الحرب الأوكرانية تعزز نفوذ السعودية الدبلوماسي
برغم “تحريض” بعض الصحفيين و السياسيين في الولايات المتحدة عليه، فان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لعبها بمهارة مع “أوبك بلس”، وبرز جليا أن الرياض تقود الشرق الأوسط بذكاء في لعبة الأمم الحالية.
و في عالم في طور التشكل، على انقاذ الحرب الروسية – الأوكرانية، يرجح أن تكون فيه القارة العجوز ( أوروبا ) أكثر المتضررين من أفول النظام العلمي الحالي، فالاتحاد الأوروبي على شفا التفكك وماكرون يتهم أمريكا ببيعهم الغاز بأربعة أضعاف سعره الحقيقي. و بايدن يحمل الروس والسعودية مسؤولية شتاء مرعب، في محاولة منه التهرب عن مسؤولية بلاده وسياساته مما يحصل للحليف الأوروبي.
وبالعودة لبن سلمان نقول أن من صفات الكبار صناعة الحدث وتطويره. و يرى دبلوماسيون ومحللون إن الدور غير المتوقع للسعودية في التوسط في إطلاق سراح مقاتلين أجانب في أوكرانيا، شكل أحدث دليل على أن الغزو الروسي بات يسهم في تعزيز مكانة المملكة الدبلوماسية على الصعيد الدولي.
ويمنح هذا النجاح الرياض فرصة القول بأن المحافظة على العلاقات مع موسكو يمكن أن تحل أزمات، بينما قد يسهم أيضا بابعاد الأنظار عن مسألة الحقوق التي تتعرض السعودية لانتقادات بشأنها.
الحرب و فك العزلة
قبل اندلاع الحرب على أوكرانيا في شباط/فبراير، كانت السعودية لا تزال تكافح للتغلّب على العزلة الدبلوماسية الناتجة عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي العام 2018 في قنصلية المملكة في اسطنبول.
لكن الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة الناجم عن الغزو الروسي، حفّز عددًا من القادة الغربيين على السفر إلى السعودية لمناشدتها زيادة إنتاج النفط، ولا سيما رئيس الوزراء البريطاني آنذاك بوريس جونسون وبعده بايدن الذي تراجع عن تعهد سابق بنبذ القيادة السعودية.
وقاومت المملكة إلى حد كبير الدعوات إلى ضخ المزيد من النفط بالتنسيق مع مجموعة “أوبك بلاس” التي تقودها إلى جانب روسيا.
وقد استفاد أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم من الحرب، حيث أعلنت شركة النفط العملاقة أرامكو عن أرباح قياسية. ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد المملكة بنسبة 7,6 بالمئة هذا العام، وفقا لصندوق النقد الدولي.
ويرى دبلوماسيون إن خطوات مثل التوسط في تبادل الأسرى تسمح للأمير محمد بن سلمان “بأن يثبت للغرب أنه شخص موثوق به في الشؤون الدولية” بفضل علاقاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لمحطة “بي بي سي” هذا الشهر إن الوساطة السعودية كانت “لأسباب إنسانية بحتة”، وأنه من “المثير للسخرية” الاعتقاد بأن المملكة تعمل على تحسين سمعتها.
ثقة جديدة في القيادة السعودية
يتولى عدد من جيران السعودية تقليدا دور الوساطة سعيا وراء نفوذ دبلوماسي داخل المنطقة وخارجها.
فقد استفادت سلطنة عمان من علاقاتها مع إيران للتفاوض على تبادل للأسرى، بما في ذلك من الولايات المتحدة، وفعلت قطر الشيء نفسه مع مجموعات مثل حركة طالبان والمسلحين التابعين لتنظيم القاعدة في سوريا.
ويقول كبير الباحثين في معهد “نيو أميركا” في واشنطن أليكس ستارك “لقد تولت تركيا أيضًا على نحو متزايد هذا النوع من الأدوار في السنوات الأخيرة، خصوصا في سوريا ومؤخرًا في أوكرانيا”.
وأضاف ان “السعودية شاهدت أيضا كيف نالت تركيا الثناء والاهتمام بفضل توسطها في صفقة الحبوب بين روسيا وأوكرانيا، وربما تسعى إلى استنساخ هذا النجاح”.، وتؤكّد المملكة أنّ طموحاتها في مجال القوة الناعمة تتوسع .
وبحسب عديد الدبلوماسيين فإن الحرب في أوكرانيا “منحته (ولي العهد) ثقة جديدة في نفسه”.
السعودية لإدارة بايدن: لا نقبل الإملاءات
أعلنت وزارة الخارجية السعودية، الخميس، في بيان شديد اللهجة إلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن المملكة “لا تقبل أي نوع من الإملاءات”، وذلك بعد ما كشفته من تقديم الأخير طلبا في وقت سابق بتأجيل خفض إنتاج النفط، الأمر الذي رفضته الرياض.
وقالت الخارجية السعودية في بيان: “تود حكومة السعودية الإعراب بداية عن رفضها التام لهذه التصريحات التي لا تستند إلى الحقائق، وتعتمد في أساسها على محاولة تصوير قرار أوبك+ خارج إطاره الاقتصادي البحت، وهو قرار اتُخذ بالإجماع من كافة دول مجموعة أوبك+”.
وتقصد بذلك تصريحات المشرعين الأمريكيين إلى جانب الإدارة الأمريكية في الهجوم على المملكة بسبب قرار تحالف “أوبك+” خفض إنتاج النفط.
وأضاف بيان الخارجية السعودية: “في الوقت الذي تسعى فيه المملكة للمحافظة على متانة علاقاتها مع كافة الدول الصديقة، فإنها تؤكد في الوقت ذاته أنها لا تقبل الإملاءات، وترفض أي تصرفات أو مساع تهدف لتحوير الأهداف السامية التي تعمل عليها لحماية الاقتصاد العالمي من تقلبات الأسواق البترولية”.
وأشارت الخارجية السعودية وفق البيان إلى أن “مجموعة “أوبك+” تتخذ قراراتها باستقلالية، وفقا لما هو متعارف عليه من ممارسات مستقلة للمنظمات الدولية”، لافتة إلى أن “مخرجات اجتماعات المجموعة، يتم تبنيها من خلال توافق الدول الأعضاء ولا تنفرد بها أي دولة”.
وشددت الخارجية السعودية على رفضها التام للتصريحات القائلة بأن قرار أوبك+ مبني على دوافع سياسية ضد الولايات المتحدة.
وأكدت أن “حكومة المملكة من خلال تشاورها المستمر مع الإدارة الأمريكية، أوضحت أن جميع التحليلات الاقتصادية تشير إلى أن تأجيل اتخاذ القرار لمدة شهر بحسب ما تم اقتراحه، سيكون له تبعات اقتصادية سلبية”.
وبذلك تؤكد الرياض على أن إدارة بايدن طلبت منها تأجيل قرار خفض إنتاج النفط شهرا، الأمر الذي يعني محاولتها تأجيل الأمر إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي، ما يعني غضبا أمريكيا داخليا متوقعا ضد بايدن.
Comments