الربيع العربي وآفاقه .. محور مشاغل باحثي مركز كارنجي
نشر مركز كارنجي للبحوث حول الشرق الأوسط أن “العقول الباحثة” للمركز سوف تركز خلال السنة الجديدة 2021 على قضايا استراتيجية في المنطقة وافاق تطورها في المستقبل من ضمنها امكانية حدوث انتفاضات في المنطقة العربية التي تعاني شعوبها بعد ثورات الربيع العربي “من التظلّمات المشروعة، لذا لا بدّ من التفكير في احتمال وقوع ردود فعل معروفة الدوافع”.
احياء الذكرى ال 10 للربيع العربي
سارة يركيس | باحثة أولى في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي
سأتابع عن كثب كيفية إحياء الذكرى السنوية العاشرة للربيع العربي في المنطقة. فمن المرجّح أن تُعيد ذكريات هذه الأحداث المتسلسلة الضخمة إحياء الشعور بالفخر لما أُنجِز في العام 2011، إنما أيضًا مشاعر الإحباط عند التفكير في ما لم يُحقَّق. فبينما شهدت تونس انتقالًا سياسيًا جذريًا كان بمثابة إيذان ببدء عهد جديد من حرية التعبير والرأي وبناء مجتمع مدني قوي ونشِط، تعيش اليوم، مثلها مثل معظم الدول التي شهدت شكلًا من أشكال الانتفاضة، مشاكل اقتصادية أسوأ من تلك التي عانتها قبل عقد من الزمن.
وفيما يُمعن الناشطون والسياسيون النظر في أحداث العقد الماضي، يواجهون أيضًا تداعيات اقتصادية هائلة جرّاء استمرار تفشّي وباء كوفيد 19 في العالم أجمع. فقد وجّه هذا الوباء صفعة قوية للتقدّم الذي أُحرِز على المستوى الاقتصادي، ما أدّى إلى ارتفاع نسب البطالة وعجز الكثير من الأفراد عن إعالة أسرهم. باختصار، لا أتوقّع اندلاع موجة ثانية من الربيع العربي في العام 2021، إلا أنني أرجّح استمرار التعبير الشعبي عن مشاعر الإحباط واليأس من خلال احتجاجات كبرى، وتنامي حركة الهجرة النظامية وغير النظامية، وارتفاع معدلات الانتحار، وازدياد عدد المنخرطين في صفوف الجماعات العنيفة المتطرفة.
آمل في الختام أن تنكبّ حكومات المنطقة والمجتمع الدولي بشكل جدّي على معالجة الأسباب الأساسية الكامنة وراء اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية، والتهميش، وغياب المساءلة.
ما بعد ثورات الربيع العربي
اتش.آي. هيلير | باحث غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي
سيتركّز اهتمامي بشكل خاص على أربعة محاور في العام 2021.
أولًا، بعد مرور عقد على اندلاع انتفاضات العام 2011 الثورية في العالم العربي عَقِب الانتفاضة الأولى التي شهدتها تونس في أواخر العام 2010، سأتابع آفاق حدوث اضطرابات، وليس بالضرورة انتفاضات، في المنطقة. فالسكان يعانون الكثير من التظلّمات المشروعة، لذا لا بدّ من التفكير في احتمال وقوع ردود فعل معروفة الدوافع.
يتعلّق المحور الثاني بحقبة ما بعد توقيع اتفاقيات السلام الأخيرة (المعروفة بـ”اتفاقيات إبراهيم”). فحين يغادر دونالد ترامب البيت الأبيض سيتم تعليق أي اتفاقيات تطبيع جديدة بين الدول العربية وإسرائيل، لكن القضية الفلسطينية ستبقى على جدول الأعمال. كيف ستتعامل إدارة بايدن مع هذه المسألة؟ وما الأحداث التي قد تطرأ وتفضي إلى تعزيز هذا الالتزام أو إحباطه؟
أما الجانب الثالث فمرتبطٌ بأحداث قد تطرأ على حين غرّة وتظهر مدى جديّة المنطقة في التعامل مع أفول حقبة التساهل وتجاهل القانون الدولي التي أرستها إدارة ترامب. يبقى أن ننتظر لنرى إذا ستتّخذ إدارة بايدن خطوات لإحداث انطلاقة جديدة في هذا الصدد، وستتعدّد على الأرجح المواقف التي تضعها قيد الاختبار.
رابعًا وأخيرًا، سأتوقّف عند محورَي قوة أساسيين هما التحالف السعودي-الإماراتي-المصري والشراكة التركية-القَطَرية. وقعت بعض الأحداث في الأعوام القليلة الماضية التي جمعت بعض عناصر التحالفين. يُشار إلى أن أنباء المصالحة بين دول مجلس التعاون الخليجي الأسبوع الماضي قد تُحدث ترتيبات جديدة في هذا الصدد، حتى إن استمرّت التوترات. لذا، سأراقب عن كثب مسار تطوّر الوضع الجيوسياسي الإقليمي.
ما بعد الكوفيد -19 شرق أوسطيا
ديفيد لينفيلد | باحث زائر في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي
على ضوء تفشّي وباء فيروس كوفيد 19 في أنحاء العالم كافة العام الماضي، أشاحت الدول نظرها عن المشاكل السياسية والاقتصادية المتجذّرة فيها. بدا ذلك جليًّا في الشرق الأوسط حيث خمدت مؤقتًا جذوة الاحتجاجات التي اندلعت في العامين 2018 و2019 فيما انصبّ اهتمام الدول على مكافحة الوباء.
خلال العام 2021، وما يحمله من أمل بأن تحل اللقاحات الأزمة الصحية الراهنة، سأترقّب آفاق عودة زخم التظاهرات في كلٍّ من لبنان والأردن والعراق. ثمة مؤشرات عدة تُنبئ بأن المواطنين سينزلون إلى الشوارع مجدّدًا، لأن جُلّ ما فعله وباء كوفيد 19 هو مفاقمة التظلّمات الكثيرة التي أشعلت أصلًا جذوة الاحتجاجات، ولا سيما التفاوت الاقتصادي.
من المسائل الأخرى التي يجب متابعتها هي التركيبة الديمغرافية للتظاهرات. فقبل تفشّي الوباء، لمّت الهموم الاقتصادية شمل متظاهرين متنوّعي الانتماءات، إذ أدرك مواطنو الطبقة الفقيرة – سواء أكانوا سنّة أو شيعة، مسيحيين أو مسلمين، قبليين أو غير قبليين – أن ما يوحّدهم مع بعضهم البعض يفوق بأشواط ما يجمعهم بنخب طائفتهم. فهل ستتجلّى هذه الظاهرة مجدّدًا بعد انحسار وباء كوفيد 19؟
في الختام، كيف ستدير الدول المانحة المعونات المخصّصة لمساعدة دول الشرق الأوسط على معالجة التداعيات الاقتصادية للوباء؟ وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة الباروميتر العربي في المنطقة في العام 2018، تراوحت نسبة المواطنين الذين عبّروا عن بؤر فساد في دولتهم بين 71 في المئة و93 في المئة في كل دولة. لذا، أي مساعدة تبدو أنها تصبّ بشكل غير متكافئ في مصلحة النخب ستفاقم على الأرجح التشنجات الاجتماعية.
سياسة بايدن الشرق أوسطية
آرون ديفيد ميلر | باحث أول في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، تتركّز أبحاثه على السياسة الخارجية الأميركية
لن أصبّ اهتمامي في العام 2021 على قضية أساسية واحدة في الشرق الأوسط، بل سأركّز على منحى يتمثّل في مدى الاهتمام الذي ستكون إدارة بايدن مستعدّة أو قادرة على تخصيصه للشرق الأوسط.
سيرغب الرئيس جو بايدن في العمل مع إيران، خصوصًا حول الاتفاق النووي، لأنه القضية الأساسية التي من شأنها زعزعة استقرار المنطقة بشكل كبير وإطلاق شرارة الحرب، وحتى صرف انتباهه عن أولوياته الرئيسة المتمثّلة في إعادة إنعاش الاقتصاد الأميركي.
لكن هنا لا بدّ من التساؤل: ماذا عن القضايا الأخرى؟ هل سيعير بايدن أي اهتمام جاد، أو سيعمل حتى مع جهات أخرى، للمساعدة على وضع حدّ للحروب الأهلية المندلعة في ليبيا واليمن وسورية؟ وهل سيبذل المزيد من الجهود لإرساء الاستقرار في العراق؟ وهل ستشجّع إدارة بايدن بصورة نشطة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية أم أنها ستركّز إلى حدٍّ كبير على محاولة إحراز تقدّم، ولو كان متواضعًا، في عملية السلام المعطّلة بين إسرائيل والفلسطينيين، أم ستفعل الأمرين معًا؟ وهل ستتعثّر مساعي بايدن للوفاء بتعهداته المُعلنة خلال حملته الانتخابية، والمتعلقة بالتركيز على الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان خلال تعامله مع شركاء مشاكسين مثل السعودية ومصر، أم سينجح في تعزيز المساءلة – أو حتى فرض شروط – في إطار هذه العلاقات؟ وهل سيكمل بايدن خطوات سلفه في الانسحاب من أفغانستان أم سيحافظ على المنحى السائد حاليًا لمعرفة إن كان اتفاق شباط/فبراير 2020 مع حركة طالبان قابلًا للتنفيذ، فيما يعمل مع جهات أخرى لإرساء الاستقرار في البلاد؟
باختصار، لا تستطيع واشنطن سحب يدها من الشرق الأوسط الأوسع، إذ لديها مصالح حيوية فيه، وحلفاء وشركاء لا بدّ من دعمهم، وخصوم لا بدّ من مواجهتهم. إضافةً إلى ذلك، قد تحدث في أي وقت أزمة غير متوقعة تدفعها إلى التدخل في الشرق الأوسط. لكن نظرًا إلى تبدّل أولويات سياسة واشنطن الخارجية، ووضعها التعافي المحلي في صدارة اهتماماتها، وعدم اعتمادها على الموارد الهيدروكربونية العربية، وازدياد مشاكل الشرق الأوسط التي تعجز عن حلّها، قد تُدرك الإدارة الأميركية أن المنطقة، على الرغم من أنها لا تزال مهمة، قد فقدت بالتأكيد مكانتها السابقة.
تركيا .. البلد “المزعج” شرق أوسطيا
مارك بييريني | باحث زائر في مركز كارنيغي-أوروبا
بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، تحمل بداية العام 2021 تغييرَين أساسيين، وتغييرًا آخر أقل أهمية، في قواعد اللعبة.
أولًا، أصبحت تركيا لاعبًا سياسيًا وعسكريًا لا يُستهان به ويصعب ردعه. فهي اتّبعت سياسة خارجية حازمة وعسكرية في جوارها الأوسع، أي في كلٍّ من سورية وليبيا والعراق وشرق المتوسط، وجنوب القوقاز. واستخدمت أنقرة لهذه الغاية معدّات عسكرية جديدة وفعّالة، أبرزها الطائرات المسيّرة التكتيكية في محافظة إدلب، وغرب ليبيا، وأذربيجان. وركّزت كذلك على مسائل ظلّت شائكة لمدة طويلة، مثل الحدود البحرية، ومسألة قبرص، وتمرّد حزب العمال الكردستاني، والنزاع في ناغورنو-كاراباخ، وكل هذه المسائل ساهمت في حشد التأييد الشعبي على مستوى السياسات المحلية. يُضاف إلى ذلك أن تركيا استخدمت نظام الدفاع الصاروخي الروسي “إس 400″، ما يطرح تحدّيًا كبيرًا على الأنظمة الدفاعية لحلف شمال الأطلسي.
ثانيًا، باتت روسيا اليوم لاعبًا راسخًا في منطقة المتوسط، إذ أعادت إنشاء قواعد عسكرية دائمة لها في سورية، على غرار قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية في طرطوس. ولا تساهم هذه القواعد في دعم عملياتها العسكرية في الداخل السوري وحسب، بل تشكّل أيضًا نقطة انطلاق عمليات أخرى في شرق ليبيا وقريبًا في البحر الأحمر. وفي حال أنشأت روسيا قاعدة بحرية دائمة في البحر الأحمر وقاعدة جوية دائمة في ليبيا، سيسفر ذلك عن تداعيات بعيدة المدى لكلٍّ من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
ثالثًا، سيعيد الاتحاد الأوروبي إنعاش الحوار مع إدارة بايدن حول قضايا المتوسط والشرق الأوسط، على الرغم من أن هذه النقطة أقل أهمية من غيرها نوعًا ما إذ ما زال يتعيّن علينا تقييم تأثيرها. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن مثل هذا الحوار من شأنه أن يضع حدًّا لحالة الضبابية والغموض المؤلمة التي سادت طيلة أربع سنوات.
اسرائيل .. ما بعد بنيامين نتنياهو
جايك والاس | باحث أول غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي
سأتابع ما إذا سيحمل العام 2021 معه أخيرًا نهاية عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الطويل الأمد. فإسرائيل ستجري في آذار/مارس انتخابات هي الرابعة في غضون العامين الماضيين. وقد تفوّق نتنياهو ببراعة على خصومه خلال الجولات السابقة، لكنه يواجه هذه المرة تحديًا أشدّ خطورة. فقد ظهرت انشقاقات في صفوف مجموعته الخاصة داخل حزب الليكود، فيما أعلن عضو الكنيست السابق جدعون ساعر تأسيس حزب يميني جديد، لينضم بذلك إلى نفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان، وهما عضوان سابقان في حزب الليكود يقودان أيضًا حزبين يمينيين معارضين لنتنياهو. تزداد كذلك الانشقاقات داخل حزب يسار الوسط “أزرق أبيض”، بيد أن المجموعات المتبقية لا تزال عازمة على إنهاء عهد نتنياهو. دعونا لا ننسى أيضًا أن رئيس الوزراء سيخسر حليفه في البيت الأبيض عند انتهاء ولاية الرئيس دونالد ترامب في 20 كانون الثاني/يناير.
في الوقت الراهن، لم تعد السياسات الإسرائيلية تدور في فلك الحرب والسلم وشكل العلاقة المستقبلية مع الفلسطينيين. فالقضية الرئيسة التي ستحدّد نتيجة الانتخابات تتمثّل في نظرة الشعب إلى نتنياهو شخصيًا. ومع أنه صمد أمام الهجوم الذي شُن ضدّ قيادته خلال الانتخابات الثلاث السابقة، قد تشكّل إدارته لأزمة كوفيد 19 الضربة القاضية هذه المرة، إذ إن الإسرائيليين غير راضين عن طريقة تعامله مع تفشّي الوباء. يحاول نتنياهو من جهته التصدّي لهذه النظرة السلبية عبر تنفيذ حملة تطعيم عامة واسعة، إذ إن تقييم الناخبين لوضع كوفيد 19 قد يحدّد مصير نتنياهو، تمامًا كما فعل الناخبون الأميركيون مع صديقه في البيت الأبيض. لكن نتنياهو صمد في وجه رياح عاتية وتحدّيات كثيرة من قبل، لذا ستبقى نتائج الانتخابات مجهولة إلى حين فرز الأصوات في آذار/مارس وبدء مفاوضات الائتلاف.
والفساد، وهذه مشاكل لم يتم حلّها بعد مرور عقد على إضرام محمد البوعزيزي بشجاعة النار في نفسه، مُشعلًا بذلك حرائق في طول العالم العربي وعرضه.
الحضور العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط
ميشيل دنّ | باحثة أولى ومديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
سيتمحور جُلّ اهتمامي في العام 2021 حول الطريقة الفضلى لتحدّ الولايات المتحدة من انخراطها العسكري في الشرق الأوسط من دون التضحية بمصالح الأمن القومي الأساسية. سيعتزم الرئيس المنتخب جو بايدن، على غرار سلفيه الرئيسين دونالد ترامب وباراك أوباما، تخفيض التكاليف المالية والبشرية التي تتكبّدها الولايات المتحدة على انخراطها في منطقة تتراجع أهميتها الاستراتيجية باطّراد، والتركيز على ترقية مصالح أخرى على المستويين الوطني والدولي.
يرى البعض أن على الولايات المتحدة بيع أو منح كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة إلى حلفائها في الشرق الأوسط، مثلًا من خلال الصفقة المقترحة لبيع الإمارات العربية المتحدة طائرات مقاتلة من طراز إف 35، انطلاقًا من فرضية أن المنطقة ستصبح أكثر استقرارًا وستتمكن واشنطن من الانسحاب منها حين يصبح حلفاؤها قادرين على حماية أنفسهم. لكن، هل هذا واقع الحال فعلًا؟ ماذا فعلت الدول الحليفة بالأسلحة التي تلقّتها أو اشترتها من الولايات المتحدة (التي هي أكبر مورِّد للأسلحة في الشرق الأوسط)؟ وكيف أثّرت هذه الأسلحة في مسار النزاعات الإقليمية والاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي في الدول؟ تَرِثُ إدارة بايدن إذًا سلسلةً من العلاقات الأمنية الطابع في الشرق الأوسط، لكن أمامها فرصة للتفكير في جدوى تعزيز هذا النهج أم لا.
Comments