الجديد

سنة سياسية جديدة: لا أسف .. ولا أمل

المهدي عبد الجواد

انقضت سنة 2020، سنة كانت صعبة على الجميع. عانت فيها الإنسانية تأثيرات وباء الكورونا، وعرف فيها التونسيون أوقاتا صعبة، فقد فيها بعضهم أحبابا وخسر آخرون عملا ووظائف، ومات عند الكثيرين أمل في تحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، وتمددت وتعقدت أيضا الأزمة السياسية، التي أصبحت تداعياتها تنذر بالذهاب نحو الأسوا، في حالة من التناحر والانقسام السياسي والمجتمعي.

في ظل هذا المناخ المُعقّد، استقبل التونسيون سنة ميلادية جديدة، حمّلوها آمالهم بتغييرات ايجابية، تعكس حجم “المعاناة” التي عرفوها طيلة عشر سنوات. وأبى رئيس الجمهورية إلا أنْ يُنكّد عليهم احتفالات رأس السنة بخطاب كان يُفترضُ ان يكون بروتوكوليا، مُحمّلا بموجات ايجابية ليس اقلها “تحفيز الهمم” لمواجهة متطلبات سنة جديدة، فبدا “قادما من كوكب آخر” مُحاربا لا يكلّ “للمتآمرين والفاسدين”.

وزادت كلمة السيد الرئيس في نشر المخاوف وتعميق الإحساس بفقدان البلاد “لحاكم” يشعرُ بما يُعانيه الناس من إحباط ويأس وانعدام ثقة في المستقبل.

و كان رئيس الجمهورية قد “وافق” قبل ذلك على مبادرة اتحاد الشغل للحوار الوطني، بعد إن افقدها من مضامينها، حتى صارت مبادرة رئاسية جديدة يُمكن أن نضع لها “مبادرة الرئيس لإعادة التأسيس”، وهو أمر نعتقد انه سيزيد في تعقيد الوضع السياسي أكثر فأكثر.

كما ان ما يأتيه بعض “نواب الشعب” من الذين وفدوا صُدفة على الحياة العامة، يزيد في جعل الثقة بتغيُّرات سياسية عميقة في المشهد السياسي مُنعدمة. فقد أثار نائب التيار الديمقراطي نبيل الحاجي موجة عارمة من الاستهجان، بنشره صورا شخصية لرئيس الحكومة أثناء زيارة “خاصة”  له لباريس، وأرفقها بتعاليق تمسّ من حرمة رئيس الحكومة وتنتهك خصوصياته.

وهو ما يجعل من التساؤلات حول الثورة ومسارها بعد عشر سنوات أمرا مشروعا. كما ان النائب سيف الدين مخلوف وبعد “استدراجه” لعموم النخب والإعلاميين لمعركة “جواز السفر”، فاجأ الرأي العام بتأسيس شركة محاماة دولية، يبدو الإعلان عليها في هذا التوقيت علامة أخرى على ان المستفيدين من الثورة ليسوا من أهلها.

تأتي العودة السياسية الجديدة في الذكرى العاشرة لــ “ثورة” صار حتى مناصريها يخجلون من ذكر علاقتهم بها، ذكرى انتقال ديمقراطي هجره أنصارُه، وجفّ الحماس إليه. ويعكس ذلك اقتناع الجميع بكون المُنجزات الاقتصادية والاجتماعية تكاد تكون مُنعدمة، بل ان المنجزات السياسية بدأت في التآكل وسط أزمة “ثقة” ليس بين عموم الشعب و”نُخبه” فقط، بل بين مؤسسات الحكم وبين الفاعلين فيه.

لا نعتقد حقيقة أن الوضع السياسي سيتغير كثيرا عما كان عليه في السنة المُنْصرمة، فسيتواصل الصراع “الفارغ” في مجلس نواب الشعب، لان أطرافه مستفيدة منه، فعبير موسي التي يبدو ان مشروعها يقوم رئيسيا على “تتفيه التجربة السياسية” وعلى “تعطيل عمل مؤسساتها” نجحت في ذلك، بل وتُكافأ بتصدّر نوايا التصويت.

أما نقيضها ائتلاف الكرامة، فسيُواصل في نفس الاتجاه، لأنه يزيدُ في حشد الأنصار له ويجعله  لدى الكثيرين – للأسف- حامي الثورة وحارس أهدافها.

في حين تسير حركة النهضة  نحو “ضبط  مسار وراثة الشيخ” لكن ذلك لن يكون دون ثمن سياسي وتنظيمي، وإن كُنّا نقدّر أنها ستستطيع تجاوز تأثيرات ذلك، لان الصراع فيها يشترطُ البقاء في حال من القوة يمنح “للورثة” معنى، أي يُبقيها دائما جزءا من السلطة.

وسيتواصل “الانقسامُ والاحترابُ” داخل ما يُعرفُ بالعائلة “الحداثية” و “الوسطية” التي سيطر على واجهتها، الكثير من فاقدي الكفاءة، فقيري المعرفة السياسية ومُنعدمي التجربة، بل وتُلاحق الكثير منهم شُبهات الفساد المالي والأخلاقي.

لقد هيمن على الحياة السياسية شريحة نشرت ثقافة الانتهازية والزبونية، زادت في الفجوة بين الفاعلين السياسيين وعامة الشعب، بل إن أعدادا هائلة ممن كان متحمسا أصلا للتجربة الديمقراطية ومنخرطا في العمل الحزبي والمدني، رمت المنديل وانسحبت من الساحة، مما يجعل الديمقراطية معزولة دون “حاضنة اجتماعية”، وهو خطر قد يقتلها نهائيا.

لقد سيطر على المشهد السياسي في العُهدة البرلمانية والرئاسية الأولى، العجزُ على صياغة التوافقات الضرورية للقيام بالإصلاحات، والفشل في بناء الثقة من اجل ترسيخ تسويات قادرة على إنقاذ “الشقف” الاقتصادي لبلاد تُعاني تأثيرات الكورونا وتتدهور عملتها وتتعمق أزمتها المالية. وليس ثمة في الحقيقة مؤشرات حقيقية على ان الفترة الثانية ستكون أفضل من سابقتها.

نستقبل سنة جديدة، بنفس الشخصيات والفاعلين السياسيين القُدامى، وجوه وخطابات وسلوكات صار القطع معها أكثر من حتمي لإنقاذ الديمقراطية وإصلاح حال البلاد وتحسين شروط عيش أهلها. لذلك فإننا نعتقد أن العمل على إعادة الكلمة للشعب ضروري.

فلا بدّ من العمل على توفير شروط انتخابات سابقة لأوانها، انتخابات قادرة على تصعيد أغلبية للحكم و إنتاج قوة معارضة قادرة على عضدها بالنقد والتوجيه. ويكون ذلك ممكنا في صورة مراجعة سريعة للقانون الانتخابي، على ان يُشفع بالاستفادة من تقرير محكمة المحاسبات التي كشفت حجم التجاوزات المالية الخطيرة في الانتخابات الفارطة، بشكل يحمي التجربة والانتخابات من هذه “الأمراض” التي تُصادر حرية الناخبين وتُزيّف إراداتهم. في المُحصّلة عام سياسي مضى غير مأسوف عليه، وآخر يأتي لا آمال كبيرة تُعلّق عليه.

 

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP