الجديد

الخليفة والأمير وعبير 

خالد شوكات

نحن دولة غنيِة جدّا، لدينا موارد بلا حد وأموال بلا عدّ، لا نخشى من فقر ولا نرهب العوز. ونحن تقريبا بلا مشاكل، الى درجة أصبحنا نبحث فيها بكل جهد جهيد عمّا يشغل بالنا من قضايا قد تبدو للمجتمعات والشعوب ما حولنا غريبة ومدهشة، فعلى سبيل المثال استوفى برلماننا كل القوانين التي تعالج شؤوننا المحلّية،

لم يجد نوّابنا الاشاوس وكتلنا الابية من سبيل “لتحليل جراياتهم الشهرية” سوى الاشتغال على “اللوائح الدولية، فبدأنا بمشكلة الشقيقة ليبيا انطلاقا من ان “الاقربون أولى بالمعروف” ثم انتقلنا الى الصديقة فرنسا لتطهيرها وتخليصها من اثام الحقبة الاستعمارية، وقريبا سيعالج نوّابنا الاشاوس بحول الله في لوائح جديدة بقية الملفات العالقة على الساحة العالمية، من قبيل فكّ الحصار الامبريالي على كوبا وإيران وفنزويلا، واقناع الاصدقاء من ال كيم في كوريا الشمالية بضرورة الجنوح الى السلم مع شقيقتها كوريا الجنوبية، وثمة امل لتايوان وتيمور الشرقية وفيجي التي لديها مع استراليا وبابوا غينيا الجديدة مشكلة موروثة في ترسيم الحدود البحرية، ان ينظر في ملفاتهم قبل ان ترحل عن بلادنا وبلادهم الكورونا.

الزعيمة عبير خريجة اهم أكاديميات الديمقراطية في العالم، لديها حرص كبير على تقويم سيرة الاخوان الذين تعوزهم التربية على الديمقراطية بتلقينهم دروسا مجانية من خبرتها في ادارة أنظمة الحكم الرشيد وحقوق الانسان، ومن ورائهم تلقين شعبنا الكريم ذات الدروس فقد انحرف جراء العيش الرغيد عن السراط المستقيم وبات مخزونه من الحقد والكراهية مشرفا على النفاد، وَكما يعلم العارفون بالعلوم الأمنية والمخابراتية فإن أخطر ما يهدد حال القوم إيمانهم بالتوافق والعيش المشترك والوحدة الوطنية.

ومن مظاهر الغبطة عندنا كذلك، وخلوّ حياتنا مما قد يشغل العقل – كما هو الحال في غالبية الدول- من أمور التنمية والتشغيل والصحة والتعليم والمديونية والتضخم وعجز الميزان التجاري، أن لدينا رئيسا تقيا ورعا أشبه ما يكون بالناسك الزاهد الذي لا صلة له بأهواء الناس وصراعاتهم التي لا تنتهي، ومن ذلك حرصه على تناول القهوة مع مريديه حيث عرفوه و اداء صلاة الجمعة مع العامة في مساجدهم بأحيائهم الشعبية، تماما كما كان يفعل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والناس عنه ايضا راضون رغم انه لم يفعل لهم شيئا ملموسا، ولعلهم ليسوا في حاجة الى شيء،

فالخير كثير والحال يسير، وهو كذلك لم يعدهم بشيء ولهذا ليس لأحد ان يحاسبه على شيء. ينزل الخليفة بشكل مفاجئ على أمير الكرم دون ان يستأذنه، ويصلي في إمارته دون ان يسترخصه. ولان الكرم امارة سعيدة ترفل في العيش السعيد الرغيد الى اذنيها، وليس لها من مشاغل البلديات شيء، النظافة مثالية والحدائق غنّاء والشواطئ تلمع والأزقة معبّدة، فان اميرها قد مال الى ما يعتبر عند الغير من قبيل الكماليات، فأحدث صندوقا للزكاة وقريبا سيسكّ العملة ويضرب الدينار الذهبي العيوني ويلغي العمل بقانون الاسرة الحالي ويقود بقية الإمارات التونسية المتحدة الى ما فيه عزّتها ومنعتها وليس غريبا ان تنطلق أساطيل الكرم الحربية في اتجاه صقلية لتستأنف الفتوحات الاسلامية..

هذا رغم ان الخليفة الإخشيدي عنه غير راضٍ، يطأ بقدميه الامارة دون اذن في مخالفة صريحة للاحكام السلطانية والآداب الخليفية. وبحسب ما تقدّم، فإنه لا ضير ان نشغل انفسنا بهذه الامور التي قد تبدو للبعض ثانوية، مادمنا في يسرة من احوالنا ولله الحمد، لدينا ما نصرفه على انفسنا كسائر دول الرفاه ومجتمعات الوفرة لعقود طويلة…ايها التونسيون افرحوا وغنّوا وارقصوا..عاش الخليفة، عاش الامير، عاشت عبير.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP