العجمي الوريمي يكتب عن "أي دولة لتونس الثورة ؟"
العجمي الوريمي*
قامت الثورة للبحث عن الدولة العادلة، أي عبر تحرير الدولة المختطفة من قبل طبقة جعلتها مسخرة لخدمة مصلحتها، وجعلتها منتهكة لحقوق المستضعفين، بأن كانت أداة استضعافهم واخضاعهم، مقابل حقهم في الحياة بلا كرامة .. .
أرادت قوى الثورة، فك الارتباط بين الدولة القامعة والمنحازة والمختطفة، وبين أصحاب المصلحة من ازاحتها عن موقعها الفوقي، وعن مستلزمات اقامتها للقانون، باعتماد القسطاس المستقيم، وتقوية الضعيف بتمكينه من حقوقه، واضعاف القوي بحمله على القيام بواجبه.
وبتحرير الدولة للشرائح المستضعفة من ضعفها المؤسسي والهيكلي ونزع امتيازات القوى المتنفذة ماليا واداريا واخضاع شبكاتها للقانون والمحاسبة.. فهل كان ذلك ممكنا؟
ذلك هو المنشود، ولكن على أرض الواقع تحولت الدولة، وهي دولة ما بعد كولونيالية في زمن العولمة الاقتصادية، الى دولة مقضومة السيادة، لا بفعل الهيمنة الخارجية، وإنما بفعل العقلية الغنائمية لدى شرائح رثة أو مفيوزية، يحكمها وعي ما قبل الدولة في لحظة ما بعد الاستبداد.
و مع سقوط مرجعيات السلطة، والاحتفاظ بإدارة خائفة وغير آمنة ولا محمية، تم تأمين سير المرفق العام تحت سيف الاحتجاج، والجرأة في انتهاك القانون، والجرأة على المطالبين بفرض احترامه والخضوع لمقتضيات تطبيقه.
تعاقدت الدولة تعاقدا ضمنيا مع قوى المجتمع، على خارطة طريق تتمثل في تدشين مسار انتقال ديمقراطي ينقذ ما يمكن انقاذه ، حتى لا تنهار الدولة وحتى لا تنزلق البلاد في سيناريو حرب اهلية.
أي بكل بساطة تجنب حصول حمام دم بهدنة بين الدولة و”مواطنيها ” و “مصالحة” بين منظومات تتبادل المصالح والمنافع والادوار، وتعيد الانتشار لتخرج أما بأفضل المكاسب أو بأخف الاشرار.
ويبقى السؤال هو بماذا نعرف الدولة وكيف نحدد دورها في هذا التحول السياسي والمجتمعي بمرافقة وموافقة انماط وعي متعاكسة : وعي تحديثي ووعي تأسيسي ووعي غنائمي ووعي تآمري.
وهنا يمكن ان نقول ان الدولة تحولت الى دولة مفاوضة un État négociateur رهيفة الحس لموازين القوى الجديدة، متريثة ومتربصة ومتهيئة للأسوأ ، مع اختيار الأفضل والممكن تاريخيا.
Comments