الغموض الكبير .. تونس الى أين ؟
منذر بالضيافي
ترمي ظلال من الغموض على المشهد السياسي التونسي، فبعد ثلاثة اشهر من الانتخابات التشريعية و بعد شهرين ونصف من انتخاب قيس سعيد رئيسا للجمهورية، ما تزال الطبقة السياسية التي افرزتها الانتخابات الأخيرة عاجزة عن تشكيل حكومة جديدة، برغم أن الأوضاع الداخلية وكذلك الاقليمية تفرض ضرورة التعجيل.
في الاثناء بدأت بوادر “الصراع” بين الحزب الفائز في التشريعية (حركة النهضة ) الذي يترأس أيضا البرلمان في شخص رئيسه راشد الغنوشي، وهو الحزب المكلف دستوريا بتشكيل الحكومة من جهة، ورئيس الجمهورية قيس سعيد والفريق الذي من حوله من جهة ثانية، “صراع” برزت تداعياته الأولية تظهر للعيان و بوضوح في ملف تشكيل حكومة الحبيب الجملي، التي تشير “التسريبات” الى أنها تلاقي “تعطيل” أو على الأقل عدم “تجاوب” من قبل “جماعة قرطاج”، دون أن غفل عن أسباب أخرى تتصل بالرئيس المكلف وبالحزب المشكل للحكومة.
برغم لجوء كل من رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي، ومؤسسة الرئاسة الى “تكذيب” هذه التسريبات، التي تغذت من “الفشل الاتصالي” لكل من دار الضيافة أين تدور مفاوضات تشكيل الحكومة، وقصر قرطاج الذي تواجه “سياسته الاتصالية” نقدا كبيرا لا من قبل الاعلاميين فقط بل من قبل قطاع واسع من الفاعلين في المشهد السياسي والاتصالي في تونس.
وهنا، تجدر الاشارة الى أن “الفتور” بين رئيس الحكومة المكلف وقصر قرطاج، يفسر أيضا بوجود “رغبة جامحة” لجماعة القصر وساكنه، في “المسك بتلابيب الحكم”، ولما لا تغيير النظام السياسي لاحقا، بما يجعل الرئيس هو “الحاكم بأمره”، هذا ما يجعل من التدخل الرئاسي الأخير، الذي جمع فيه الأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة، يدعم ما ذهبنا اليه والمتمثل في وجود اتجاه يتجاوز مجرد “القفز على الدستور” لفرض ما يسمى ب “حكومة الرئيس”، الى استبطان منهجية حكم مختلفة للتي ينص عليها الدستور.
لكن، لا يجب أن نحجب وجود عوامل أخرى عطلت تشكيل حكومة الجملي، ونعني تلك المتصلة بجود خلاف جوهري في “هوية الحكومة” بين حركة النهضة والرئيس المكلف الحبيب الجملي حول “ماهية حكومة الكفاءات”. فالنهضة مع حكومة متكونة من كفاءات حزبية وسياسية مستقلة؛ في المقابل يتمسك الجملي بحكومة كفاءات وطنية غير منتمية للأحزاب.
تأخر الاعلان عن الحكومة، من شأنه أن يساهم في “تعفين” المناخ السياسي، فضلا عن كونه يرتقي لحالة من “اللامبالاة” في علاقة بتردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، في ظل تواصل انهيار كل المؤشرات الاقتصادية، وما يتوقع أن يكون لها من ارتدادات سلبية على الأوضاع الاجتماعية، يجري كل ذلك في مناخ جيو سياسي اقليمي ودولي مضطرب (توقع انفجار حرب على حدونا الجنوبية، ليبيا)، لابد من التعاطي معه ضمن فريق قيادي (حكومة وبرلمان ورئاسة) منسجم، من أجل وضع السياسات المناسبة التي تحفظ مصالح بلادنا وتحمي استقرارها.
بالمناسبة، نشير الى أن بلادنا التي كانت خلال السنوات الأخيرة محلى “حظوة” دولية، لم تعد محل اهتمام يذكر اذ يلاحظ المتابع تراجعا كبيرا في الاهتمام بالشأن التونسي، لدى وسائل الإعلام ومراكز البحث الدولية، وأيضا في الحسابات الاستراتيجية (تغييبنا من التسوية للأزمة الليبية).
لا تكاد بلادنا اليوم تذكر الا في علاقة بالملف الليبي ومن الموقع الجغرافي لا من الموقع الجيو ستراتيجي المشارك والمؤثر في التسوية القادمة، كما تراجع أيضا التحمس لمسار الانتقال الديمقراطي، الذي صاحبه مراجعة لدعم تونس ماليا ،من قبل الدول الكبرى ومن قبل المؤسسات المالية الدولية (صندوق نقد الدولي جمد القسط الأخير من القرض).
يجري كل هذا في ظل اوضاع داخلية سمتها الأساسية الذهاب تثبيت وجود أزمة شاملة ومركبة، لعل من أكبر عناوينها البارزة العجز عن تشكيل حكومة مثلما سبق وأن اشرنا، ما أصبح ينذر بالدخول في أتون أزمة سياسية، هي في الواقع تعبر عن أزمة حكم، لو استمرت ستهدد كل المكاسب وستعصف بما يسمى “الأنموذج التونسي” في الانتقال الديمقراطي.
أزمة يتوقع ان تتغذى اكثر ،من التباين الذي يصل حد التناقض بين مؤسسات الحكم (رئاسة الجمهورية ورئاستي الحكومة والبرلمان. مع تواصل حالة الغموض ، في سياسات الرئيس الجديد ، خاصة في العلاقات الخارجية، التي تعرف منذ وصوله لقرطاج حالة من الجمود والضبابية (ردود الأفعال السلبية التي رافقت الزيارة الأخيرة للرئيس التركي أردوغان لبلادنا).
وضع خلف حيرة في الداخل كما في الخارج، ليجعل الانطباع الحاصل ان تونس دخلت في ما بشبه العزلة الدولية، هذا، فضلا عن مخاوف من التورط في محاور إقليمية ودولية ، لو تمت ستدفع البلاد الصغيرة في مواردها وجغرافيتها تكلفة باهضه له، سيكون قطعا على حساب أمنها واستقرارها.
Comments