الجديد

منذر بالضيافي

في مواجهة الكورونا .. تجنب الكارثة ممكن

منذر بالضيافي

إدارة أزمة الكورونا في تونس، ومن خلال مقارنتها مع بقية التجارب الأخرى، بما في ذلك الدول المتقدمة، بعيدا عن “الهلع المعولم” الذي خلفه انتشار الوباء، نجد انها خضعت لمقاربة عقلانية، حكمتها ثنائية الحذر وتجنب التهويل، ما سمح بالتدرج في اتخاذ القرارات، في إطار أولوية المحافظة على صحة التونسيين، واستمرار النشاط العام في البلاد، لان محاربة الكورونا لا يعني إيقاف الحياة.

بل على العكس يجب ان تستمر مع اتخاذ التدابير الضرورية، والتي كانت محور خطاب رئيس الحكومة الياس الفخفاخ الأخير، وبالمناسبة نعيد ونؤكد على ان إطلالة الفخفاخ الأخيرة، وبرغم التأخير الممل ، كانت موفقة من جهة المضمون وأيضا اتصاليا، و في تناغم مع النجاح الاتصالي لوزير الصحة والفريق الذي يعمل معه، الذين كانوا محل اشادة من غالبية التونسيين، وساهموا بذلك في نشر الطمأنينة في مناخ هلع خلفه انتشار الفيروس القاتل، لا في تونس فقط بل في كل بلاد العالم، وهو مجهود لابد أن يكون أكثر حزما في الميدان، سواء داخل المؤسسات الصحية أو في علاقة بإجراءات وظروف الحجر الاجباري، الذي صاحبته نقاط سوداء لا يمكن تبريرها.

يبقى ان على عموم التونسيين، التزام التوصيات واهمها الحجر الصحي، باعتباره اهم وصفة للحد من انتشار الفيروس، وهو شرط لو تم الالتزام به ، قطعًا كانت ستكون الإصابات اقل وستكون المخاطر اقل، وسيكون تجنب الكارثة ممكن.

اليوم، ولكسب الحرب ضد هذا العدو الشرس، فان الشعب التونسي امام اختبار كبير سيحدد لا مستقبله فقط بل استمرار وجوده أصلًا، لذلك لابد من الالتزام الحرفي بالحجر الصحي، واحياء قيم التعاون والتضامن، بين كافة فئات وشرائح المجتمع، وعلى الطبقة السياسية جعل خلافاتها وراء ظهرها ، وإعطاء المثال في الانسجام والتناغم.

حينها فقط تتحق الوحدة الوطنية الصماء، وهو ما يجب التأكيد بل التحريض عليه في الإعلام ومن قبل النخب وقادة الراي، الذين عليهم تحفيز الجميع ، على الوحدة والتضامن والتآزر ، فهذا جوهر دورهم في زمن الأزمات .

نحن في حرب ، وفي الحروب لا صوت يعلو على صوت الوحدة الوطنية ،لذلك فان المطلوب تجاوز كل الخلافات ، وتعبأة كل الطاقات والقدرات لكسب هذه الحرب، هنا على حكومة الفخفاخ ان تتحول لحكومة حرب، عبر توحيد جهودها وتكون لها سياسة اتصالية ناجعة، وان تستعين بكل الخبرات وهي كثيرة، كما على المجتمع المدني ان يشد أزرها وينخرط بقوة في المجهود الوطني لكسب هذه الحرب.

ومن جهته،  فان الإعلام هو أيضا مطالب برفع المعنويات،  و بالمساهمة في توعية الناس ، وحثهم على تطبيق الإجراءات والثقة في الحكومة، برغم بعض الهنات، التي نقدر انها نتيجة ثقل الأزمة ومحدودية الإمكانيات ، وهي أزمة اربكت العالم بأسره، وأدخلته في حالة رعب غير مسبوقة، قالت عنها ميركل رئيسة حكومة ألمانيا، انها شبيهة بالحرب العالمية الثانية، ووصفها الرئيس الفرنسي ماكرون ب “حالة الحرب”.

بالمناسبة، و من خلال متابعة، ومقارنة بين سياسات مختلف دول العالم ، في التعاطي مع فيروس كورونا المستجد، نستطيع القول أن الوباء وخاصة انتشاره السريع، قد فاجأ الجميع لذلك فان طرق التعاطي معه، تميزت بالارتباك لذلك كان الخيار الجامع، هو الدعوة الى الحجر الصحي الشامل، أي مطالبة الناس بالعودة الى بيوتهم وعدم الخروج منها، بهدف الحد من انتشار العدوى من جهة، واعطاء الفرصة أو بالأصح الوقت الزمني  للعلماء والمخابر لإيجاد الدواء والتلقيح.

برغم مرور أكثر من ثلاثة اشهر على ظهور الفيروس، وبرغم انتشاره حول العالم، الأمر الذي تحولت معه عواصم العالم الكبرى “الكوزموبوليتانية” الى مدن أشباح، فان الانسانية لم تتوفق لحد الان الى ايجاد “وصفة ناجعة”، من شأنها  الحد من الانتشار على الأقل في مرحلة أولى.

مع ذلك فان ما تحقق في الصين والدول الاسيوية مثل كوريا الجنوبية، يعد أفضل بكثير من طريقة المعالجة الأوربية (ايطاليا واسبانيا وفرنسا)، ليتم تفسير ذلك بالبعد الثقافي اساسا وكذلك السياسي، ونعني بالسياسي هنا قدرة الدولة على ممارسة دورها في الضبط الاجتماعي، المتمثل في احتكار ما يسمى ب “العنف الشرعي”، هنا نجد “تفوق” لصالح الدول ذات الأنظمة التي تعرف بكونها “تسلطية”، على حساب دول أوروبا “الديمقراطية”.

 

 

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP