إنهاء السنة الدراسية .. الشجاعة الغائبة
المهدي عبد الجواد
لا نبالغ بالقول بأن الأزمة المترتبة عن انتشار وباء الكورونا قد فاجأت حكومات العالم التي لم تكن مهيأة لها وهذا ما اعترف به الر\يس الفرنسي ماكرون في خطابه الأخير ولعل هذا ما جعل مواجهتا تتسم بالتردد وبنطق التجريب وايضا افتقاد “الشجاعة” في الحسم نظرا لكون الأزمة مستجدة واستثنائية في حجمها وحتى تداعياتها.
ربما في هذا الاطار يمكن أنت نتفهم موقف الحكومة التونسية برغم تمتعها بكل السلطات من التوفق الى قرار حاسم وقطعي مع مصير السنة الدراسية، التي هي في علاقة عضوية بمرحلة عودة الحياة ما بعد الحجر الصحي، ونحن نعتبر أنه من الضروري الحسم باتجاه اعلام الرأي العام الوطني، بنهاية السنة الدراسية.
و هنا على وزير التربية اتخاذ قرارات حاسمة، وكفى تخفيا وراء “الجهل” بتطورات الحالة الوبائية. تدخل تونس أسبوعها الرابع في الحجر الصحي، و يبدو أن الفوضى الاتصالية في علاقة بالسنة الدراسية مازالت متواصلة. فلا تعرف حدّ الساعة مئات آلاف العائلات التونسية و ملايين التلاميذ مصير السنة الدراسية. و حتى السيد وزير التربية، يخرج للإعلام، ليُداور الكلام على بعضه البعض، في بلاغة فضفاضة لا وضوح فيها، و لا معلومات صارمة، تُشفي انتظارات الجميع.
خرج عمدة نيويورك، و أعلن بوضوح نهاية العام الدراسي في المؤسسات العمومية، و أعلن أن العودة ستكون في سبتمبر القادم. في فرنسا أعلن ماكرون على الشروع في فتح محاضن الأطفال ورياضهم و المدارس و المعاهد بشكل تدريجي. و علل الرئيس الفرنسي هذا القرار، بضرورة المحافظة على تساوي الفرص و الحظوظ بين الأطفال الفرنسيين الذي برز في فترة الحجر. و يبدو أن قرار الرئيس الفرنسي أثار جدلا واسعا في الأوساط الفرنسية، عند العائلات و نقابات التعليم، و ثمة من اتهم الرئيس الفرنسي بالخضوع للضغوط التي تُمارسها المؤسسات الاقتصادية الكبرى المتضررة من طول مدة الحجر.
في تونس، ما زلنا “في تقعيد العود”. مازال السيد الوزير الذي احتكر الكلام بموجب منشور، يُذكر بالاستبداد، لأنه يحاول أن يحتكر فيه المعلومة، يتحدث على سيناريوهات ممكنة. أولها عودة مدرسية عامة، و ثانيهما الاكتفاء بالتحصيل العلمي و نتائج التلاميذ في الثلاثيتين الأولى والثانية، مع عودة تلاميذ الأقسام النهائية لمدة أربع أسابيع لإتمام البرامج و إجراء الامتحانات الوطنية مع تأخير طفيف في تواريخها، أما الاحتمال الثالث فهو تأخير العودة إلى أشهر الصيف، على أن تكون الامتحانات الوطنية في شهر جويلية أو حتى أوت.
مازال الشأن التربوي في تونس، دون بوصلة و مازال المشرفون عليه يتصرفون فيه باعتباره شأنا إداريا صرفا، يقوم على رزنامات و جداول تتغير بحسب تطورات الأوضاع، يكون فيها الشأن التربوي تابعا لضرورات قطاعات أخرى.
و يغيب في كل هذه المقاربات البُعد البيداغوجي، و مصلحة التلميذ. فالمنظومة التربوية التونسية ألحت في قانونها التوجيهي الجاري به العمل على كون التلميذ “هو محور العملية التربوية” أي أن مصلحته فوق كل الاعتبارات الأخرى.
وعليه فان انقطاعا على الدراسة بمثل هذه المدة، و التي من المرجح أن تفوق الست(6) أسابيع، له تأثيراته الكارثية على التحصيل العلمي. إذ يُدرك أغلب المشتغلين في القطاع التعليمي، إن تركيز التلميذ و انتباهه و استيعابه للبرامج و للتحصيل العلمي يكون بالتدريج، و في نسق تصاعدي.
وان الانقطاع الطويل يؤثر على هذه القدرة، أغلبُ تلاميذنا اليوم في حالة تراخي تام، بعيدون كل البُعد على الأجواء المدرسية بما فيها من دروس و تمارين و امتحانات و بحوث و شفاهي و مشاركة في الفصل و تفاعل حي مع المعلمين و الأساتذة و مع أقرانهم من التلاميذ.
تلاميذ اليوم، منهمكون في هواتفهم الذكية و أمام شاشات حواسيبهم أو تلفزاتهم الرقمية. قلة من التلاميذ اليوم، و لاعتبارات اجتماعية و طبقية تُحافظ على صلات قوية بالتّعلّم. بأي معنى يتم اليوم الحديث على عودة ظرفية للدراسة؟
يتعلّق التونسيون كثيرا بالمدرسة. و استثمارهم في جزء كبير منه، على تفاوت حالاتهم الاجتماعية، ينصرف إلى أبنائهم ودراستهم. واليوم تتملكهم الحيرة على مستقبل هذه السنة الدراسية.
و نعتقد أن السنة الدراسية انتهت لكل الأقسام. وانه سيتم اعتماد نتائج الثلاثيتين كآلية للارتقاء، على أن أمورا إجرائية سيتم الإعلان عليها في علاقة بالإسعاف.
أما في خصوص الباكالوريا فنحن نعتقد أنها ستكون في نهاية شهر جوان، مباشرة بعد رمضان على أن تكون دورة المراقبة في النصف الثاني من شهر جويلية. و تكون السيزيام و النوفيام في الأسبوع الأول من شهر جويلية.
على انه يُمكن لوزارة التربية أن تقوم بعملية تخفيف في المواد المقررة للسنوات النهائية. لقد بات من الضروري اليوم الإعلان رسميا على إلغاء الامتحانات التطبيقية في التقنية و الإعلامية و الموسيقى و دراسة المشروع، مثلما حصل الأمر مع امتحان الرياضة التطبيقية.
و أكثر من ذلك، يُمكن حذف إجراء امتحانات المواد الاختيارية، على الأقل المواد الإضافية الاختيارية، و حتى بعض المواد البعيدة على اختصاص الشعب و موادها الأساسية. فيُمكن حذف امتحان اللغة العربية للشعب العلمية، و حذف امتحان اللغات الاختيارية لكل الشعب.
ان قرارات شجاعة و جريئة تُراعي مصلحة التلميذ البيداغوجية، و تضمن السلامة و الصحة لكل المتدخلين في الشأن التعليمي أمر ضروري. وتخفيف المواد وإعلان انتهاء السنة الدراسية لباقي المستويات.
Comments