العجمي الوريمي يكتب ل “التونسيون”: “لماذا تصر النهضة على توسيع الحكومة؟”
العجمي الوريمي
منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية (اكتوبر 2019) بات متأكدا لجميع الأطراف واولهم الأحزاب الحائزة على مقاعد في البرلمان أن الحكومة الجديدة ستكون حكومة ائتلافية لأن الصندوق لم يسعف أي طرف بفوز ساحق يخوله تحمل المسؤولية دون تشريك أو تقتصر حاجته لتحقيق الاغلبية على دعم حزب صغير من المكونات الشبيهة أو المختلفة سيان ..
كما بات متأكدا أن الحكومة الجديدة لن تكون نسخة من سابقتها أو هي تواصل لها على مستوى البرنامج والمكونات..دون أن نغفل أن الانتخابات صعدت الى كرسي رئاسة الجمهورية شخصية لا نمطية في تفكيرها السياسي وفي مسارها وعلاقتها بمنظومة الحكم وبتتبع الخطاب الانتخابي وخطاب جلسة أداء اليمين امام مجلس النواب الجديد كان من الواضح ان البلاد تدخل مرحلة جديدة فالرجل وفكره واسلوبه ونظرته الى المؤسسات ونظرته لنفسه ولانتظارات ناخبيه سيفرض مقاربة جديدة في العلاقة بين السلطات لأن الرئيس له نظرة سلبية لمحصول الثورة بما في ذلك منجزها الدستوري والمؤسساتي الذي لايراه مساعدا له متناسبا مع مشروعه السياسي والمجتمعي.
كما انه في حالة تمايز ومفاصلة شعورية مع الطبقة السياسية بأحزابها ورموزها اذ انه فضلا عن حساسيته تجاه التنظيم الحزبي والديمقراطية التمثيلية لا يعتبر أن منظومة الثورة نجحت في الايفاء بوعودها ولا يراها قادرة على انجاز اهدافها الكبرى مثل الكرامة والعدالة فقد اخطأت الطبقة الحاكمة موعدها مع التاريخ وباتت منتجة للانقسام وفشى فيها الفساد ولم يقتنع الرئيس قيس سعيد الذي اعلن أن قدوته ومثله الاعلى عمر ابن الخطاب أنه يمكن أن يدشن مرحلة جديدة من حياة الثورة مع نخبة مطبعة في نظره مع الفساد همها تقاسم الحكم عبر المحاصصة والتسويات والتفاهمات الفوقية عوض قلب الاوضاع والتغيير انطلاقامن القاعدة والتخوم صعودا الى المركز ..
هذا المعطى السياسي المستجد لم يكن عاملا مساعدا على تشكيل حكومة واسعة الاغلبية موحدة في برنامجها ورؤيتها الاصلاحية إضافة الى كون الانتخابات افرزت نوعية معينة من المعارضة يمكن اعتبارها أحد مشتقات الشعبوية اللاديمقراطية الرافضة هي الاخرى لمنظومة الثورة وترى فيها خطيئة ومؤامرة وقوسا ينبغي أن يغلق لتعود البلاد الى ما كانت عليه قبل الثورة ويعود إليها نظامها الذي ثار عليه الشعب المغرر به ..
واذا كان الرئيس يطالب إلياس الفخفاخ الذي اختاره بعد أن اخفقت حكومة الحزب الفائز في الحصول على ثقة البرلمان(الحبيب الجملي) يطالبه أن لا يحكم مع ” الفاسدين ” فإن المعارضة اليمينية (الدستوري الحر) التي ورثت جبهة اليسار (الجبهة الشعبية) ما انفكت تحذر من الشراكة مع الحزب الفائز (حركة النهضة) بدعوى انها تنفذ اجندا اخوانية في المنطقة. لقد ولدت حكومة الفخفاخ وسط الانقسام وفي مسعى البحث عن انسجام مستحيل ..
لقد أختار الرئيس قيس سعيد الفخفاخ ليقود حكومة لم يترك له الخيار ليختار مكوناتها ظنا من الرئيس أنها بذلك لن تخرج من يده وظنا من الفخفاخ أن دعم الرئيس سيكفيه مؤونة البحث عن سند من الأطراف التي لايريدها ان تكون حاكمة معه أو متحكمة في خياره وقراره..ومما شجع الرئيسين سعيد والفخفاخ على المرور بقوة اعتبارهما النهضة طرف في الحكومة وكفى مثلها مثل باقي الأطراف حتى وان كانت بتعبير الياس الفخفاخ نفسه “طرف أساسي” على اعتبار ان حكومة النهضة هي تلك التي رشحت لرئاستها الحبيب الجملي الذي نال شرف عرض فريقه وبرنامجه على البرلمان دون أن ينال ثقة هذا الأخير ليفسح بذلك المجال لحكومة الشخصية الأقدر التي يصر بعض الأطراف (حركة الشعب) على اعتبارها حكومة الرئيس.
وفي هذا تجاهل لا فقط لمنطوق الدستور وإنما تجاهل لموازين القوى ولخصوصية المشهد البرلماني الذي تحتل فيه النهضة موقع الطرف الاساسي بين صديق (ائتلاف الكرامة) وشريك (قلب تونس) وهي الأطراف التي صوتت للاستاذ راشد الغنوشي لرئاسة البرلمان قبل تأخذ حكومة الفخفاخ شكلها النهائي ولم يكن ذلك مجرد التقاء تكتيكي حتى وان كان بين الثالوث تباينات خاصة بعد أن انقسم “الثوريون” بفرز الكرامة التي مدت يدها للشعب والتيار وبفرز قلب تونس بعد أن تبرأ منه “أبطال” محاربة الفساد ووضعه رئيس الجمهورية على قائمة المبعدين دون أن يعلن ذلك..
لقد أعتبر راشد الغنوشي هذا الوضع غير طبيعي ..فمن غير الطبيعي ان لا تسعى الشخصية الأقدر الى تحقيق أوسع اجماع ممكن وهذا شرط انطباق الصفة عليها ..
ومن غير الطبيعي أن تطلب اذنا موسعا للحكم عبر اصدار المراسيم ثم تميز بين من منحوها الإذن لتحكم دون عراقيل بمنطق هذا منا والينا وهذا غريب ومنبوذ.. ومن غير الطبيعي يطلب رئيس الحكومة أعلى درجات ااتماسك والتضامن الحكومي دون أن تلتزم للاطراف المكونة لحكومته بالتضامن والتنسيق داخل البرلمان ..
ومن غير الطبيعي أن تحرص جميع الأطراف على دعم رئيس الحكومة وتستهدف رئيس البرلمان ورئيس الحزب الأول فيه وفي الحكومة غير مدركة ان هناك استحالة لتحقيق استقرار حكومي دون استقرار برلماني..ومن غير الطبيعي أن ندعو لحكومة وحدة وطنية ونقوي المعارضة على حساب الحكومة بأن ندفع قوى الوسط لتكون في نجدة المتشددين لخلخلة وحدة الائتلاف الحكومي وامتداده البرلماني أو العكس..
هذه جملة مفارقات يتغاضى عنها إلياس الفخفاخ ليؤجل توسيع حكومته مدفوعا في ذلك بضغط الرئيس أو بهواجس كتلة التحالف الديمقراطي لكن متى سيدرك السيد الفخفاخ ان نهضة قوية هي لصالح حكومته وان تحالفا قويا سيزيده قوة واقتدارا على الاصلاح وسيقلص هامش المناورة لمن يعارضون منظومة الحكم بكاملها ولن يفوتوا فرصة لاستغلال هشاشة الاوضاع وصعوبة الموقف لتفكيكها وشل قدرتها على الإنجاز.. العجمي الوريمي
Comments