الاحزاب فاشلة…. لنبعث حزبا جديدا
المهدي عبد الجواد
يتزايد يوما بعد يوم اهتمام التونسيين بالشأن العام، و ينخرطون أكثر فأكثر في الجدال “الجماعي” حول أمهات القضايا الوطنية، بدءا بالقضايا المعيشية المباشرة، التي تتعلّق بقفة المواطن و الغلاء ونقص المواد الأساسية، وصولا الى النقاشات حول التعليم و الصحة و النقل، الى مشاغل أكثر تعقيدا من جنس النقاش حول التضخم و انهيار الدينار و القضاء و تقارير هيئات الرقابة… و بقدر هذا الانخراط “المحمود” في الشؤون العامة، يتزايد انصراف الناس عن الأحزاب السياسية الناشطة، على اختلافها.
بل ان السياسيين أقل الشخصيات العامة ثقة. و كُلّما تعمّق هذا النفور من الأحزاب، يزداد عددُ المغامرين الراغبين في بعث أحزاب سياسية، معتقدين أنّه لا يزال هناك فضاء شاغر في الخارطة السياسية والحزبية وأنّ الفرصة لا تزال مواتية لاستقطاب النافرين من الأحزاب الموجودة، فيسارعون إلى تأسيس حزب جديد ينضاف إلى قائمة الدّكاكين الحزبية المقفرة، دون وعي بان الحقيقة هي تحول إعراض الناس عن بعض الأحزاب إلى إعراض عن العمل السياسي برمته وعن فكرة التحزّب ذاتها…
ان المطلوب من الجميع، المشتغلين بالشأن الحزبي و السياسي، هو العمل المشترك و العقلاني، للارتقاء بالممارسة الحزبية تنظيميا و خطابيا و قيميا، لعل فرض “الايتيقا” يُرجع بعضا من ثقة الناس المفقودة. ان ما يقوم به البعض – عن قصد غالبا و عن جهل قليلا- من شيطنة للخصوم، و فرض لمعارك سياسية في غير موضعها و لا مواقيتها، يزيد في تنفير الناس من الجميع دون استثناء. ثمة اعتقاد ان ترذيل الخصوم السياسيين، و في تحقير الأحزاب و الناشطين فيها، ستكون نتائجه الاهتمام بالأحزاب الجديدة و بزعمائها الجُدُد، و هذا وهم يعكس سذاجة سياسية. فليس “منطق المخاتلة” و الحيلة هذا بمفيد…
يؤمن الليبيراليون بمبدأ التعديل الذاتي، رافعين “شعار دعه يفعل، دعه يمرّ” لأنّ البقاء سيكون للأصلح… في الأثناء تنشط بشكل مواز ساحة المجتمع المدنــــي. وهي ساحة الفعل المواطني الحرّ في مجال محدّد، دون طموح إلى اعتلاء سدّة الحكم… هذا هو المفترض على الأقل…
ولعـــلّ هذا ما يفسّـــر نجاح الجمعيات في استقطاب الناس أكثر من الأحزاب، لأنّ الناس والشباب منهم على وجه الخصوص يجدون لديها خطابا ملموسا واضح الاستهداف لا تشوبه غوغاء الخطاب الحزبي الذي يتّسم بالعمومية والمزايدة على الآخر وبجرعة من الإيديولوجيا وبتعويم كلّ شيء… هذا فضلا عن أنّ الجمعيات تتيح للشاب أن يفعل على الميدان وأن يلمس نتيجة فعله على أرض الواقع، بعيدا عن الإحراج والمحاسبة في حالة الفشل.
المشكل كلّ المشكل لمّا تكون الجمعيات مجرّد واجهات أمامية تختفي وراءها الأحزاب. وهذا هو حال الكثير من الجمعيات إن لم يكن أغلبها. بل هناك جمعيات تختفي وراءها لوبيات من رجال أعمال وجمعيات تخدم أجندات خارجية ومخترقة من المخابرات إن بعلم مسيّريها أو دون علم منهم…
و لأنّ المال قوام الأعمال، فأغلب هذه الجمعيات يتمّ التحكم فيها من حنفية التمويل، فتكبر وتضمر كبالونات الأطفال يوم العيد بل يحصل أن تنفجر من فرط النفخ فيها…
أليس الأصل في الجمعيات التطوّع والإدارة الذاتية مع الخضوع لقواعد المحاسبة العمومية؟ أين الجمعيات من كلّ هذا؟
في البلدان الديمقراطية، وفي المجتمعات المتحضّرة، يحصل أن تحلّ الجمعيات محلّ الدّولة فتتعاقد معها للتكفّل بإدارة نشاط ما وفق عقد أهداف واضح البنود. و هكذا تنسحب الدّولة وتضع الموارد المخصّصة لمشروع ما أو قطاع ما على ذمّة جمعية تتولّى تنفيذه أو إدارته بدلا عن الدّولة.
ثمّة أناس فتُر حماسهم بعد الثورة فخيروا الانسحاب من الشأن العام، و منهم من قاطع المدن والمقاهي وهرب للصحراء والجبال يفلح الأرض ويرعى غنما، و منهم من انصرف لقراءة بعض كتُب، و منهم من انغمس في عوالم “السعادة” الموازية، وثمّة من “هجّ” للخارج بطريقة أو بأخرى، و ثمة من انحرف تماما و ثمة من حرق و من احترق.، و مع انهيار الاحلام “يُفلّق” الكثير “كونترا” و”ترافيك” من كلّ نوع…
Comments