السراج و المجلس الأعلى للدولة، الذين أتت بهم اتفاقية  الصخيرات.

لكن، المشير  لم يعلن في خطابه القصير ، عن الآليات لهذا الانقلاب على الصخيرات، و لا كيفية إدارة البلاد في الفترة المقبلة، و لا السقف الزمني لهذا التفويض، الحقيقة ان هذا الانقلاب التلفزيوني، هو ليس الأول لحفتر فقد قام بانقلاب تلفزيوني في 14/2/2014 قبل أن يطلق عملية الكرامة في 17ماي 2014.

و منذ ذلك التاريخ، و هو يسعى للوصول للسلطة المطلقة، و حتى حربه الأخيرة على المنطقة الغربية و طرابلس خصوصا منذ سنة، هي لإزاحة حكومة السراج و التربع على كرسي حكم ليبيا.

و بدعة التفويض الشعبي استوحاها حفتر من ملهمه و داعمه الاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي طلب هو أيضا تفويضًا شعبيا في شهر جويلية 2013 ، بتعلة القضاء على الإرهاب، و البقية تعرفونها .

بعد خطاب البارحو المفاجئ في التوقيت و المحتوى، تتالت الردود و كان اولها امريكي ببيان يتأسف لكلام المشير ، و يذكر ان الحل هو سياسي فقط، و بالحوار بين الليبين، و تلاه الموقف الروسي،  حيث صرح وزير خارجية روسيا انه مندهش من كلام حفتر و ان الحل هو الحوار السياسي بين أطراف النزاع،  و جاء الرد الأوروبي متماهي مع السابقين حيث عبر  قال المتحدث باسم خارجية الاتحاد لأوروبي انه يرفض رفضا قطعيا عرض حفتر و طموحاته و بالتالي لن يعترف به كرئيس لليبيا.

و اذا نظرنا إلى الجوار الليبي،  فالمواقف لم تتغير من قبل قبول التفويض، فتونس و على لسان رئيسها أعربت عن تمسكها بالشرعية الدولية في أكثر من مناسبة،  كما هو موقف الجزائر، الذي تعرضت لنكسة برفض الأمم المتحدة لمرشحها لمنصب مبعوث اممي لليبيا بضغط من حلفاء حفتر، و طبعًا تبقى مصر على دعمها و تأييدها لكل ما يقوم به حفتر، و كل ما يقوله.

بعيدا عن المواقف الدولية و العربية، ما الذي دعي حفتر ان يستعجل التفويض و قبوله بهذه السرعة القياسية،  و هنا عديدة هي  الأسباب و لعل اولها خسائره المتتالية ، في هذه الأسابيع لمواقع و مدن حساسة ، كان قد افتكها في الغرب الليبي،  و هذا  دون ان يعد مخفى عن احد يعود و بالأساس للدعم التركي الكثيف و المدروس لقوات حكومة الوفاق في طرابلس.

فالمعارك الأخيرة خاصة في مدن مثل صبراته او العجيلات التي استعادتها قوات السراج و منها معركة مدينة ترهونة الدائرة حاليا و التي تعتبر المركز الأساسي و المهم لحفتر في المنطقة الغربية و هي نقطة ارتكازه و خط تمويله.

بصمات التخطيط و التسليح و الغطاء الجوي التركي واضحة و لا لبس عليها ،  في حين ان الدعم العربي لحفتر بدا يخفت مع أزمة الكورونا، كما أن  جماعات الفقنر الروسية المساندة لحفتر على الأرض بدأت تتراجع وفق معلومات من داخل جبهات القتال تقول انها بدأت تتقلص و هي القوة الضاربة لجانب حفتر في حرب طرابلس الجارية الان.

لهذه الأسباب العسكرية اولا سارع حفتر بخطاب الامس  و أيضا لسبب سياسي اخر يتمثل  في ان مباحاثات سرية كانت جارية منذ مدة بين مستشاري حفتر و بتفويض منه و بعض القيادات السياسية الليبية، مباحثات  كانت تجري برعاية اميركية تركية لتكوين سلطة سياسية جديدة لليبيا تكون بديل عن حكومة السراج و حكومة الشرق الليبي و تكون حكومة وحدة وطنية تجهز للانتخابات القادمة و يكون حفتر له حصة فيها و يكون هو القائد العام للجيش.

هذه المباحاثات فشلت، و هذا أيضا ما يفسر انقلاب حفتر الأخير على الصخيرات و أيضا ما يفسر تصاعد التدخل التركي في الحرب ،  و لكن ما هي تدعيات خطاب حفتر البارحة على مستقبل ليبيا القريب ؟

اعتقد ان حفتر يجهز لما بعد إمكانية هزيمته في هذه الحرب، اي بمعنى عدم قدرته على دخول طرابلس ك”محرر” عسكري و إمكانية تقهقره إلى مناطق نفوذه في الشرق، و هنا لابد له من مشروعية جديدة بعد ما زج بأبناء القبائل الشرقية إلى معركة خسروا فيها كثير من ابنائهم دون هدف واضح او معلوم.

فكان عليه تعويض خسارة الفشل في “تحرير” طرابلس باعلان  مسك كل السلطة في الشرق الليبي، و إلغاء البرلمان و بالتالي إسقاط حكومة بنغازي و المسك بزمام الامور بالكامل بالمنطقة الشرقية.  لكن هل يذهب إلى حدود اعلان انفصال برقة و المنطقة الشرقية و الوسطى و بعض من الجنوب الليبي عن الغرب و طرابلس؟.

ان معرفتي بالرجل استبعد اعلان المشير حفتر الانفصال  لان الرجل  مهووس بحكم كل ليبيا و وراثة معمر القذافي الذي نفاه منها،  و أيضا لبعده الأيديولوجي العروبي التوحيدي، و لكن يبقى أيضا عامل السن و ضغوط الداعمين أمرا مهما، اذ لا ننسى المطامع المصرية في ضم الشرق الليبي لمصر مباشرة او كمنطقة نفوذ.

وهي التي تمثل متنفسا لمصر اقتصاديا و جغرافيا و ديموغرافيا، و هذه عقيدة مصرية راسخة لدى الجيش المصري، منذ القدم و كانت قاب قوسين ان تتحقق في 2011 ، عندما فكر ثوار ليبيا في الشرق في الانفصال، بعد أن فشلو في الوصول إلى طرابلس، لكن حينها كان للأمريكان والفرنسيين كلمة أخرى، و رفضوا الفكرة بالكامل و غيروا  مجرى المعارك بتدخل مباشر و صريح.

ان التقسيم الذي لا يقبله الأمريكان اساسا يفسر الضوء الأخضر للتدخل التركي بمباركة او بتنسيق أمريكي، من أجل المحافظة على التوازنات في ليبيا اولا، و أيضا التصدي ان لزم الأمر لأي مشروع انفصالي بالتدخل العسكري المباشر المتصاعد حسب تتطور الأوضاع.

و في الأخير ما هو مصير حفتر القائد العسكري غريب الأطوار،  فهل ينتهي نهاية دراماتيكية كما يتوقع عديد المحللين العسكريين و الأمنيين الأمريكان،  الذين عاشروه اثناء غربته في فرجينيا ، و الذين أبعدوه عن الصفوف الأولى في قيادة الجيش، التي استلمها عبد الفتاح يونس أثناء ثورة فبراير ضد معمر القذافي. وهل في الوارد أن يقبل بدولة في شرق ليبا و يدخل في حلف مع الجارة مصر و ينتهي كما انتهى جون قارنق في جنوب السودان.

كلها سيناريو هات ممكنة، و لكن لابد ان لا ننسى ان ليبيا كما قال تشرشل هي البطن الرخوة للتمساح الأوربي هذا من ناحية،  و من ناحية ثانية الطموحات التركية في توسيع نفوذها في جنوب المتوسط،  و من ناحية أخرى الحلم الروسي بموطئ قدم على ضفاف المتوسط ، كل هذا يذكرنا ان اهم المعارك خلال الحرب العالمية الثانية في المنطقة الغربية و شمال أفريقيا وقعت على الأراضي الليبية، و ان الجنرال الفرنسي لكرارك أطلق قسم الكفرة ( مدينة ليبية في حدود التشاد) في  سنة 1941 ، الذي مفاده “ان تحرير باريس من الاستعمار الألماني ينطلق من الكفرة . فهل يعيد التاريخ نفسه بأشكال و مسميات أخرى؟

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP