الجديد

قيس سعيد يضع البلاد أمام خيار صعب

شعبان العبيدي

لم تكن اجتماعات مجلس الأمن القومي تثير اهتمام التونسيين مثلما وقع في اجتماع أمس، فقد فاجأ رئيس الجمهورية في كلمته المطوّلة والحادّة والمشفّرة كالعادة الجميع، وبعث الذّعر في نفوس التونسيين من مغبّة ما يمكن أن تقود إليه أو ما ترمي له خاصّة في ظلّ التـــوتّر المتواصــــــــــــل في الجهات وتواصل الاحتجاجات الاجتماعية، بعد ما خلفته المواجهة الأمنية من اعتقالات وتواصل دعوات الشطّار إلى إشعال التحرّكات الاحتجاجية والتوجّه إلى البرلمان بنيّة الشروع في إسقاطه.

قيس سعيد من ارباك الى اخر

ما جاء في خطاب رئيس الجمهورية أمس الاثنين هو إعلان حـــــرب على كلّ من قصـــري القصبة و باردو،   أو بالتحديد مواجهة ورفعا للفيتو في وجه كلّ من رئيس حركة النّهضة وتوجيه اتّهامات مباشــرة له بعدم تمكين الرئاسة من تفويض لمتابعة مسألة الأموال المنهوبة، هذا إضافة إلى بقاء كثير من التلميحات في قالب ألغاز حكايات ألف ليلة وليلة حول التآمر على الدّولة والتعامل مع جهات أجنبية و حماية الفاسدين.

أمّا بالنّسبة إلى رئيس الحكومة فقد وضعه ولي أمره والرجل الذي اختاره في موقف المتهم والمخالف للدّستور بعزله لوزير الداخلية وإجرائه لتحوير وزاري بصفة منفردة دون استشارة رئيس الجمهورية. وطبعا لم يعدم قيس سعيد الحجّة في الدّفاع عن موقفه معتمدا ثقافته القانونية ونزعته التأويلية الخاصّة الّتي نرى أنّها تتغيّر حسب تغيّر المقامات. هذا إضافة إلى تعمّده استدعاء وزيرين مقالين في التحوير الحكومي الجديد ليحوّل الاجتماع إلى محاكمة لرئيس الحكومة.

رفض الدستور الذي جاء به لقرطاج

لم يكتف رئيس الجمهورية بإعلان حالة التأهب والحرب على رأسي السلطة بل أكّد  رفضه للدّستور الجديد الذي اعتبره دستورا مقفلا بأقفال ذهبت مفاتيحها مع عياض بن عاشور، وجعلت الرئاسة سلطــة شكلية، وما هذا إلاّ دعوة واضحة لما كان يروج حول تنقيح الدّستور والدّعوات للاستفتاء عليه خاصّـــة فيما يخصّ النّظام السياسي للبلاد، تلك الدّعوة التي بدأت مع المرحوم الباجي قائد السبسي وها هي تعود من جديد لتعقد مشكلة الأزمة في البلاد بأزمة نظام الحكم وهي لعمري قراءة متسرّعة واحدية النّظرة إلى أسباب الأزمة.

مثلما كشف الرئيس من خلال نبرته وصداحه وترديده باعتباره الوصي والمحـــامي على الشعب الغائب وعلى الثورة ومطالبها رفضه لهذا النّظام السياسي المذرّر أو الكائن السياســــي المركّب الرؤوس على شاكلة أبي الهول.

انفضّ الاجتماع قبل أن يبدأ، أو لم يكن الاجتماع إلاّ فرصة للرئيس حتّى يعلن للبرلمان والقصبة أنّه يعلن المواجهة ورفض محاولة عزله عن كلّ القرارات. وحوّل المصافحة إلى درس تـــــــــــربوي في القانون وتعميق للقطيعة، وكأنّه بذلك يغلق باب الحوار الاجتماعي والاقتصادي الذي سعى الاتّحاد جاهدا أن يجد له أرضية مناسبة ليكون المخرج الوحيد من الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد.

هل قلب قيس سعيد الطاولة على الجميع؟ وهل استجاب لـــــــدعوات الهامش السياسي المتمثلة في حلّ البرلمان وسحب الثقة من حكومة المشيشي والذّهاب إلى استفتاء شعبي حــــول الدستور ونظام الحكم؟

أزمات بالجملة .. الفوضى تطل برأسها

في ظلّ وضع وبائي خطير وتساقط مئات الأرواح، وفي ظلّ وضع اجتماعي محتقن وأزمة مالية حادّة يتواصل المشهد السياسي المأسوي ويفتح البلاد على أبواب المجهول خاصّة مع تحيّن الشطّار للفرصة لإدخال البلاد في حالة من الفوضى.

و ضع رئيس الجمهورية الشعب والدّولة أمام خيارين لا ثالث لهما إمّا الرّضى بالموجود وهو ما لا يقبله الرئيس الوصي على الثورة ومطالبها وإمّا “مشكي وعاود من جديد” والانقلاب على المشهد والدّستور والسّعي إلى الذّهاب نحو إقامة دولة الرئيس الفرد القـــادر وحده على الاضطلاع بمسؤولية الحكم وإدارة دواليب الدّولة، وأن يجمع بين السيادة والحكومة.

حيث مـــازال الحنين يحمل الكثير من السياسيين الغاضبين من الدّيمقراطية إلى دفعه لذلك واستعادتهم للمناشدة السالفة في شكل آخر تحت أقنعة متعدّدة ظاهرة ومبطنة.  خاصّة وأنّ الرئيس حامل في ذاته من خلال سرديته التي تستعاد دائما في شكل مصفوفة صوفية لصورة الحاكم الأفلاطوني الخادم للشعب والأمير صاحب السيادة الذي يجب أن يمسك بيديه حقّ سنّ القوانين وتنفيذها.

يبدو أنّ الشطّار قد نجحوا في دفع الثور الهائج إلى إعلان الحرب بعد أن رفعــــــوا المنديل الأحمر أمام عينيه. ولا شكّ أنّ هذا الخطاب الذي حاول فيه رئيس الجمهورية رفع كلّ مسؤولية عنه فيما تعرفه البلاد وما تعيشه من أزمات وألقاها على عاتقي خصميه، حتّى يبعث بــرسالة للشّعب مفادها أنّه يملك الحلــول السحريّة للواقع الاجتماعي والاقتصادي المتأزّم غير أنّ رأسي السلطة إضافة إلى الدّستــور الّــذي مكّنه من الترشّح وأقسم على احترامه باتا حجري عثرة أمامه.

اعلان القطيعة

هو إعلان قطيعة ومقدّمة لـــوضع الجميع أمام مشكل نظام الحكم من جهة، والاستعداد لتقديم البديل وهو نـظــام الحكم الشعبيّ. غير أنّ توقيت الخطاب والــــــــدّفع نحو مزيد تعميق الشّرخ بين السلط الثلاث في ظلّ وضع خطير تمرّ به البلاد وسعي كثيــر من الأطــــــــــراف في الدّاخل والخارج إلى الإجهاض على التّجربة الدّيمقراطية وذلك يوم الذكـــرى العاشرة للثورة المصرية التي وئدت تحت أقدام العسكر، هو منزلق قد دفع البلاد إلى المجهول وربمّا الاحتــراب والضّياع.

طبعا كان لخطاب رئيس الجمهورية أثره في المتلقّين، الّذين انقسموا كالعادة بين الفرحين الذين نشطوا في تسويد صفحاتهم بالفتح القادم على البرلمان وإسقاط الحكومة منتشين بالاحتجاج الذي تدعـــــو إليه أطراف عدّة، ومستعذبا لسماع شعارات السباب ضدّ حركة النّهضة وزعيمها وضدّ رئيس الحكـــومة.

أما الغاضبين الذين رأوا اتّهامات رئيس الجمهورية موجّهة إليهم وهم جماعة الحزام السياسي للحكومة، وخاصّة حزبي حركة النّهضة وقلب تونس، وكانت ردود جماعاتهم انفعالية خرجت إلى التهديد والتوعّد واتّهام رئيس الجمهورية بتجاوز سلطاته وتعسّفه على الدّستــــــور ورغبته في أن يجعل من رئيس الحكومة مجرّد وزير أوّل لديه.

وموقف وسط ممّن يدرك حجم الأزمة السياسيّة وسعي رئيس الجمهورية كلّ مرّة إلى مزيد تعميقها سواء من خلال انقلابه على اختياراته في حكومة الرئيس التي دفعه إليها الشطّار أو في تعامله مع الأحزاب تعاملا ترسليّا يدلّ على عمق القطيعة بين رؤوس السلطة، وإمعانه في إرسال الرسائل المشفّرة حول المؤامرات التي تحــــاك ضدّه وحول الفاسدين والخونة.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP