الحرب ضدّ وباء «كورونا» .. هل يكفي استنساخ و«توريد» بعض الإجراءات ؟!
الهاشمي نويرة
أمّا وقد أصبح وباء «كورونا» واقعا مُعاشا إنْ لم يكن ذلك بأعراضه المرضية فبنتائجه الكارثية على الفرد والمجتمع وبتداعياته الاقتصادية الكارثية.
وإنّه ما من شكّ في أنّ وباء «كورونا» هو حقيقة لا لُبْسَ فيها وهو خطرٌ يهدّد لا فقط اقتصاديات الدول بل وكذلك الوجود المادّي لمواطنيها، وهو ما قد يُفسّر لجوء جلّ هذه الدول التي انتشر فيها هذا الوباء إلى اتّخاذ إجراءات صارمة نتيجة لترتيب أولويات يضع حياة البشر فوق كلّ الاعتبارات الاقتصادية والسياسية وغيرها.
دخلت تونس إذن وفجأة نادي الدول التي قامت بإجراءات صارمة لمنع انتشار الوباء، وهي إجراءات على ضرورتها تستوجب من الحكومة والدولة بعض التوضيحات اللّازمة.
وقد أسلفنا الذكر أنّ مواجهة هذا الوباء تستوجب كُلْفَةً باهظة لا قِبَلَ للمجتمع بتحمّلها وهو الأمر الذي دفع الحكومات الغربية عمومًا إلى تحمّلها بالكامل،
فلا المؤسّسات الاقتصادية التي تشكو أصلا من أزمات مستفحلة قادرة على ذلك، ولا كذلك الأفراد هُمْ بإمكانهم مواجهة مثل هذه الإجراءات التي قد تزداد حدّة خلال قادم الأيّام، وذلك بالنظر إلى أنّ التونسيّ تدهورت مقدرته الشرائية وهو بالكاد يستطيع تأمين يومه ناهيك عن احتمال أن يُفْرَضَ عليه توفير مستلزمات أزيد من شهرين بينهما شهر رمضان وما أدراك ما شهر رمضان.
ونحن، إذ نتفهّم لجوء الحكومة الى اتّخاذ بعض الإجراءات فإنّنا نرفض أنّ تترك هذه الحكومة المواطن والمجتمع والفاعلين الاقتصاديين لمصيرهم المحتوم.
ونودّ لَفْتَ النظر إلى أنّ الحكومة مطالبة عند اتّخاذ مثل هذه القرارات بمعرفة تداعيات قراراتها على واقع الفرد والمؤسّسات وعلى المجتمع عمومًا، وطبيعيّ أنّ تتساءل الحكومة عن ذلك وتجد الحلول الضرورية لذلك.
فعندما نطلب من البعض إيقاف عمله بالكامل أو بصفة جزئية علينا أنّ نقف مطوّلا حتّى نستوعب التداعيات السلبية على الفرد والمجموعة،
وجب أنّ نفهم على سبيل المثال أنّ إجراءات إقفال المطاعم والمقاهي وغير ذلك إضافة إلى إقفال الحدود وتقليص عدد السفرات الجويّة وإيقاف النقل البحري وما قد ينجرّ عن ذلك من تداعيات على باقي الأنشطة الاقتصادية ذات الصّلة، هي إجراءات ستمسّ بصفة مباشرة وغير مباشرة أكثر من قطاعٍ وستشمل أزيد من مليوني مواطن،
ولَا نريد ترجمة الرقم ليشمل مجمل العائلات حتّى لانزيد في حالة الهلع ، فقط نسأل حكومة إلياس الفخفاخ ونسأل «مُلْهِمَهُ»في قصر قرطاج رئيس الجمهورية ورئيس الدولة ، ماذا أعددتم من عُدَّةِ وعَتادٍ ؟!
فـ«لكلّ حالٍ عنده عتَادُ» كما جاء في الحديث الشريف.
إنّ صحّة المواطن هي مسؤولية الدولة بالأساس وهي مطالبة باتخاذ كلّ الإجراءات من أجل ضمانها والسهر عليها وتحمّل تبعات إجراءاتها والمطلوب من المواطن هو الانضباط لإجراءات السلامة الصحّية بالكامل متى أمّنت له دولته المستلزمات الدنيا للحياة الكريمة.
وإنّ أزمة وباء «كورونا» هذه، مناسبة للتنبّه إلى الوضع المزري الذي تردّى فيه قطاع الصحّة العمومية والذي لن يكون بمقدوره مجابهة مثل هذه الأزمة الصحّية لو، لا قدّر اللّه، استفحلت.
إنّ من مسؤولية الدولة أيضًا حَمْلِ القطاع الخاصّ على تطبيق واجب التضامن ليتحمّل قسطًا من المسؤولية وهو القطاع الذي انتفع بلا شكّ بعديد الامتيازات التي وفّرتها الدولة من أموال المجموعة الوطنية.
مسؤولية الدولة أيضًا في التضامن الضروري مع الطبقات الوسطى والضعيفة ومع المعدومين اجتماعيا واقتصاديا حتّى تضمن تونس استمرارها وإعادة انطلاق نشاطها إثر زوال غُمَّةِ هذا الوباء.
نسوق كلامنا هذا لأنّه لا يكفي أنّ نستنسخ بعض الإجراءات من هنا وهناك ونروّح لها إعلاميًا كي نقضي على الوباء ونحمي المواطن والوطن، إنّ الخَطْبَ جَلَلٌ وهو يستوجب أكثر من الاستنساخ والكلام.
المصدر، جريدة “الصحافة اليوم”، الثلاثاء 17 مارس 2020
Comments