الجديد

قيس سعيد رئيسا .. الانتظار الكبير  

منذر بالضيافي
أدي اليوم الرئيس الجديد، قيس سعيد اليمين الدستوري، وبالتالي يصبح رسميا للدولة التونسية، وهو الذي فاز بالاستحقاق الرئاسي، الذي تم مؤخرا بأغلبية مهمة ووازنة خلال الجولة الثانية، تصويت ناهز قرابة الثلاثة ملايين، وهو ما أعتبر بمثابة استفتاء شعبي، على ولاية الرئيس المنتخب، تفويض شعبي يتوقع أن يكون حاضرا وبقوة، في الحكم على أداء الرئيس، كما أنه عبر على أن المزاج السياسي الشعبي في تونس، ما زال أقرب الى النظام الرئاسي.
تابع صعود الرئيس قيس سعيد، العديد من الانتظارات والتخوفات، داخل تونس وخارجها، في البداية نؤكد على أن “الشعبية” أو “الجماهيرية” الواسعة التي أتت بالرئيس الجديد، وكذلك حالة “الفرح” و “الاستبشار” لدى قطاعات واسعة من التونسيين، الذين رأوا فيه مثال ل “النظافة” و “الاستقامة”، وهو مقياس أساسي في انتخاب الرئيس الجديد وبالتالي فان ناخبيه ينتظرون منه احداث قطيعة مع حالة “الفساد” و التدهور الأخلاقي والقيمي، التي سادت لدى عموم الطبقة السياسية، ما جعل الأوضاع في البلاد تسير من سيء الى أسوأ، ولعل أكبر دليل على ذلك، هو الاقتصاد المنهار مثلما تبين كل المؤشرات والأرقام، فضلا عن تردي الخدمات الأساسية من صحة وتعليم ونقل … ومن هنا نفهم أن “التفويض” الشعبي كانت له بالأساس منطلقات ودوافع عاطفية، اذ أن حوالي الثلاثة ملايين لم يختاروا سعيد اقتناعا ببرنامجه ولا أيضا بالوعود،  التي عرضها وتقدم بها أثناء الحملة الانتخابية.
في مستوى التخوفات، نشير الى أنها حقيقية وليست في وارد المبالغة أو التخويف من الرجل،  مثلما قد يذهب الى ذلك البعض وخاصة من أنصار الرئيس وحاشيته، ولعل أبرز هذه “التخوفات” تتمثل في الهالة من “الغموض” حول ساكن قرطاج الجديد، هذا الأكاديمي الذي لم يعرف عنه اشتغالا بالسياسة ولا حضورا في الفضاء العام، باستثناء بعض التصريحات والتعليقات على تداعيات أحداث ما بعد ثورة 14 جانفي 2014، والتي جعلته يتصدر نشرات الأخبار، لافتا الاهتمام اليه بلغته العربية الفصحى وطريقته في الخطاب والتواصل.
تواصلت حالة “الغموض”  حتى بعد صعود “نجم” الرجل، وتمكنه من الصعود للدور الثاني من الاستحقاق الرئاسي ، في 15 سبتمبر الفارط، متقدما على كل رموز الطبقة السياسية، انجاز تأكد في الدور الثاني وبالنسبة مشاركة وتصويت شعبي فاق كل التوقعات، لكن، مع ذلك ما زال الرأي العام الوطني وأيضا الدولي، يتطلع لمعرفة ماذا يريد رافع شعار أو  مقولة “الشعب يريد”، خصوصا وهو الذي سيكون بداية من اليوم في مواجهة استحقاقات حكم، وفي بلد يمر بمرحلة انتقالية استثنائية وفارقة، من سيماتها وضع اقتصادي يجعل الدولة وخزينتها في مواجهة ما يشبه افلاس غير معلن، وأزمة سياسية ترتقي لأزمة حكم، كشفت عن وجهها بعد الانتخابات التشريعية، التي أنتجت برلمان فسيفسائي، سيكون له قطعا تأثير سلبي على الاستقرار السياسي، حيث سيجعل من تشكيل الحكومة المقبلة عملية صعبة ومعقدة، وهنا لا يستبعد أن نكون مجبرين على الذهاب الى انتخابات برلمانية مبكرة، لو حصلت فإنها ستزيد من تعميق الأزمة، خاصة في ظل تواصل العمل بالنظام الانتخابي الحالي.
في الأخير، نعود لنشير الى أن كل التونسيين والمراقبين للمشهد التونسي، هم اليوم في حالة ترقب وانتظار، لما ستكون عليه ولاية قيس الرئاسية، حتى بعد سماع خطاب الرئيس في قبة باردو بعد اليمين الدستوري، لنشير الى أن ما ورد هو مجرد اعلان نوايا وعموميات ، وان كان الكثير مما قاله وان لم يرد بشكل ممنهج وفي حاجة ل “التفسير” فانه مع ذلك  سيأخذ على محمل الجد، باعتباره يعد بمثابة اعلان عن نوايا حول برنامج وتصورات الرئيس الجديد.
وبالعودة لخطاب اليوم، تبين لنا أنه في تناغم وانسجام تام  مع تصريحات وخطابات الحملة الانتخابية، اذ ورد فيه التزام بالدفاع على الدولة، الحرب على الارهاب، مكافحة الفساد، لا تراجع عن الحرية و الديمقراطية، تدعيم حقوق المراة و ارساء دولة القانون، وفي البعد الدولي ، تم التأكيد على ما سبق وأن شدد عليه في حملته الانتخابية من التزام بالموقف المبدئي حول مركزية القضية الفلسطينية و الرافض للاحتلال، موقف تزامن في خطاب اليوم مع التأكيد على التزام تونس بمعاهداتها والتزاماتها الدولية، في رسالة طمأنة للمجتمع الدولي، وبالتالي فان ما ورد في خطاب باردو اليوم يمكن   التعاطي معه كمواقف رسمية ملزمة للرئيس قيس سعيد.
كما تجدر الاشارة الى أن خطاب الرئيس سعيد اليوم لا يرتقي ليكون بمثابة بيان سياسي “جامع شامل” كما يقول أهل المنطق، يمكننا من تفكيك سياسات ومواقف الرجل، في انتظار بداية ممارسة السلطة ومجابهة استحقاقات الحكم واكراهاته، وفي انتظار ايضا الكشف عن الفريق الذي سيحيط به في قصر قرطاج، الذي سيكون قطعا مؤشرا مهما في مزيد معرفة ما ينوى الرئيس سعيد القيام به خلال عهدته الرئاسية، التي تتأطر ضمن نظام سياسي أقره دستور 2014، لا يعطي صلاحيات كبيرة للرئيس مقابل تمركز كل صلاحيات الحكم والسلطة التنفيذية ، في قصر القصبة وعند رئيس الحكومة.
 
 
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP