الجديد

في لوموند الفرنسية: يوسف الشاهد يدعو الامم المتحدة لإعلان الحرب على الكورونا

ترجمة: علاء حافظي

دعا رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد مجلس الامن الدولي الى الانعقاد بصورة عاجلة، و اعلان الحرب الدولية على فيروس الكورونا المستجد، و بين الشاهد ان الجميع في هذه اللحظة هم “جنود الحياة” و ان مجلس الامن يجب ان يوفر التمويلات اللازمة لمواجهة تأثيرات هذه الحرب، كما اشار رئيس الحكومة السابق الى ان الامن الصحي العالمي مرهون بسياسة تضامنية تتقاسم الاعباء فيها الشعوب و الدول الغنية المسؤولية مع الدول و الشعوب الفقيرة.

في ما يلي ترجمة للرسالة التي نشرتها اليوم ( 21 مارس 2020 ) جريدة Le Monde الفرنسية:

أتوجه الى الجميع، مُخاطبا بكل جدية الحكومات و أصحاب القرار. أتحدث إليكم على شمال إفريقيا، و على القارة الإفريقية، أحدثكم على دول جنوب الصحراء، حيث الوضع خطير جدا.

علينا ان ننظر الى الوقائع دون مواربة، لان الوقت ثمين: على مجلس الامن الدولي ان ينعقد دون تأخير، ليُساعد العالم على المقاومة الجماعية لانتشار فيروس الكورونا. وإذا كان المجلس يتدخل في الصراعات العالمية عندما تكون رهاناتها جيو- استراتيجية، فان مجلس الأمن لا يُمكنه ان يبقى طويلا صامتا، و الحال ان البشرية جمعاء، في كل أنحاء العالم، تقاوم من أجل الحياة، فيروسا خفيّا يضرب في كل مكان، بطريقة عشوائية دون ان يُفرّق  انتماء جغرافي او جنسي او قومي او ديني.

تواجه الإنسانية عدوا مشتركا،  أشاطر الكثير من زعماء العالم ممن أكدوا هذه الحقيقة. و لكن الحرب تستوجب الأسلحة. وأن نُحافظ على مواقعنا أمام هذا الفيروس القاتل، هو ان نتحكم في الحواجز. منع العدو من ان يمرّ. كل واحد منا يُمكن أن يُصاب، و يمكن ان يكون ناقلا له. نحن اليوم جميعا، جنود الحياة. غلق الحدود عندما يكون الفيروس كثيف الحضور من أوكد أسلحة هذه الحرب، و لكن وبالتوازي مع ذلك، يجب فتح الحدود المالية. لأنه لا مجال لان تُربح الحروب دون وسائل مالية.

لسنا متساوين في مواجهة الوباء

لا يُمكن للإنسانية ان تستوعب، انه في منطقة من هذا الكوكب، يُمكن الاستجابة للحاجيات الضرورية للسكان، الى درجة السماح للعائلات بعدم خلاص فواتير استهلاكها، و مساعدة الشركات، بمليارات الدولارات او الاوروات التي تم رصدها لذلك، وأن نُطالب في نفس الوقت الدول وشعوبها الأقل ثراء، والأكثر عرضة للوباء، بان يواصلوا حياتهم الاقتصادية و ان يقوموا بسداد قروضهم للمؤسسات الدولية. قروض كريهة تم اللجوء اليها تحت الإكراه و تُنسي فيها كل المعارك.

من غير المقبول، انه في منطقة ما من العالم، لا يدفع الناس معلوم كرائهم، حتى نسمح لهم بالتفرغ للصراع من اجل الحياة، و الحال انه في مناطق اخرى من العالم، يختار الناس الغذاء، عندما يُخيّرون بينه وبين فيروس الكورونا، دون ان يشبع دائما. لسنا متساوون في مواجهة هذا الوباء. افريقيا، التي بدأت تشعر، وحيدة بتأثيرات الوباء، لا يُمكنها أن تقاومه بنفس الأسلحة.

يجب أن يكون الوقف لفائدة كل الناس. لا يجب ان تواصل الدول إنفاقها لإنقاذ الرجال بما يسمح لهم بالمقاومة، إذ عليها أن تُبيّن لمواطنيها كيفية المقاومة، و لكن تمنحهم أيضا الوسائل للقيام بذلك.

هذه المعركة التي تفرض اليوم الحجر الكلي حتى لا يكون المرء ناقلا للعدوى، و تفرض عدم الخروج، وعدم التواصل الجسدي بين الناس، تتعارض مع الحياة الاقتصادية العادية. علينا ان نواصل العمل لكن دون ان نُعرّض حياتنا للخطر. حتى و ان كان الناس، في كثير من البلدان، يعملون معرضين حياتهم للخطر، قبل ظهور هذا الفيروس. هذه مسألة أخرى، علينا الخوض فيها مستقبلا، لان هذه الازمة الصحية العالمية الكبرى، ستدفعنا بالضرورة الى اعادة التفكير في النظام الذي نعيش فيه.

على مجلس الامن الدولي، ان يُعلن ان العالم في حالة حرب، و ان يعمل بكل الوسائل، حتى يمنح هذه الحرب معنى موحدا ومتماثلا.

جمع التمويلات، حفاظا على الحياة

لقد وصل الفيروس الينا في تونس، و ينتشر في افريقيا، و حيث توجد البلدان الاكثر هشاشة اقتصاديا. بلدان لا يُمكن ان تكون لها نفس اجراءات و اجابات الدول الاخرى. دول لا يُمكنها دفع فواتير استهلاك الماء، او الكهرباء او معاليم ايجار مواطنيها. دول، لا يتوفر فيها الحد الادنى للدخل اللازم للحياة،  ولا مساعدات عند البطالة، لان الدولة لا تملك القدرة على تعويض البطالة فضلا على توفير الشغل، و تعجز احيانا حتى على توفير الخدمات الصحية. ندائي ينطلق من تونس، و لكنه يتوجه، باسم افريقيا و باسم كل الدول ذات الدخل الضعيف الى العالم أجمع.

على مجلس الأمن ان يجتمع، و بصفة عاجلة، ليُعلن حربا كونية على هذا الفيروس، و أن يمنح للبشرية الوسائل للانتصار عليه. لقد خسرت الأسواق، في ثلاثة أشهر من الأزمة الصحية، ما كان يسمح للعالم بان يكون في “الحجر”، و أن يُقاتل بأكثر نجاعة  وهدوء ضد هذا الذي يقتل عشوائيا.

يجب ان يتحرك مجلس الامن باسم الحق في التدخل الانساني، و هو الذي كان دائما، يتدخل ضد الفوضى و الحروب مرسلا القبعات الزرقاء لحفظ السلام. يجب ان ينجح سريعا في جمع التمويلات حفاظا على الحياة.

بصفة استعجالية،  يجب تحديد معايير ثابتة للمساعدات المالية للدول التي ضربها الفيروس، دون مقابل، في علاقة بكل خطوة تقطعها في حربها ضد الفيروس، منوالا فعالا حتى تصل هذه المساعدات الى المواطنين، و سلوكا تضامنيا، حتى لا يموت أي كائن بشري على هذه الأرض من الجوع  أو من فيروس الكورونا. و من خلال هذا التضامن بين الأكثر فقرا و الأفضل حالا، فإننا نضمن الأمن الصحي للإنسانية جمعاء.

يجب ان ينخرط مجلس الامن الدولي، اليوم ليس في معارك حفظ السلام فقط، و لكن ايضا في حفظ الحياة.

في الختام، أود ان أشير الى ان  هذه المبادرة ليست شخصية.  لقد أوحت بها الي تونس الرائعة، تونس التي تعرف كيف تُبيّن للأمم طريقها عندما لا يكون ثمة مجالا لإخلاف المواعيد مع التاريخ.

رجاء، دعونا لا نُخلفُ هذا الموعد، الموعد مع الحق في الحياة.

  • يوسف الشاهد، مهندس زراعي، رئيس الحكومة التونسية السابق

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP