الجديد

أزمات  الداخل  .. ضغوط  الخارج .. و صمود الرئيس .. تونس الى أين ؟

منذر بالضيافي

الازمة في تونس اليوم، هي شاملة ومركبة، يتداخل فيها الصراع السياسي حول السلطة، بانقسام اجتماعي، و بضعف الدولة الذي ترجم من خلال تراجع لافت، في قدرتها على  تأمين الخدمات والمرافق الأساسية ( أزمة الكوفيد 19 التي حصدت الآلاف من التونسيين).

وهو وضع لو استمر ينذر بمؤشر مزعج، وهو بداية تفكك في الدولة، خاصة في ظل تمدد الأزمة السياسية وصعوبة الحسم في مالاتها، حيث لا يوجد في الأفق المنظور ما يشير الى تجاوزها، بل أنها مرشحة لتعرف فصولا قد تزيد في ارباك الوضع.

يبقى الأخطر والمخيف على الاطلاق، هو الانهيار الاقتصادي، وهذه الوضعية وان كانت تبدو “طارئة”، فإنها نتيجة تراكم طال، تتداخل فيه ازمة الدولة الوطنية، بعشرية الثورة وما نجم عنها، من انعدام للخبرة والكفاءة في ادارة وتسيير الدولة، فضلا عن تنامي مظاهر الفساد الذي تحول الى سرطان حقيقي، ينخر المجتمع والدولة.

وهي كلها عوامل مجتمعة تفسر شبح  الافلاس،  الذي يبدو أنه بصدد التحول الى حقيقة واقعية ، خاصة بعد تقرير مؤسسة الترقيم موديز الأخير، الذي كشف عن تحول تونس الى دولة، غير قادرة على توفير أدنى شروط الثقة، للمتعاملين معها  سواء من الدول أو المؤسسات المالية دولية.

ما سيجعلنا أمام حالة مستجدة – لو لم نتحرك بسرعة لمحاصرتها وتجاوزها – عاجزين خلال أشهر قليلة، عن توفير حاجياتنا الأساسية من دواء وطاقة ومواد أولية … و ذلك بسبب تراجع مدخراتنا من العملة الصعبة، فضلا عن ما قد يصاحبها في الداخل من “قلاقل”، في علاقة بتأمين الأجور والتحكم في التضخم،  المرتبط عضويا بتوفير شروط دنيا لعيش الناس، في ظل تزايد نسب التفقير وارتفاع مستويات المعيشة.

يجري كل هذا “الخراب”، في ظل غياب ادارة سياسية للأزمة، فبعد 3 اشهر من الفراغ الحكومي، جاءت الولادة القيصرية لحكومة، أعتبرت ولادتها استجابة لضغط الخارج، أكثر منه لحاجيات الداخل، ولدت حكومة ورافقها غياب  برنامج وتصور للخروج من عنق الزجاجة.

في الأثناء و مع استمرار أجواء من “التخميرة الجماعية”، اذ يتواصل على المستوي “الشعبي”، الاستمتاع ب “التدافع الفيسبوكي”، بين “الطوائف السياسية” المتناحرة، والتي أصبحت ترسل برسائل مخيفة مفادها الخوف من تحول “العنف الافتراضي” الى “عنف واقعي”.

في هذا السياق العبثي، تتالي المواقف الخارجية، التي زادت في مزيد “صب الزيت على النار”، بما سيعميق الأزمة أكثر، ويجعلها أكثر استعصاء على الحل.

و نعني هنا ما سببته الأزمة السياسية في الداخل، من ردود أفعال “غاضبة” من قبل شركائنا في الخارج، أصبحت تنذر في ظل تصعيد المواقف ( الكنغرس الأمريكي والبرلمان الأوروبي)، والردود الرسمية التونسية الرافضة، و التي وصلت لاستدعاء السفير الأمريكي من قبل قصر قرطاج.

وذلك تعبيرا عن الموقف التونسي الر افض للتدخل في الشأن الداخلي وتمسكه ب “السيادة الوطنية”، وفي غياب التسريع بمحاصرة التطورات الأخيرة في علاقة بالخارج، فان الأوضاع الحالية تؤشر الى الذهاب نحو أزمة دبلوماسية غير مسبوقة مع شركاء تونس الرئيسيين، قد تجعل البلاد في حالة قريبة من “العزلة الدولية”.

للاشارة، فان الموقف الأمريكي والأوروبي، متمسك بدعوة السلطات التونسية الى العودة الى المسار الدستوري، دون أن يفرض شروط مفصلة على الجانب التونسي، وهو الذي كان في وضع “متفهم” لقرارات 25 جويلية الفارط، المتمثلة في  اعلان الرئيس سعيد عن تطبيق الفصل 80 من الدستور.

وفق قراءة اعتبرت “موسعة” جدا، تمثلت في حل الحكومة وتعليق عمل البرلمان وتعويض ثلاثة أبواب من الدستور بتنظيم مؤقت للسلطة.

لكن، الموقف الغربي تغير واصبح أكثر “نقدي” منذ الاعلان عن الامر الرئاسي   117 بتاريخ 22 سبتمبر الماضي، وتسارعت بالتالي الدعوات للعودة للمسار الدستوري، والمطالبة ببرلمان وبخارطة طريق لإدارة المرحلة المقبلة، وهو موقف تفاعل بصورة ايجابية مع قرار تونس بتشكيل حكومة الأسبوع الفارط، مع يبرز انه قادر على التفاعل ايجابيا لو وجد تفاعلا في الواقع.

في الاثناء، يراقب التونسيون المشهد في بلادهم بالكثير من “الحيرة” و “القلق”، حول افاق تطورات الأوضاع، في ظل تصاعد “الضغط الخارجي” الذي يطالب بتسريع “العودة للمسار الدستوري”، وفي ظل “تمترس” كل طرف في الداخل بموقفه، من خلال تصاعد الرفض لهيمنة الرئيس سعيد على الحياة السياسية، ومضي هذا الأخير في ما قرره دون التفات يذكر لبقية مكونات المشهد، من أحزاب ومجتمع مدني ومنظمات وطنية … وكأن الرجل اختار طريقه، وهو العزم على انزال “مشروعه” بسلطة الأمر الواقع، أيا كانت الضغوطات وأيا كان مصدرها أو الجهة التي تقف ورائها.

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP