أردوغان والحميّة المزعومة
شعبان العبيدي*
يبدو أنّ ما حقّقته تركيا خلال العقود الأخيرة من تطوّر اقتصاديّ وسياسيّ، إضافة إلى موقعها وعلاقاتها مع الاتّحاد الأوروبي، ودورها الإقليمي الذي باتت تحتلّه، وإن لم تخل من اضطرابات ومآسي حلّت بها من المعارضة الكردية المسلّحة، قد أغرى رئيسها بضرب من جنون العظمة و نزعة الزّعامة المنشودة للعالم الإسلاميّ، ولا شكّ أنّ هذا التهوّر السيّاسيّ وملامح التّعالي و الاعتداد بالذّات القوميّة التّركيّة و الجبّة الإسلاميّة باتت تدغدغ في الرّجل مثال خليفة المسلمين الحامي لبيضة الإسلام و الأمّة، خاصّة بعد أن خرج من محاولة الانقلاب 2016 في صورة رجل تركيا القويّ، واستطاع بفضل الأغلبية التي يتمتّع بها حزبه وقبضته القويّة التي واجه بها معارضيه من إعلاميين ومثقفين وعسكريين من تعديل الدّستور وتوسيع سلطاته التحكّم في السلطة التشريعية والتنفيذية.
باتت تركيا اليوم مهدّدة بخسارتها لكلّ ما كسبته سواء باستفادتها من الأزمة السوريّة، فربّ ضارّة نافعة. وكذلك بحكم توثيق علاقاتها مع الاتّحاد الأوروبي واستفادتها من المناخ الدّوليّ في تحقيق تنمية اقتصادية وصناعية وتجارية، وكذلك بحكم سياسة أر دوغان البرغماتية القوميّة من خلال علاقاته بالكيان الصهيوني تجاريا وعسكريا، في الوقت الذّي يحاول فيه إيهام الغافلين بدفاعه عن القضية الفلسطينية ونصرته للثورات العربيّة وأساسا للحركات الإسلاميّة الباحثة عن الحكم.
لا شكّ أنّ عنتريات الرّئيس التّركيّ، وتدخّله السّافر تحت غطاء حماية حدوده من خصمه الكرديّ وسلاحه في سوريا، و دوره في مزيد تعميق جراح شعب مشرّد تحت نير آلته العسكرية بات يهدّد تركيا والأتراك عموما بدفع فاتورة باهضه لسياسة رئيسها الدّاخلية حين عدّل الدّستور ليضع يده على كلّ السلطات، و سياسته الخارجية خاصّة في اتّجاهه إلى مزيد تعميق جراح البلدان العربية الغائرة.
فمن الواضح زيادة على تحويله تركيا إلى ممرّ أو طريق لدخول الدّواعش إلى سوريا وتشكل الجماعات الإرهابية مثلما كشفت ذلك الوثائق الدّولية. استطاع أر دوغان بفضل الغطاء الأمريكي من الرئيس ترمب و المساومات مع اللاّعب الرئيسي في الحرب السّورية أن يدخل إلى الأراضي السّورية، ويستبيح ترابها في الشمال تحت تعلّة صدّ الجماعات الكردية المسلّحة، وساهم باستعراض قوّته العسكرية في مزيد تهجير و تدمير ما تبقى من بلد الحضارة، وتعميق معاناة المواطنين العزّل الذين اكتووا بنار الحرب.
هاهو اليوم يعلن بكلّ غرور وتحدّ لكلّ المواثيق والأعراف الدّولية استعداد قوّاته للتوجّه إلى ليبيا. فماذا يعني هذا الاهتمام التركيّ القادم من وراء البحر بليبيا؟ هل هي نصرة للشرعية وحكومتها، بعد أن بات واضحا منذ مدّة أنّ هذه الشّرعية التي لم تنجح في توحيد صفوف الليبيين، وجمعهم حول خيار وطني جامع، والاتّجاه بهم نحو بناء دولة مستقرّة متناغمة المؤسسات فقدت كلّ مقوّماتها، ولا شكّ أنّ تضارب مواقف المجتمع الدّولي وإن كان محكوما غالبا بصراع المصالح والمواقع في ليبيا يؤشّر هو نفسه على اهتزاز ثقة هؤلاء في حكومة السرّاج.
كما أنّه لا يخفى على المتابعين لمواقف القوى من الثورات العربية وانقلابها من الإشادة بها إلى الحيطة والرّيبة بل الاتّجاه إلى رفضها، والعودة إلى دعم خيارات الحكومات العسكرية والدّيكتاتورية، أقّله لمساعدتها في الحدّ من شبح الحركات الإرهابية التي باتت تؤرّق العالم، وتهدّد مصالح الغرب. ومن هذا المنطلق يجد الجنرال حفتر دعما تقدّمه هذه البلدان مباشرة أو عبر حلفاء هم أعداء بالرّضاعة للدّيمقراطية. فماذا يعني أر دوغان بحماية الشرعية؟ وكيف نصّب نفسه مسؤولا عن حماية ليبيا؟ كيف يمكن لأرد وغان أن يتحدّى المجتمع الدّولي وينصّب نفسه مدافعا عن الليبيين؟ أليس في هذا السّلوك القائم على العنترية والتّحدّي والتّهديد استعراضا للقوةّ وإصرارا على مزيد إشعال فتيل الصّراع في ليبيا؟
فرغم تعالي صيحات المجتمع الدّوليّ المعترض على الموقف التّركيّ، سواء ما صدر عن الرئاسة التّونسيّة من رفض فتح مجالها الجويّ لأيّ اعتداء على ليبيا، وكذلك إيطاليا وألمانيا، و دعوة الاتّحاد الأوروبي اليوم إلى وقف القتال و إرسال قوّة دوليّة تمهيدا لحلّ الأزمة اللّيبية ديبلوماسيا. يصرّ أر دوغان على مغامرة حرب مزعومة الأسباب.
ولابدّ في هذا الإطار أن تأخذ دول الجوار بزمام المبادرة وقطع الطريق على كلّ المتدخّلين في الشأن اللّيبيّ بالتآمر أو الطمع أو الاصطفاف.
Comments