الجديد

كورونا .. نهاية عالم و بداية آخر…

المهدي عبد الجواد

نشر المفكر الفرنسي الكبير جاك أتالي مقالا مهما بتاريخ 13 ماي 2009، في جريدة “تضامن و تقدم” إثر انتشار وباء “أنفلونزا الخنازير”. مقال يستعيد أهميته في هذه اللحظة التاريخية المهمة، حيث يدفع وباء الكورونا الإنسانية نحو عالم جديد. فكورونا بقدر ما “تُعولم الخوف” فإنها تدفع نحو تغيّرات إنسانية مهمة، يعتقد جاك اتالي ان فجر “الحكومة الأممية” سيكون نتاجا حتميا للخوف من الوباء. انه التأسيس لعالم جديد قائم على العواطف الانسانية الاخلاقية.

و لأهمية مقال أتالي قمنا بتعريبه لكم:

“يُعلّمنا التاريخ، أن البشرية لا تتطور بشكل لافت إلا إذا كانت خائفة فعلا، فتتخذ لنفسها أولا آليات للدفاع، تكون في غالب الأحيان غير مقبولة ( تقديم ضحايا، و تثبيت سلوكات استبدادية) و أحيانا عقيمة (لتشتيت الانتباه) أحيانا ناجعة( إجراءات علاجية، تتجاوز كل الحدود الأخلاقية أن استدعى الأمر ذلك). وبمجرد مرور الازمة، يتمّ تكييف هذه الاجراءات لتتناسب مع الحريات الفردية، وإدراجها ضمن معايير السياسة “الصحية للديمقراطية”.

إن انتشار وباء ما، يُمكن أن يعطي شرارة انطلاق لمثل هذا الخوف البنّاء/ المؤسس، لأنه يدفع في اتجاه الوعي بالآخر وقيم التضامن/ التآزر، أفضل من أي خطاب انسي/انساني او بيئي.

و رغم أننا نتمنى طبعا، ان لا تكون هذه الأزمة خطيرة جدا، فانه لا يجب ان نُغفل استخلاص الدروس منها، شأنها في ذلك شأن الأزمة الاقتصادية، حتى نتمكن قبل ظهور الوباء القادم، من تركيز آليات التوقي و الرقابة، علاوة على  خلق مسارات نقل و توزيع عادل للأدوية و التلاقيح. وعلينا لأجل ذلك، بعث شرطة دولية، و مخازن دولية، وبالضرورة مالية دولية. و هو ما سيعود بنا أسرع مما نتصور إلى الحتميات الاقتصادية، و في ذلك تركيز أسس حقيقية لحكومة عالمية”.

ان نص جاك أتالي يكتسبُ قيمته، من تحقّق جزء من توقعاته، و نحن في قلب وباء كورونا عشر سنوات بعد كتابته. فالوباء ينتشر وسط هيمنة للخطاب الشعبوي، و تصاعد غير مسبوق للتيارات اليمينية و القومية، بل ان بعض السلوكات الانعزالية تدفعُ نحو ضرب من “الانكفاء على الذات” و الارتداد على “العولمة”، نذكر مثلا السياسات الحمائية للرئيس الامريكي، و اختيار الشعب البريطاني الانفصال على اوروبا، ناهيك على فوز الاحزاب اليمينية و الشعبوية في اكثر من بلد في العالم، ليس أقلها تونس، التي عرفت في انتخابات 2019، هيمنة للقوى اليمينية و الشعبوية و القومية.

تحتل اليوم منظمة الصحة العالمية، مركز الاهتمام، و اليها تشخص العيون تتابع تطورات الوباء، و تنتفي أمام توصياتها الحواجز الاثنية و الدينية و الاخلاقية. يقوم الوباء بتوحيد الانسانية، و جعلها تواجه بشكل مشترك مصيرها المحتوم.

و رغم ما في خطاب جاك اتالي من وجاهة، فان الخوف اليوم يبدو خوفا سلبيا و ليس خوفا مؤسسا. انه الخوف الغريزي من الموت. الخوف الذي يدفع الى الانطواء و ليس الى الانفتاح. لذلك بقدر ما تنامت مشاعر التضامن الانساني تصاعدت نزعات الانانية القاتلة. قد يكون أتالي حالما و متطرفا. لكن الكورونا، ستكون وباء فاصلا بين عالمين. عالم جديد نجهل مضامينه الاخلاقية و الاقتصادية و الاجتماعية، و عالم قديم، نعرف انه كان مليئا بالكثير من المآسي الانسانية، و من غياب العدالة و الظلم و الصراعات الدموية حول الثروة و مصادر الطاقة، و انتشار الفقر و الاوبئة. و تبقى الانسانية دائما امام مصيرها و انسانيتها. انسانية تشكو اغترابا عميقا. و عليها ان تنحت هذه الهوية الانسية نحو عالم اكثر عدلا و انصافا، اكثر انسانية.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP