الجديد

إستراتيجية محاربة الإرهاب في تونس /دراسة/

منذر بالضيافي

ترصد هذه الدراسة (نشرت في كتاب مركز المسبار للبحوث، جوان 2015)، جهود مكافحة الإرهاب في تونس، والأساليب التي انتهجتها الحكومة، في الفترة الواقعة بين عامي 2002 و 2011، أي خلال زمن حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وأيضا خلال المرحلة التي تلت رحيله عن السلطة، خصوصا بعد الأحداث الإرهابية، والهجمات الإنتحارية، فضلا عن مشاركة عدد كبير من الشباب التونسيين في مناطق الصراع، وانضمام عدد منهم إلى تنظيمات إرهابية مثل “داعش”.
نحاول في هذه الورقة، التطرق الى عناصر “الإستراتيجية التونسية” في الحرب على الإرهاب. وذلك عبر العودة إلى بداياتها، خلال مرحلة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، تحديدا خلال الفترة ما بين 2002-2011 ، أي إلى حدود قيام الثورة في 14 يناير 2011، وهروب بن علي وسقوط نظامه. على أن نخصص الجزء الثاني، من هذه الورقة، إلى “الخطة” و “المنهجية” المتبعة في مقاومة هذه الظاهرة، بعد الثورة التونسية، التي اقترنت بحصول تطورا دراماتيكي في النشاط الإرهابي، سواء من حيث توتر نسق العمليات، أو “النوعية” ونقصد هنا التكلفة التي تخلفها، خاصة القتلى في صفوف الأمنيين والمدنيين. وهو ما جعل الظاهرة تتحول لواقع يتعايش معه التونسيون، لدرجة حصول ما أصبح يعرف ب “التطبيع” المجتمعي والإعلامي والسياسي، مع أخبار القتل، خصوصا بعد انتقال العمليات الإرهابية، من الجبال إلى المدن، عبر استهداف مراكز السيادة والنشاط الاقتصادي. /1/. في مؤشر على حصول تطور نوعي، في خطط الجماعات الإرهابية، في حربها على تونس. في حين نهتم في الجزء الثالث والأخير، بابداء ملاحظات على “استراتيجية” مقومة تمدد الارهاب في تونس، خاصة ابراز تركيزها على البعدين “الأمني” و “القانوني”(قانون الارهاب)، واهمال الجوانب الاجتماعية التي تمثل حاضنة لنمو الجماعات المتشددة، التي تركز على حالة الفقر والتهميش، في انتداب الشباب الى صفوفها.
خلال حكم بن علي: “عسكرة” المجتمع بذريعة مقاومة الإرهاب
بدأت معركة الحرب على الإرهاب في تونس، بصفة مبكرة. وذلك أشهر قليلة بعد حادثة الهجوم على أمريكا، في 11 سبتمبر 2001. التي جعلت الولايات المتحدة تعلن في عهد الرئيس جورج دبليو بوش ما يسمي ب “الحرب العالمية على الإرهاب”. اذ عمدت كتيبة إرهابية تابعة لتنظيم “القاعدة” الى تفجير كنيس “الغريبة” اليهودي بجزيرة جربة السياحية، في 11 أفريل 2002،  نجم عنه قتل عدد من السياح والتونسيين/2/.
رغم محاولة السلطات التونسية، السعي لإبراز ما حصل على أنه حادث عادي، إلا أن التحقيقات الغربية وخاصة الألمانية، أكدت على أن  تفجير كنيس الغريبة اليهودي، هو عمل ارهابي، من قبل جماعة تنتمي لتنظيم القاعدة.  و قد جاء في تفاصيل البحث، أنه تم تحميل شاحنة لنقل الغاز الطبيعي بكمية من المتفجرات، قامت بتخطي الحواجز الأمنية.  ثم انفجرت أمام الكنيس متسببة في مقتل 14 شخصا منهم 6 سياح ألمان و6 تونسيين وفرنسيان وجرح ما يزيد عن 30 شخصا.
بعد حادثة جربة، تكررت العمليات الإرهابية في تونس، وسط تكتكم كبير من قبل النظام. الذي وجد في الدعم الدولي المساند والداعم للحرب على الإرهاب، خير مطية لتكريس هيمنة نظامه على الحراك الاجتماعي والسياسي في البلاد، وضع استمر طيلة عشريتين كاملتين (1990-2010)، وكان في ذلك مستندا بالأساس الى قوة الجهاز الأمني و البوليسي. خاصة في حربه على التيار الإسلامي، ممثلا في حركة النهضة بزعامة الشيخ راشد الغنوشي، الذي هاجر إلى بريطانيا. وقد استطاع نظام بن علي، التسويق دوليا إلى أن حربه على “التطرف الديني” تندرج ضمن “المجهود الدولي في الحرب على الإرهاب”. قصد إعطاء “شرعية” قانونية ودستورية لحربه على “التطرف” و “الإرهاب”، خاصة إعطاء “شرعية” للخروقات والتجاوزات الأمنية، التي كانت تتم على الحريات وحقوق الإنسان، حيث عمد النظام التونسي، في سنة 2003،  الى سن قانون لمحاربة الإرهاب.
وهنا نذكر بأن السلطات التونسية، طيلة فترة حكم زين العابدين بن علي، لم تكن تمتلك لا خطة ولا إستراتيجية لمقاومة الإرهاب، باستثناء التركيز على الجانب الأمني. وهو وضع، نلاحظ أنه سوف يستمر حتى في ظل حكومات ما بعد الثورة، التي عجزت عن صياغة رؤية إستراتيجية لمحاربة الإرهاب، تكون محل تعاقد وقبول من قبل كافة الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين وكذلك النخب والجمعيات الأهلية.
في “غمرة” الاستفادة من توظيف المناخ الدولي المعادي للإرهاب، حاول نظام بن علي تحقيق أكثر ما يمكن من الاستفادة، عبر الانخراط في الحرب “الكونية” الأمريكية على هذه الظاهرة.، ما جعله يستفيد من منح وهبات إضافة إلى حصوله على أجهزة وتقنيات لوجستيكية وفنية للحرب على الظاهرة في الأرض. كما كان أول من بادر بسن قانون في 10 ديسمبر 2003، تحت عنوان “قانون عدد 75 لسنة 2003 بتاريخ 10 ديسمبر 2003 يتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال”. برغم بعض الأصوات المعارضة، خاصة الحقوقية منها  فان النظام التونسي مرر قانون مكافحة الإرهاب، الذي مكنه من مزيد تمتين قبضته الحديدية، على كل معارضيه لا المتطرفين والإرهابيين فقط. كما جعله يظهر بمظهر المنسجم والمتفاعل مع الإرادة الدولية في حربها على الإرهاب. وفي الداخل قام بتسويقه على أنه يهدف لحماية المجتمع. حيث جاء في الفصل الأول والوحيد في باب “أحكام تمهيدية”، أن القانون الجديد ” يضمن حق المجتمع في العيش في أمن وسلام، بعيدا عن كل ما يهدد استقراره، ونبذ كل أشكال الانحراف والعنف والتطرف والعنصرية والإرهاب التي تهدد أمن واستقرار المجتمعات، كما يدعم المجهود الدولي الرامي إلى مكافحة كلّ مظاهر الإرهاب والتصدي لمصادر تمويله ومنع غسل الأموال المتأتية من الجريمة، وذلك في إطار الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية”.
كانت حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي، خلال فترة حكم زين العابدين بن علي، تخفي في طياتها ظواهر اجتماعية كثيرة، لعل أبرزها تنامي الفكر السلفي،خاصة الجهادي في صفوف فئة الشباب، وهي ظاهرة ستبرز للعلن مباشرة بعد سقوط النظام. وفي هذا السياق، تذكر التقارير الأمنية أن حوالي 3 ألاف شاب تمت محاكمتهم باسم قانون الإرهاب بين 2003 و2010. ويرجع ذلك الى فشل المنوال التنموي، الذي نجم عنه انتشار معدلات الفقر، وتراجع دور مؤسسة المدرسة وفقدانها لوظيفتها في الارتقاء الاجتماعي. بالإضافة إلى المفعول السلبي لمحاصرة “التدين الوسطي”، التي لجأ إليها نظام بن علي في حربه على حركة “النهضة” الإسلامية، التي استندت إلى جانب الإجراءات الأمنية، على ما عرف حينها بسياسة “تجفيف المنابع”، المتمثلة في محاصرة كل مظاهر التدين، وهو عامل ساهم في تراجع التدين الوسطي لصالح التدين السلفي/الجهادي.
وقد مثلت حادثة ما يعرف ب “مجموعة سليمان” (أفريل 2006)، التي تمثلت في حصول مواجهات عسكرية بين “كتيبة إرهابية” وقوات الأمن والجيش التونسي، في مدينة “سليمان” – 30كلم عن العاصمة تونس – أول مواجهة علنية مسلحة بين النظام التونسي والجماعات الدينية المتشددة. حينها وجد الأمن التونسي صعوبات في القضاء عليهم. وهي عملية أخرجت “الجهاديين” من السرية الى “العلنية”، في مواجهة السلطة، متحدية بذلك الخيار الأمني، الذي مثل أساس إستراتيجية مقومات الإرهاب، زمن حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، الذي انهار نظامه 4 سنوات فقط بعد مواجهات أحداث “سليمان”، ضمن ثورة شعبية أنهت 23 سنة من حكم ثاني رئيس للجمهورية التونسية، بعد الرئيس المؤسس الحبيب بورقيبة.
أعطي نظام بن علي  الأولوية المطلقة في حربه على الإرهاب، للحل الأمني الذي أدي إلى عسكرة المجتمع. غير أنه وفي مستوي الخطاب السياسي، كان مدركا لضرورة توفر خطة شاملة، للقضاء على هذه الظاهرة، أو على الأقل محاصرة تطورها وانتشارها. وفي هذا الإطار، بادرت تونس في عهده، لتنظيم مؤتمر دولي، في سبتمبر 2007،  حول “الإرهاب الأبعاد والمخاطر واليات المعالجة”، بحضور الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة “بان كي مون”. الذي تطرق بالمناسبة للظروف التي تساعد على انتشار الإرهاب. وتشمل بالخصوص النزاعات التي لا تزال دون حل والتي طال أمدها، والإقصاء السياسي، والتهميش الاجتماعي والاقتصادي. ملاحظا «أن هذه الظروف يمكن أن تكون محلية المنشأ، غير أن آثارها تشمل جميع الدول”. مشيرا إلى  “أن الإرهابيين يمكن أن يستعملوا مواطن الضعف والمظالم لنشر الإرهاب على الصعيد المحلي غير انه بإمكانهم إقامة روابط مع غيرهم بسرعة على الصعيد الدولي”.  وقال بهذا الخصوص “إذا واجهنا معا الظروف التي تساعد على انتشار الإرهاب فانه يصبح بإمكاننا أن نكمل التعاون الدولي بشان الآمن وإنقاذ القوانين”./3/.
وكان هذا المؤتمر، مناسبة أكد فيها الرئيس التونسي حينها على
أن الحل الأمني ضروري، لكنه غير كاف لمواجهة ظاهرة الإرهاب. وقال الرئيس بن علي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي شارك فيه خبراء من أكثر من 20 بلدا  «إن أنجع علاج لمواجهة الإرهاب، هو العلاج الوقائي الذي يبدأ بالقضاء على الأسباب الدافعة لظهور الإرهاب والظروف المهيأة لانتشاره». وأضاف إن ذلك يكون «بالاعتماد أساساً على تطوير حياة الإنسان اليومية نحو الأفضل، وذلك بنشر التعليم والثقافة والنهوض بأوضاع المرأة والشباب وتكريس حقوق الإنسان وتوسيع مجالات الاستشارة والمشاركة ومكافحة الفقر”. /4/.
تونس بعد الثورة: “التسونامي” الإرهابي وبحث عن استراتيجة للمواجهة
 لئن كانت العمليات الارهابية خلال فترة حكم الرئيس زين العابدين بن علي معزولة فانها عرفت “انفجارا” بعد ثورة 14 يناير 2011 يشبه “التسونامي”، لتدخل تونس في حرب حقيقية مع هذه الظاهرة. التي أصبحت تهدد وحدة واستقرار المجتمع والدولة. وذلك  بسبب الفراغ الأمني وضعف المؤسسات،  وشيوع الفوضى في الاقليم، خاصة بعد سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا، الذي فسح المجال لانتشار ألاف قطع السلاح. /5/.
كما عرفت فترة صعود “الإخوان” للسلطة في تونس (2012-2014)،  حصول تراخي، وصل درجة التواطؤ مع الجماعات الدينية المتشددة، التي كانت تعد العدة للانقلاب على النمط المجتمعي، و الانقضاض على السلطة. التي انتقلت بعد خطاب مخاتل مفاده أن تونس “أرض دعوة” الى ممارسة العنف والدعوة ل “الجهاد”. وهنا نشير الى أن “القطيعة بين “النهضة” و “أنصار الشريعة” جاءت متأخرة جدا. بعدما سمحت لهذا التيار الجهادي بتنظيم وبناء صفوفه، واعداد العدة للمرور من “الدعوة” الى “الجهاد”…ما يشير الى تعميق الاتهامات التي وجهها خصوم “النهضة”، بأن علاقتها بالجهاديين تكشف عن حصول “تواطؤ” ميز فترة حكمها مع هذا التيار”/6/.
ويستند أنصار هذا الرأي، الى تصريح شهير لراشد الغنوشي، زعيم النهضة استنكر فيه الدعوات الى تطبيق القانون على تجاوزات أنصار التيار السلفي، خلال فترة حكم “النهضة”. مشيرا أيضا، الى أن “الشباب السلفي يذكرني بشبابي…وأنهم يبشرون بثقافة جديدة”. لكن تحول هذا التيار الى ممارسة العنف، أجبر “النهضة” الحاكمة على تصنيف “أنصار الشريعة” كتنظيم ارهابي. كما اعترف الغنوشي بأن “أنصار الشريعة خدعوه كما خدعوا المجتمع”/7/.
وقد ترافق هذا المشهد مع دخول أعداد كبيرة من الشباب “أفواجا..أفواجا” الى التنظيمات الجهادية، سواء التي تنشط في تونس وتستهدف المجتمع ومؤسسات الدولة، أو من خلال الالتحاق ببؤر التوتر في العالم، لتتحول تونس الى أحد أبرز الدول المصدرة للإرهابيين في كل من ليبيا وسوريا والعراق، وليكون شبابها من قيادات الجماعات المتشددة، خاصة تنظيم الدولة الإسلامية المعروف ب “داعش”. ونشير الى تونس “شهدت بعد الثورة، عمليات انتداب واسعة، من الشباب الذين تم تسفيرهم في رحلات منظمة للجهاد. تمت هذه العملية بمباركة من قيادات سلفية نهضوية”. /8/وأشارت احصائيات الى ان عدد المقاتلين التونسيين في سوريا والعراق هو بين 3و4 الاف مقاتل./9/
في دراسة له حول ” الارهاب المعولم…المقاتلون في سوريا نموذجا”، أشار الباحث في التاريخ الحديث عبداللطيف الحناشي، الى أن نشاط التيار الجهادي ازداد في تونس منذ أواخر التسعينيات من القرن الماضي بعد انضمام عدد هام من الشباب الى تنظيم طالبان وتكوين معسكر خاص بهم “معسكر التوانسة” من قبل سيف الله بن حسين المكنى بـ”ابو عياض التونسي.. وظل بعضهم في أفغانستان،في ما بعد، في حين انتقل البعض الآخر  الى بؤر التوتر في الشيشان والبوسنة والهرسك… .اما داخل تونس فقام هذا التيار ببعض الهجمات المسلحة في عهد النظام السابق الذي لم يتردد في القيام بحملة واسعة ضد أفراد التيار وسجن منهم المئات خاصة بعد صدور قانون الإرهاب.واستفادت عناصر التيار ،بعد الثورة ،من صدور العفو التشريعي العام(19-2-2011) وانتشروا في مختلف أجزاء البلاد وسجلوا حضورهم في اغلب التحركات السياسية والاجتماعية، بلباسهم وسلوكهم المختلف،وعقدوا أول لقاء علني لهم في إحدى مناطق العاصمة  في ماي 2011 ….وبعد سنتين من النشاط السلمي بدأت تلك المجموعات وخاصة، أنصار الشريعة،في ممارسة العنف بالتدرج ضد المثقفين والمبدعين والفنانين كما قامو ب”غزوة”السفارة الأمريكية واغتيال زعيمين سياسيين بارزين( شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي) وصولا للعمليات المختلفة ضد عناصر الجيش والأمن وبين ذاك وذاك كان الشباب السلفي ينظم الشباب للالتحاق بجبهة القتال في سوريا. /10/.
كما عجل “التمدد السلفي الجهادي” برحيل حكم “النهضة” الاسلامية، خاصة بعد تعمد هذه الجماعات الهيمنة على الفضاءات العامة، ثم المرور الى العنف المنظم ومحاولة تغيير النمط المجتمعي بالقوة. وجاءت حادثة الهجوم على السفارة الامريكية بتونس يوم 14 سبتمبر 2012 والتي تمثلت في “اقتحام محتجين من التيار السلفي الجهادي لحرمة السفارة، احتجاجا على عرض فيلم مسىء للرسول /ص/  لتنهي “شهر العسل” بين الولايات المتحدة الامريكية وحكومة الاسلاميين في تونس. ومن يومها بدأت الادارة الأمريكية تدير ظهرها ل “النهضة” و حكومتها” /11/.
حصل كل هذا “الانفجار الارهابي”، خلال الاربعة سنوات التي ثورة 14يناير 2011 ، في المقابل نجد أن كل الحكومات التي تعاقبت على الحكم بعد الثورة، عجزت عن وضع استراتيجية شاملة لمقاومة ظاهرة الارهاب. الذي مر الى السرعة القصوى. وفي ما يلي استعراض للعمليات الارهابية، التي حصلت في تونس بعد الثورة، التي تظهر تطورها بنسق كبير:
الثلاثاء 7 أفريل 2015
كمين يسفر عن استشهاد 4 جنود وجرح 9 بمحافظة القصرين
الاربعاء 18 مارس 2015

  • هجوم على متحف باردو في العاصمة تونس، قتل 23 سائحا وجرح 50

الاربعاء 18 فيفرى  2015
_استشهاد 4 عناصر من الحرس الوطنى فى هجوم ارهابى بمدينة بولعابة من ولاية القصرين
1 ديسمبر 2014
_ استشهاد عسكرى واصابة اخر فى انفجار لغم أرضى بجبال القصرين

28 نوفمبر 2014

_استشهاد رقيب فى الجيش الوطنى فى عملية ارهابية بثكنة  زعرورة العسكرية بمنزل بورقيبة من ولاية بنزرت
الاربعاء 5 نوفمبر 2014
_ استشهاد 5 عسكريين واصابة 12 شخصا فى هجوم ارهابى على حافلة مخصصة لنقل عسكريين وعائلاتهم بين الكاف وجندوبة
3 أوت 2014
_ اسنشهاد عسكرى على اثر مهاجمة مجموعة مسلحة للثكنة العسكرية بسبيطلة من ولاية القصرين
26 جويلية 2014
_ استشهاد عنصرين من الجيش الوطنى وجرح عدد اخر فى مواجهات مع ارهابيين بجهة غار الطين التابعة لمعتمدية ساقية سيدى يوسف من ولاية الكاف
17 جويلية 2014
_14 شهيدا و20 جريحا فى الهجوم الارهابى بجبل الشعانبى بواسطة قذائف اربى جى ورشاشات على نقطتى مراقبة من الجيش
الاربعاء 2 جويلية 2014
_ انفجار لغم بجبل ورغة بالكاف يسفر عن استشهاد أربعة عسكريين
1 جويلية 2014
_اصابة 4 جنود من الجيش الوطنى وعونين من الحرس فى انفجار لغم بجبل بولاية الكاف
الاربعاء 28 ماى 2014
_ استشهاد أربعة أمنيين بالقصرين فى هجوم مسلح على منزل وزير الداخلية  لطفى بن جدو
23 ماى 2014
_ استشهاد عسكريين واصابة 5 اخرين بجروح فى انفجار لغم بجبل الشعانبى
18 افريل 2014
_انفجار لغم أرضى بالشعانبى على سيارة عسكرية يسفر عن استشهاد السائق واصابة عسكرى اخر
16 فيفرى 2014
_ استشهاد ثلاثة أعوان من الامن ومواطن فى قرية سيدى حامد بجندوبة الشمالية برصاص مجموعة ارهابية
2 ديسمبر 2013
_ استشهاد  نقيب وجرح وكيل بالجيش الوطنى فى انفجار لغم بمنطقة العمليات العسكرية المغلقة بجبل الشعانبى من ولاية القصرين
الاربعاء 23 أكتوبر 2013
_ استشهاد ستة أعوان من الحرس الوطنى واصابة اثنين اخرين بجروح خطيرة ومقتل ارهابيين فى مواجهة مسلحة بين فرقة من الحرس الوطنى ومجموعة ارهابية مسلحة بمنطقة الونايسية من معتمدية سيدى على بن عون من ولاية سيدى بوزيد.
_ استشهاد عون أمن واصابة اخر بمنزل بورقيبة من ولاية بنزرت خلال تعرض دورية للشرطة الى اطلاق نار من سيارة على متنها أربعة ارهابيين من المتشددين دينيا.
17 أكتوبر 2013
_استشهاد عونى حرس وطنى واصابة ثالث خلال مواجهة مع مجموعة ارهابية مسلحة بمنطقة قبلاط من ولاية باجة
29 جويلية 2013
_استشهاد 8 عسكريين فى كمين وجرح 3 اخرين فى انفجار لغم أرضى بمحمية الشعانبى
14 جوان 2013
_ اصابة ثلاثة عسكريين بجروح اثر تعرض سيارة عسكرية لانفجار لغم بجبل الشعانبى من ولاية القصرين
6 جوان 2013
_ استشهاد عسكريين اثنين وجرح اثنين اخرين اثر تعرض سيارتهم لانفجار لغم على مسلك خارج محمية جبل الشعانبى بمنطقة اهلة بالسكان
6 ماى 2013
_ انفجار لغم بجبل الشعانبى يصيب جنديين  برتبة رقيب
30 أفريل 2013
_انفجار ثلاثة الغام أرضية بجبل الشعانبى من ولاية القصرين يسفر عن اصابات بليغة فى صفوف أعوان من الحرس والجيش الوطنيين.
10 ديسمبر 2012
_استشهاد عون من الحرس الوطنى فى مواجهات بين مجموعة مسلحة وعناصر من الحرس والجيش الوطنيين بمعتمدية فريانة من ولاية القصرين
الاربعاء 1فيفرى 2012
_ مواجهات بين مسلحين وقوات الامن والجيش الوطنيين ببئر على بن خليفة تسفر عن جرح عسكريين
الاربعاء 18 ماى 2011
_ استشهاد المقدم الطاهر العيارى والرقيب الاول وليد الحاجى فى مواجهات ضد عناصر منتمية الى تنظيم القاعدة بالمغرب الاسلامى شهدتها معتمدية الروحية من ولاية سليانة. /12/
 توافق سياسي وإجماع على محاربة الإرهاب
أربكت العمليات الإرهابية المتتالية والمتصاعدة، كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة بعد الثورة. ما جعلها تقف في مظهر العاجز عن وضع خطة أو إستراتيجية لمقاومة الإرهاب، تكون عبر ابتداع حلول جديدة، وعدم السقوط في إعادة استنساخ وصفات قديمة لأوضاع مستجدة. من مثل الاكتفاء بالتركيز على الجانب الأمني –على أهميته – أو الدعوة لإحياء قانون الإرهاب الذي أقره نظام الرئيس الأسبق قبل الثورة،  زين العابدين بن علي. أو الاستعادة عنه بقانون جديد، يراعي ما يمكن مسألة حقوق الإنسان.
هذا ما يفسر تداعي كل الأطراف، من سلطة حاكمة وأحزاب سياسية ومنظمات أهلية وجمعيات حقوقية. الى ضرورة الوصول لإقرار مقاربة توافقية، تكون بمثابة “إستراتيجية شاملة”، لتطويق هذه الظاهرة التي أصبحت تهدد “الأخضر واليابس”.
ولعل الملاحظ في هذا الإطار، هو وجود إجماع بين الإسلاميين “المعتدلين” –حزب “النهضة” برئاسة راشد الغنوشي- والقوي العلمانية، على أهمية التسريع بوضع إستراتيجية لمحاربة الإرهاب. من خلال تأكيد الفريقين على تشخيص الأسباب الرئيسية التي تقف وراء تنامي الظاهرة بعد الثورة، سواء الداخلية منها، والمتمثلة في حالة الفراغ المؤسساتي وتحديدا الأمني بعد سقوط نظام بن علي، ثم تأخر إصلاح المؤسسة الأمنية، باتجاه وجود أمن جمهوري يكون بعيدا عن الصراعات السياسية، ولا يكون ولاؤه الا لعقيدته الأمنية الوطنية.
ثم في مرحلة ثانية، توفير التجهيزات اللازمة، بما يجعل الأمن والجيش قادران على تعقب الإرهابيين. الى جانب حصول اتفاق على إلحاحية التنسيق مع دول الجوار وخاصة الجزائر، والاستفادة من خبرتها وتجربتها في محاربة الإرهاب. مع الحرص على متابعة تطورات الأزمة الليبية، نظرا للتأثير الكبير لغياب الدولة والصراع بين المليشيات الليبية، على استقرار وأمن تونس. خصوصا في ظل تحول ليبيا، الى حاضنة وبؤرة لنشاطات الجماعات الدينية المتشددة، التي تخطط لضرب الاستقرار في تونس.
كما برزت دعوات الى التسريع بتقوية “الجبهة الداخلية” أو “الوحدة الوطنية”، التي تري فيها كل الأطراف على أنها بمثابة لبنة أولي للتوحد في مجابهة الإرهاب. مثلما أكد على ذلك كل من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ورئيس حركة “النهضة” الإسلامية راشد الغنوشي، في أول ردة فعل على العملية الإرهابية، التي استهدفت متحف باردو في 18 مارس 2015، وأسفرت عن سقوط 23 قتيلا منهم 22 سائحا وأكثر من 50 جريحا.
واعتبر الشيخ الغنوشي، “أن الشعوب تعرف معادنها أثناء حدوث المصائب التي تجعلها تكتشف الثغرات و الصعوبات و تجعل منها أقوى و أصلب”.  و شدّد على “أن فيروس الإرهاب لن يستقر في تونس لأن بها دولة قوية”.  مجددا التأكيد على “أن الواجب الوطني يقتضي حماية الدولة و حراستها لأنه لن يبقى أحد بسقوطها”. داعيا جميع التونسيين إلى “حماية دولتهم حفاظا على أرواحهم و أنفسهم لأن ذلك ليس واجب اجهزة الأمن وحدها”. و وصف الشيخ راشد الغنوشي “داعش” بالخوارج الجدد و قال أن الإرهابيين وجهوا ضربة إلى تونس و هي في صعود و ليست في نزول بعد نجاح البلاد في كتابة دستور جديد ديمقراطي بموافقة 94% و في إجراء إنتخابات ديمقراطية و نزيهة أفرزت حكومة تحوز على ثقة 76% من الشعب التونسي مشددا على أن البلاد في حالة بناء و ثورة و ليست في حالة سقوط./13/. كما أكد الغنوشي على “ان الظاهرة السلفية لم تكن واضحة، مضيفاً ان السلفيين خدعوا المجتمع تحت غطاء العمل الدعوي والخيري وظهر لاحقاً انهم كانوا يهيئون أنفسهم ويؤطرون أنصارهم مستغلين حالات الانفلات والاحتقان السياسي والاجتماعي، مشيراً إلى ان حقيقتهم اليوم معروفة لدى الجميع وهناك وحدة وطنية في التصدي لهم”./14/
كما دعت حركة النهضة التونسية، بعد حادثة متحف باردو الارهابية، 18 مارس 2015، إلى “عقد مؤتمر وطني لوضع استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب والتعجيل بإصدار قانون مكافحة الإرهاب والقوانين الداعمة لحماية الأمنيين في أداء مهامهم”.. وعبرت الحركة في بيان وقعه رئيسها راشد الغنوشي، عن تنديدها “أشد التنديد بما اقترفته العصابة المجرمة في استهدافها لمقر سيادي في الدولة وأحد رموزها وما أسفر عنه من إزهاق أرواح بريئة عدد منهم من ضيوف تونس”..
وأضاف البيان أن حركة النهضة “تؤكد أن هذه الجريمة الإرهابية محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار ونشر الخوف وضرب اقتصاد البلاد عبر الإضرار بالقطاع السياحي والمس من قوت مئات الآلاف من التونسيين”..
ودعت  “التونسيين والتونسيات إلى التماسك ورفع مستوى اليقظة الأمنية وتعزيز الوحدة الوطنية والوقوف صفا واحدا مع وحداتنا الأمنية والعسكرية ضد هذه الآفة التي لا مستقبل لها في تونس.”  وقال البيان تؤكد حركة النهضة “أن هذه الجريمة لن تكسر إرادة شعبنا ولن تنال من ثورتنا وديمقراطيتنا وأن الشعب الذي انتصر على الدكتاتورية سينتصر على الإرهاب”./15/.
من جهته، تعهد الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، بمقاومة الإرهاب “بلا شفقة ولا رحمة” إثر مقتل 22 شخصا، بينهم 20 سائحا أجنبيا في هجوم دامٍ نفذه، يوم 18 مارس 2015، مسلحون على متحف “باردو” القريب من مقر البرلمان بالعاصمة تونس. وقال قائد السبسي في خطاب توجه به إلى التونسيين عبر التلفزيون الرسمي “إننا في حرب مع الإرهاب، وإن هذه الأقليات الوحشية لا تخيفنا، وسنقاومها إلى آخر رمق بلا شفقة وبلا رحمة”.. وشدد الباجي قائد السبسي،   28 مارس 2015 على هامش مشاركته في القمّة العربيّة في شرم الشيخ (28 مارس 2015 ) ، و في تعليق له على “الإرهاب” في العالم العربي أنّ القضاء على الحرب يكون بخطّة أمنيّة و فضائيّة صارمة. كما دعا “السبسي ” إلى ضرورة تجديد الخطاب الدّيني و تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و دعم الفكر الوسطي المتسامح .”. كما ربط الرئيس التونسي، بين مقاومة الارهاب، وتواصل حالة عدم الاستقرار في ليبيا،  مؤكّدا على تأثير الوضع الليبي المعقّد على الوضع التّونسي .
كما دعا حسين العباسي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أهم منظمة اجتماعية في تونس، وتلعب دورا بارزا في الحياة السياسية،  إلى عقد مؤتمر وطني لشن الحرب على الإرهاب. وأوضح العباسي خلال يوم إعلامي حول “محاربة الارهاب” أن المنظمة الشغيلة بصدد إعداد تصور لمعالجة آفة الإرهاب في تونس وستدعو الرباعي الراعي للحوار الوطني /16/ إلى الاجتماع من أجل مناقشة وثيقة هذا التصور.
وقال أن الوثيقة النهائية لهذا التصور الذي تبنته مختلف هياكل الاتحاد، ستعرض على مختلف الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني التي ستشارك في هذا المؤتمر الوطني للإمضاء عليها والالتزام بما جاء فيها، وتتويجها بإصدار إستراتيجية وطنية لشن الحرب على الإرهاب. وبين الأمين العام للاتحاد في السياق ذاته، أن الحرب الشاملة على الإرهاب تستدعي توحيد سياسة تونس الأمنية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية وضبط الإمكانيات المادية والبشرية لمواجهة هذه الآفة والبحث عن مصادر تمويل لهذه الحرب.
و دعا إلى تحديد إطار تشريعي وقانوني لمجابهة الإرهاب وتجنيد كل القوى الاجتماعية والسياسية والدينية لهذه الحرب. وأشار العباسي من جهة أخرى إلى الدور “الأساسي” و”الضروري” لعلماء الدين في محاربة الفكر الظلامي وفي تنوير عقول الشباب وتفسير المعاني الحقيقية للدين، داعيا في هذا الصدد إلى مراجعة المنظومة التربوية والتعريف بالدين الذي يبني الدولة المدنية. /17/.
من خلال استعراض مواقف مختلف الأطراف الرئيسية والفاعلية في المشهد التونسي، نلاحظ أنه وبرغم اتفاق كل العائلات السياسية والمنظمات الأهلية والنخب، على إدانة الإرهاب وإعلان الحرب عليه، فإنها مع ذلك تختلف في أولويات المعالجة، ففي حين تركز السلطة على الخيار الأمني، برز ذلك من خلال تعجيلها بعرض قانون الارهاب على أنظار مجلس نواب الشعب. برغم أنه محور جدل، على اعتبار وأنه يمارس تضييقات على الحريات وحقوق الانسان. فاننا نجد في المقابل أن الأحزاب السياسية خاصة في المعارضة، والمنظمات الأهلية أو المجتمع المدني وتحديدا المنظمات الحقوقية، تدعوا الى مقاربة شاملة لمقاومة الارهاب، ليس البعد الأمني الا جزءا منها.

استنتاجات وملاحظات على “استراتيحية” صد الإرهاب

مثلما حصل جدل حول تعريف الارهاب، فان هناك جدل مماثل في تونس، حول أية استراتيجية “مثلى” لمحاربة الارهاب. لكن تواتر العمليات الارهابية، وارتفاع التكلفة في الخسائر وتحديدا في الأمنيين والجنود، عجل بحصول ما يشبه الاجماع، على تبني “استراتيجية” للتصدي للارهاب. وان كانت ما تزال تطغي عليها الضبابية، وسط وجود أكثر من تأويل وأكثر من قراءة لما هو مقترح، خاصة في ما يتعلق باعطاء الأولية للبعد الأمني واستدعاء قانون للارهاب يهدد ما تحقق من مكاسب، اذ قد يصل حد تقويض الاصلاحات القانونية والدستورية التي تحققت بعد الثورة. هذا بالاضافة الى أن “الوصفة” المقترحة، ببعديها “الأمني” و “القانوني”، هي ذاتها التي كانت معتمدة من قبل نظام ما قبل الثورة، نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. والتي كانت محل معارضة كبيرة داخل تونس وخارجها.
وتجدر الاشارة، الى أن هناك تحفظات كثيرة على مشروع قانون الارهاب الجديد، وفي هذا الاطار أكدت هيومن رايتس ووتش، في تقرير جديد ارسلته لللمشرعين التونسيين، على “ان مشروع القانون الجديد للحكومة التونسية والمتعلق بمكافحة الإرهاب يسمح بتمديد فترة الايقاف على ذمة التحقيق، ويقلل من ضمانات المحاكمة العادلة للأشخاص المتهمين بجرائم الإرهاب، وينص على عقوبة الإعدام”. وكانت الحكومة أرسلت مشروع القانون إلى البرلمان في 26 مارس 2015، في أعقاب الهجمة الارهابية التي استهدفت المتحف الاثري بباردو. ولم يحدد البرلمان بعد جدولا زمنيا للنظر في مشروع القانون المقترح.
وقال إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: ” من الضروري ان تتخذ تونس جميع الخطوات الممكنة لمواجهة الإرهاب وحماية السلامة العامة، ولكن بعض أحكام القانون المقترح يمكن أن تؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان”. وأن احترام حقوق الإنسان يجب أن يكون في صلب القانون بغية إنجاح جهود مكافحة الإرهاب.”
يهدف مشروع القانون لأن يحل محل القانون الحالي الذي تم سنه في 2003. وقد حاكمت حكومة زين العابدين بن علي قبل الاطاحة به في أوائل 2011 حوالي 3 آلاف شخص بتهم الإرهاب بموجب القانون الحالي. وقد رُفعت العديد من القضايا ضد المعارضين السياسيين، علي اساس اعترافات انتزعت تحت وطأة التعذيب، حسبما خلص إليه تقرير للأمم المتحدة.
إن القانون المقترح يراجع مشروعا قدمته الحكومة إلى المجلس الوطني التاسيسي، البرلمان التونسي، في جانفي 2014. علق المجلس التصويت على المشروع وسط خلافات بشأن أحكامه وقبل الانتخابات التشريعية في أكتوبر.
من وجهة نظر حقوق الانسان، يعتبر المشروع الجديد اسوأ من الذي سبقه من ناحيتين. اولا، يسمح مشروع القانون للشرطة باحتجاز المشتبه بهم على ذمة التحقيق لمدة تصل إلى 15 يوما بموافقة من النائب العام وبدون عرض الشخص على القاضي. ولن يُسمح للمشتبه بهم خلال ذلك الوقت بالتواصل مع محامين أو الاتصال بعائلاتهم، مما يزيد من خطر التعرض للتعذيب. يسمح القانون التونسي حالياً للسلطات باحتجاز المشتبه بهم – بمن فيهم أولئك المتهمين بارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب – لمدة أقصاها ستة أيام.
ثانيا، يقضي مشروع القانون كذلك بتصليت عقوبة الإعدام على أي شخص أدين بارتكاب عمل إرهابي أدى إلى وفاة، على الرغم من إيقاف تونس لتنفيذ أحكام الإعدام منذ 1991. هيومن رايتس ووتش تعارض عقوبة الإعدام في جميع الظروف، كممارسة غاية في القسوة ومعارضة للحق في الحياة.
وبحسب هيومن رايتس ووتش فإنه وبالإضافة إلى عقوبة الإعدام و طول مدة الاحتفاظ التي لا تتماشي مع المعايير الدولية ، يُبقي مشروع القانون على بعض العيوب من مشروع القانون السابق. يمكن لتعريفه الواسع والغامض للنشاط الإرهابي أن يسمح للحكومة بقمع مجموعة واسعة من الحريات المحمية دوليا. وكمثال على ذلك، يمكن استخدامه لمقاضاة مظاهرة عامة أدت إلى “الإضرار بالممتلكات الخاصة والعامة” أو تعطيل الخدمات العامة، على أنها عمل إرهابي.
كما يخول مشروع القانون للقاضي بحماية الشهود بحجب هويتهم عن المتهم وعن لسان الدفاع  وهو ما يقوض حق المتهمين في الطعن في الأدلة ضدهم ويضعف من نزاهة الإجراءات.
وينص مشروع القانون على إعفاء المحامين من جريمة الامتناع عن إشعار السلط ذات النظر فورا بما أمكن له الاطلاع عليه من أفعال أو ما بلغ إليه من معلومات أو إرشادات حول ارتكاب إحدى الجرائم اإلارھابية. ولكن الإعفاء لا ينطبق إذا كانت المعلومات قد “تمنع ارتكاب أعمال إرهابية في المستقبل.” تقوض هذه الصيغة الواسعة الحق في الدفاع الفعال عن المشتبه بهم المتهمين بجرائم الإرهاب.
وقال غولدستين: “إن الجهود التي تبذلها تونس لتعزيز دولة القانون بعد الانتهاكات في عهد بن علي ستخطو خطوة إلى الوراء إذا اعتُمدت المقترحات الجديدة لمكافحة الإرهاب في شكلها الحالي”. “إن التدابير التعسفية مثل الإعدام والاحتفاظ المطول علي ذمة التحقيق لا مكان لها في تونس الجديدة، حتى لو كانت بغية مواجهة هذه الهجمات الجديدة البشعة”.
كما توجد انتقادات لإستراتيجية معالجة ظاهرة الإرهاب، التي يرى فيها معرضوها، أنها  تقتصر أساس على إجراءات أمنية، قد تؤدي ل “تغول” المؤسسة الأمنية، وأنها تقوم على إعطاء دور كبير  للجانب القانوني في بعده الزجري، مثلما ورد في مشروع قانون الإرهاب. وبهذا فان “الإستراتيجية” المقدمة، تهمل التركيز على العوامل المساعدة على ظهور الإرهاب وانتشاره، وضرورة التصدي للصور النمطية، وتعزيز الحوار بين الأديان والحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، ودورهما في مكافحة التطرف والإرهاب. والتربية على الوقاية من الإرهاب والتصدي له، ودور المؤسسات الدولية المختصة في الحد من ظواهر التعصب والعنصرية والتطرف والإرهاب.
إلى جانب عدم التفاعل، مع ما جاء في إستراتيجية الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب. التي يقع مراجعتها كل سنتين. والتي تقر برفض الإرهاب في كل أشكال،  ومظاهره أيا كان مصدره وآيا كانت أهدافه ودوافعه. كما تشمل هذه الإستراتيجية نحو خمسين إجراءا لمواجهة الأسباب التي يمكن أن تكون وراء انتشاره، وتعزيز قدرات وإمكانيات الدول وقدرات الامم المتحدة لمكافحته، الى جانب ضمان حماية حقوق الإنسان، ودولة القانون.  كما تشير إستراتيجية الأمم المتحدة إلى عدم ربط الإرهاب بأي دين من الأديان ولا بأية هوية أو مجتمع.
كان على القائمين على وضع إستراتيجية للإرهاب، الاستفادة من البحوث والدراسات السوسيولوجية، التي أعدت حول هذه الظاهرة.  على اعتبار أن التجربة – سواء في تونس أو دوليا- أثبتت أن مكافحة الإرهاب، عبر استعمال الطريقة الأمنية قد فشلت. فأمريكا فشلت في افغانستان والعراق وتورطت في الخنادق التي فتحت فيها النار، وأجبرت في الأخير على الرجوع، للتفاوض والحوارات المباشرة وغير المباشرة، من أجل  الاحتواء والاختراق. فلا يمكن القضاء على الظواهر الاجتماعية بالأمن أو بقرار سياسي.
وفي الحالة التونسية، نشير الى اختراق التنظيمات المتشددة للنسيج المجتمعي، فتنظيم  مثل “أنصار الشريعة”، الذي تورط في أعمال عنف وإرهاب، له امتداد كبير في النسيج الاجتماعي، بفضل الأعمال “الخيرية” و”الدعوية” التي قدمها لفئات لم تصل إليها الدولة. وهو ما جعله يحظى بحاضنة اجتماعية، تجعل مقاومته أكثر صعوبة، لذلك لا يمكن محاربته أمنيا فقط، خصوصا وأن الظرف والبيئة الحالية المتسمة بتزايد منسوب الفقر والتهميش خاصة في صفوف الشباب. هي بيئة حولت مثل هذه التنظيمات إلى “مؤسسات لانتداب” الشباب المفقر، الذي يرتمي في أحضانها لحاجة اجتماعية قبل أن تكون لقناعة دينية.
إن تونس اليوم،  لا يمكن لها إنتاج التنمية والعدالة الاجتماعية والتشغيل، وبالتالي فظروف إنتاج العنف الإرهابي قائمة بقوة، وهذا ما يفرض عدم تغييب الحل السياسي  عبر الاستيعاب، مع تحقيق الشفافية والحوكمة الرشيدة، وإرساء حقوق الإنسان، وخلق الأمل لدى الشباب عبر تشريكه في القرار واستيعاب مساهماته في النهوض بالوطن، وهي أشياء مهمة وضرورية في مقاومة نزوع الشباب نحو الجماعات المتشددة.
يوجد قطاع كبير من الشباب التونسي،  يشعر بفقدان الانتماء للوطن، ويري أن الوطن لا يمثله، والحكومة لا تمثله والطبقة السياسية لا تمثله، وأنهم استأثروا  بالحكم، وبالثروة، وهذا ما دفع أعداد كبيرة منهم إلى أن يتحولوا لفريسة سهلة الاصطياد من قبل الجماعات المتطرفة. وهذا ما يجب التفطن إليه، وجعله أولوية في استراتيجة الحرب على الإرهاب. على اعتبار وأنه يمثل مصدرا أساسيا يفسر شعور هؤلاء الشباب بالإقصاء والتهميش، ما يدفعهم نحو الحقد على المجتمع، هذا الشعور الذي يتحول لاحقا،  إلى محفز يشجع على العنف والإرهاب.

هوامش 
1/- قامت مجموعة “عقبة بن نافع”، التابعة لتنظيم القاعدة، في 18 مارس 2015 باستهداف سياح بالمتحث الوطني بباردو قرب بناية البرلمان، وقد أسفرت العملية الارهابية، عن قتل 23 منهم 22 سائحا وجرح 50. وهي العملية الأولي التي يستهدف فيها الارهاب أجانب، وداخل المدن حيث أن كل العمليات السابقة، كانت تستهدف أمنيين وجنود، في الجبال خاصة جبل الشعانبي في محافظة القصرين.
2/- نفذ ارهابيون من القاعدة، هجوما ارهابيا على معبد كنيس “الغريبة” اليهودي بجربة، في 11 أفريل 2002، وهي أول عملية ارهابية تستهدف تونس. سقط فيها 19 قتيلا أغلبهم سواح من ألمانيا وفرنسا. وتبين في ما بعد أن المخططين للعملية، متورطين في أحداث 11 سبتمبر 2001 التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية.
3/- كلمة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في المؤتمر الدولي حول «الارهاب الابعاد والمخاطر واليات المعالجة”، الذي عقد بتونس في 15 سبتمبر 2007، المصدر برقية لوكالة تونس افريقيا للأنباء، الرسمية.
4/- من كلمة الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، في افتتاح المؤتمر الدولي حول «الارهاب الابعاد والمخاطر واليات المعالجة”، الذي عقد بتونس في 15 سبتمبر 2007، المصدر برقية لوكالة تونس افريقيا للأنباء، الرسمية.
5/- تعددت العمليات الارهابية بعد ثورة 14 يناير 2011، قتلت  الهجمات  التي شنتها الجماعات المسلحة أكثر من 40 فردا من الجيش التونسي وقوات الأمن والقوات المسلحة الأخرى وجرحت 148 على الأقل.
6/- منذر بالضيافي، سيناريو وجود داعش في المغرب الاسلامي: تونس أنموذجا، كتاب المسبار عدد 92- أغسطس/اب/ 2014، الصفحة 72
7/- حوار مع الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة “النهضة” الاسلامية، جريدة “الشروق” التونسية، الأحد 5 أفريل 2015
8/- مرجع سابق، منذر بالضيافي، سيناريو وجود داعش في المغرب الاسلامي: تونس أنموذجا، كتاب المسبار عدد 92- أغسطس/اب/ 2014، الصفحة 72
9/- منذر بالضيافي، هل تحولت تونس الى بلد مصدر للارهاب؟ موقع العربية.نت، 15 يونيو /حزيران/ 2014، راجع الرابط التالي
10/- عبد الطيف الحناشي، “الارهاب المعولم…المقاتلون في سوريا نموذجا”، راجع الرابط التالي: http://www.hakaekonline.com/?p=69857

11/- منذر بالضيافي، الاسلاميون والحكم..تجربة النهضة في تونس، الطبعة الاولى، تونس، ورقة للنشر 2014، ص 81
12/- تطور العمليات الارهابية بعد الثورة، وكالة تونس افريقيا للأنباء، راجع الرابط التالي:
13/- تصريح لراشد الغنوشي، رئيس حركة “النهضة” الاسلامية بتونس، اذاعة “موزاييك” التونسية، 24 مارس 2015
14/- حوار مع جريدة “الشروق” التونسية، مرجع سابق
15/- بيان حركة “النهضة” الاسلامية، بعد حادثة باردو الارهابية، 18 مارس 2015
16/- يتكون الرباعي، من أربعة منظمات كبرى في تونس، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان واتحاد المحامين واتحاد الصناعة والتجارة. وهي المنظمات التي أشرفت على الحوار الوطني، الذي أفضى الى استقالة حكومة “النهضة” الاسلامية في جانفي 2013 وتشكيل حكومة مستقلة، أعدت للانتخابات الرئاسية والتشريعية، التي تمت في ظروف حرة وشفافة، وافرزت قيادة سياسية جديدة، برئاسة الباجي قائد السبسي في رئاسة الجمهورية، وحكومة تحالف وطني بمشاركة “النهضة” الاسلامية.

17/- الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل يدعوا الى مؤتمر وطني لمحاربة الارهاب، راجع الرابط التالي: http://www.attounissia.com.tn/details_article.php?t=42&a=150363

** الراط الأصلي:

إستراتيجية محاربة الإرهاب في تونس.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP