الجديد

مؤتمر برلين .. بوصلة المصالح أقوى من السلام في ليبيا

بقلم محمد بشير ساسي
سادت قناعة أشبه إلى اليقين بفعل تراكم التّجارب والخيبات بأن القضايا العربية وملفاتها الحارقة لم تعد تهمّ العرب قط، بل تجرؤوا على رميها بأوزارها إلى من ظنّوا عبثا أنهم يملكون لها حلاّ..
لم يتّعظوا من التّاريخ وعبره معتقدين أنه لن يتكرّر، رغم أن الدرس الليبي أثبت مجددا أنّ الجغرافيا العربية المفخخة بالتشرذم قدرها أن تدار بالوكالة ومن عواصم الغرب الذي لا يهمه بدرجة قصوى غير غنائمه ومن بعد يأتي الطوفان. منذ البداية كان يُنظَر إلى مؤتمر برلين لكونه أكثر من خطوة صغيرة إلى الأمام نحو السلام، وفق التصريح الذي وصف بالواقعي للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
وحتى لما طُرح السؤال حول مسارات الانفراج في ليبيا سارع عديد المراقبين إلى الإجابة بـ “لا” لأن “الطريق برأيهم لا يزال طويلا.. فماذا تحقّق إذن للمستقبل؟ ثمة من المهتمين بالشأن الليبي من يعتقد أن قمة برلين، تناولت كل تفاصيل الأزمة الليبية وأسبابها، لكن آليات تطبيق نتائج القمة ليست واضحة بعد، الأمر الذي عبر عنه بوضوح وزير الخارجية الألماني هايكو ماس عقب انتهاء المؤتمر عندما صرّح بأن المشاركين نجحوا في الوصول إلى “مفتاح” يمكن به حلّ أزمة ليبيا..
والآن يتعلق الأمر فقط بوضع المفتاح في القفل وفتح باب الحلّ. ولعل أحد أهم إنجازات القمة، على الأقل بالنسبة للأمم المتحدة _ رغم عدم تقابل فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، وخليفة حفتر الرجل النافذ بالشرق الليبي _ هي تلك الخطوة الصغيرة نحو الإقرار بأنه لا حل عسكري للنزاع والوعود بحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة عام 2011 على ليبيا،
بالإضافة إلى الموافقة على تشكيل لجنة عسكرية تضم عشرة أعضاء، خمسة عسكريين من كل طرف مهمتها أن تحدد ميدانياً لتحويل التهدئة الحالية إلى وقف “دائم” لإطلاق النار ووضع طرفي النزاع، على خارطة طريق واضحة المعالم نتقشع معها سحابة الصّراع الذي أرهق كاهل البلد بعد ضياع فرصة موسكو يوم 13 من الشهر الجاري.
بيد أن التحدّي الأساسي في برلين بإجماع المحلّلين كان محاولة تقليص انقسام المجتمع الدولي إزاء ليبيا وتحديدا إيجاد طريقة ما للتعامل مع معادلة النفوذ الذي يتقاسمه الروس والأتراك والآخذ في التوسّع مستقبلا، ما يثير بعض المتاعب السياسية في أوروبا. فالمشهد اللّيبي بكلّ تفاصيله، وضع القارة العجوز في خندق واحد كما خلصت إليه صحيفة لوموند الفرنسية ، حيث لم يتبقّ أمام الأوروبيين سوى خيار واحد يتمثل في ترك خلافاتهم جانبا وتوحيد الصفوف واستجماع قوتهم عبر اتخاذ مبادرات قوية على الأرض، إن كانوا يريديون حيلولة تحوّل ليبيا إلى كابوس جيوسياسي مماثل للذي تعيشه سوريا حاليا.
لكن ثمّة من يتبنّى فكرة أن الأوروبيين الذين كان الرّوس والأتراك على وشك تهميشهم بخصوص الأزمة الليبية – وإن بدؤوا يستفيقون ويستعيدون زمام المبادرة- فإن ذلك لا يعني أنّ قمة برلين أقرب ما تكون إلى إنهاء المعركة الدامية من أجل السلطة بين السراج وحفتر، تلك المواجهة التي تغذيها الشهيّة الجيوسياسية والنفطية لقوى المنطقة والمواقف المتناقضة للأطراف المؤثّرة في الشأن اللّيبي.
أمّا من هم الأقل تفاؤلا، فيعتبرون أنّ ما حدث في برلين لم يكن “معجزة”، حيث اقتصرت مخرجات المؤتمر “المتواضعة” على الدعوة لوقف إطلاق النار ووضع حدّ للتدخل الأجنبي وتقديم نصّ غير ملزم إلى مجلس الأمن، بل هناك من يعتبر أن هذا المؤتمر عوَض أن يتوصّل إلى اتفاق قوي يُلزم جميع الأطراف بعدم تجاوز الخطوط الحمراء فضّل إصدار تذكير بالمبادئ دون أي ضمان للتنفيذ.
ولأنّ الموضوع حساس للغاية، فإن مجلس الأمن – كما أتّفق عليه الملاحظون – وحده الذي يمكن أن يقرّر مصير المسألة القابلة للاشتعال في ليبيا، حيث أنّ استنتاجات برلين لا تزال في الوقت الحالي عامة، ولن تزعزع استقرار التحالفات المحلية لأن المعسكرات المتنافسة لم تضطر إلى تقديم تنازلات كبيرة”، لكن الوضع قد يتغير وفق بوصلة المصالح إقليميا ودوليا. كاتب وإعلامي تونسي

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP