الأمير بن سلمان في ضيافة الرئيس ترامب .. زيارة مهمة لفهم عالم يتغير، وموقع المملكة فيه
كتب: منذر بالضيافي
لم تكن الزيارة الأخيرة، لولي العهد السعودي محمد بن سلمان (MBS)،إلى واشنطن، و الحفاوة الكبرى، التي قوبل بها من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مجرد محطة ديبلوماسية – بروتوكولية تقليدية، في علاقة راسخة تمتد لأكثر من ثمانية عقود بين الرياض و واشنطن.
فالحفاوة البروتوكولية التي أظهرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم تكن مجرد تفاصيل شكلية، بل إشارة سياسية واضحة إلى أن السعودية تستعيد دورها لاعبًا مركزيًا في معادلة الشرق الأوسط.
ما شهدناه، والذي كان محور اهتمام الإعلام الأمريكي الجاد ومراكز البحث، هو كون الزيارة مثلت لحظة سياسية مكثّفة، كشفت على أن الشرق الأوسط، بصدد الدخول إلى مرحلة إعادة تشكيل غير مسبوقة، وأن السعودية – بقيادة الأمير الشاب بن سلمان- باتت أحد أبرز مهندسي هذا التحول.
من التحالفات الجامدة الى الشبكات المرنة
فالزيارة، بما حملته من رسائل اقتصادية وأمنية وتقنية، تُشير إلى انتقال المنطقة، من زمن التحالفات الجامدة إلى زمن الشبكات الاستراتيجية المرنة، حيث تتقاطع الطاقة بالتكنولوجيا وتتشابك المصالح العابرة للحدود.
في قلب هذا المشهد، تبدو واشنطن حريصة على إعادة تثبيت نفوذها في لحظة يتراجع فيها مركز الثقل الغربي، فيما تتحرك الرياض بثقة لاعب يفرض إيقاعه على شبكة المصالح و على الخرائط الجديدة الاخذة في التشكل.
هكذا قرأنا الزياة/ الحدث لولي العهد السعودي للولايات المتحدة الأمريكية، و هكذا نقدر بأن هذه الزيارة وما رافقها من اهتمام كبير، وهو ما يجعلها تعد نافذة مهمة لفهم عالم متغير، وشرق أوسط يعيد ترتيب نفسه من الداخل.
وهكذا نفهم أسباب و دواعي الحظوة التي وجدها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارة الدولة التي أجراها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، باستقبال بروتوكولي رفيع، رافقته مؤشرات واضحة على عمق الشراكة السياسية والاستراتيجية بين الرياض وواشنطن.
” فالزيارة، بما حملته من رسائل اقتصادية وأمنية وتقنية، تُشير إلى انتقال المنطقة، من زمن التحالفات الجامدة إلى زمن الشبكات الاستراتيجية المرنة، حيث تتقاطع الطاقة بالتكنولوجيا وتتشابك المصالح العابرة للحدود.“
فقد عكست مراسم الاستقبال، كما الاتفاقات الاقتصادية والأمنية والتكنولوجية المعلنة، انسجامًا مع مقاربة الرئيس الأميركي دونالد ترامب القائمة على مبدأ “المنفعة المتبادلة” وتعظيم المكاسب المباشرة من علاقات الولايات المتحدة الخارجية.
مكاسب الأمير .. مكاسب المملكة
في المقابل، مثلت الزيارة مكسبًا مهمًا للأمير الشاب، سواء على مستوى تعزيز شرعيته الدولية ، و تكريس صورته كقائد فعلي للمملكة، في لحظة تحولات إقليمية ودولية متسارعة. إذ أسهمت نتائج الزيارة في ترسيخ مكانته داخل هرم السلطة السعودية، وفي توسيع هامش حضوره في المشهد الدولي، بوصفه فاعلًا قادرًا على بلورة شراكات كبرى مع القوى العالمية.
كما أكدت الزيارة استمرار الموقع المحوري للمملكة في المنطقة العربية، وفي النظام الإقليمي الأوسع للشرق الأوسط، باعتبارها الدولة ذات الثقل الاقتصادي والرمزي والديموغرافي الأكبر في الخليج، في ظل تراجع الأدوار التقليدية لبعض العواصم و القوى الإقليمية الكبرى.
وقد عزز هذا المعطى بدوره موقع الرياض كشريك أول لواشنطن في الخليج، على نحو يتماشى مع أولويات السياسة الأميركية، التي تسعى إلى تأمين نفوذها في منطقة تمثّل مركزًا للطاقة العالمية، وللتنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى.
“في المقابل، مثلت الزيارة مكسبًا مهمًا للأمير الشاب، سواء على مستوى تعزيز شرعيته الدولية ، و تكريس صورته كقائد فعلي للمملكة، في لحظة تحولات إقليمية ودولية متسارعة. إذ أسهمت نتائج الزيارة في ترسيخ مكانته داخل هرم السلطة السعودية، وفي توسيع هامش حضوره في المشهد الدولي، بوصفه فاعلًا قادرًا على بلورة شراكات كبرى مع القوى العالمية.“
كما تشير مجمل دلالات الزيارة، إلى إعادة تموضع مهم في موازين القوى داخل الخليج، بما يمنح المملكة مساحة أوسع لترتيب محيطها الإقليمي المباشر. ويظهر ذلك خصوصًا في ضوء التباينات القائمة داخل الفضاء الخليجي، وفي ظل محدودية القدرة الرمزية والديموغرافية لبعض الدول الصغيرة مقارنة بالمملكة، الأمر الذي يعزز من قدرتها على قيادة المبادرات الإقليمية وبناء اصطفافات مثمرة.
لحظة تلاقي المصالح بين المملكة و أمريكا
وبذلك، تكشف الزيارة عن لحظة تلاقي مصالح بين الرياض وواشنطن؛ لحظة تسعى فيها الولايات المتحدة إلى تأمين شريك أمني واقتصادي واستراتيجي موثوق، فيما يعمل ولي العهد السعودي على توسيع شرعيته الدولية وترسيخ موقع بلاده لاعبًا مركزيًا في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية والدولية المقبلة.
على المستوى العملي، أفضت الزيارة إلى سلسلة اتفاقات اقتصادية وتكنولوجية ودفاعية، تندرج ضمن رؤية المملكة 2030، وتنسجم مع مقاربة الإدارة الأميركية القائمة على الاستثمار المباشر وجلب العوائد. هذا التقاطع في المصالح منح ولي العهد رصيدًا إضافيًا يعزز صورته الدولية وقوته داخل هرم السلطة.
أما جيوسياسيًا، فقد جاءت الزيارة في لحظة تشهد فيها المنطقة تراجعًا لدور قوى إقليمية تاريخية مثل مصر وإيران، مقابل صعود الحضور السعودي باعتبارها الدولة الأكثر وزنًا في الخليج سياسيًا وديموغرافيًا واقتصاديًا.
وبدعم واشنطن، تبدو الرياض اليوم أكثر قدرة على ترتيب محيطها الخليجي، وعلى ترسيخ موقعها كحليف أول للولايات المتحدة في منطقة تمثل قلب الصراع الدولي بين واشنطن وبكين وموسكو.
“تكشف الزيارة عن لحظة تلاقي مصالح بين الرياض وواشنطن؛ لحظة تسعى فيها الولايات المتحدة إلى تأمين شريك أمني واقتصادي واستراتيجي موثوق، فيما يعمل ولي العهد السعودي على توسيع شرعيته الدولية وترسيخ موقع بلاده لاعبًا مركزيًا في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية والدولية المقبلة”.
أخيرا، فقد كشفت تكشف الزيارة، عن لحظة تلاقٍ نادرة بين حسابات القوة لدى الولايات المتحدة، وطموحات السعودية الصاعدة. وهي لحظة قد يكون لها أثر بعيد في إعادة رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط، وفي تثبيت موقع المملكة لاعبًا رئيسيًا في توازنات المنطقة و العالم المقبلة.
لحظة فارقة: من “النفط مقابل الحماية” الى “شراكة مصالح متبادلة”
وبذاك فان زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن ، قد كشفت على أن المنطقة تعيش لحظة إعادة تشكيل حقيقية تتجاوز حدود الدبلوماسية التقليدية. فالحدث لا يتعلق فقط بطقوس استقبال أو اتفاقيات اقتصادية، بل يعكس صعود السعودية كفاعل إقليمي ودولي قادر على التأثير في مسار الجغرافيا السياسية العالمية.
اليوم، تتحرك الرياض بمنطق جديد يقوم على تنويع التحالفات وصناعة شبكات نفوذ مرنة تربط الطاقة بالتكنولوجيا بالاستثمار. ولم تعد العلاقة مع الولايات المتحدة قائمة على معادلة “النفط مقابل الحماية”، بل على شراكة مصالح متبادلة تراعي التحولات في ميزان القوى العالمي وصعود آسيا كمركز اقتصادي وتقني جديد.
كما تكشف الزيارة أيضا، عن انتقال الشرق الأوسط من مرحلة الصراعات المفتوحة إلى مرحلة الهندسة الجيوسياسية التي تشارك فيها دول المنطقة نفسها، عبر مشاريع الطاقة الضخمة، وإعادة ترتيب ملفات الأمن الإقليمي، واستثمار الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الأخضر.
“اليوم، تتحرك الرياض بمنطق جديد يقوم على تنويع التحالفات وصناعة شبكات نفوذ مرنة تربط الطاقة بالتكنولوجيا بالاستثمار. ولم تعد العلاقة مع الولايات المتحدة قائمة على معادلة “النفط مقابل الحماية”، بل على شراكة مصالح متبادلة تراعي التحولات في ميزان القوى العالمي وصعود آسيا كمركز اقتصادي وتقني جديد.“
في المحصلة، وفي أهم استنتاج، فان زيارة ولي العهد السعودي لواشنطن، تبين أنها ليست مناسبة بروتوكولية، بل علامة على تشكل نظام إقليمي جديد تلعب فيه السعودية دور “المصمم” لا “المتلقي”، فيما تبين أيضا سعي واشنطن إلى ترميم نفوذها، عبر شراكات قادرة على مواكبة عالم يتجه – وان ببطء لكن بثبات – نحو تعددية الأقطاب.



Comments