المجتمع التونسي اليوم … طغيان مشاعر الخوف و القلق و العدوانية !
هشام الحاجي
غالبا ما نتجاهل دور المشاعر الجماعية في توجيه الأحداث و التأثير في أهم التحولات التي تعيشها المجتمعات رغم ما يتأكد من خلال استقراء بعض التجارب من أن إنتشار التفاؤل بالمستقبل على مستوى واسع يمثل حافزا للمجتمعات للعمل و البذل و التطلع إلى ما هو أفضل و أن تفشي الإحباط يمثل عامل إعاقة لكل تفكير إيجابي و بناء.
و إذا ما حاولنا البحث في أهم ملامح ” المزاج ” الشعبي الطاغي في المجتمع التونسي اليوم فإننا لا يمكن أن نعثر على مشاعر إيجابية و لن نقف في كل أشكال التعبير اليومي إلا على طغيان مشاعر الخوف و القلق و العدوانية الموجهة نحو الذات أو نحو الآخرين.
عوامل طغيان المشاعر السلبية و تفشي الرؤى السوداوية تقف وراءه عوامل عديدة بعضها طارىء كانتشار وباء الكورونا و بعضها أصبح يتحول إلى عامل هيكلي.
ذلك أن المشاعر الجماعية ترتبط بشكل كبير بطبيعة اللحظة السياسية التي يجتازها مجتمع معين. و من هذه الزاوية فإن تونس تعيش على امتداد العشرية الأخيرة في ظل عطالة شاملة من أهم ملامحها فشل المؤسسات الاجتماعية الدامجة في أداء دورها في إقامة روابط قوية بين الفرد والمجتمع و من أهم المؤسسات الدامجة الأسرة و المؤسسة التعليمية و ما يعرف بالمؤسسات الثانوية كالاحزاب السياسية و الجمعيات المدنية.
تعاني المدرسة في تونس من تراجع مشروعيتها المجتمعية إذ تقلص دورها كأداة متميزة في الحراك الإجتماعي الصاعد و تراجعت الثقة في قدرتها على نقل المعرفة بعد ظهور أدوات جديدة لنقل المعرفة و تأثر الصورة الإيجابية لرجل التربية والتعليم و هو ما جعل المدرسة تفقد صورتها الجاذبة لينفر منها التلاميذ إذ يتسرب منها سنويا مائة ألف سنويا.
و القطيعة مع المدرسة لها انعكاساتها النفسية السلبية إذ تمثل قطيعة مع أهم ما في الإنسان من إنسانية و تفتح الباب أمام العنف و العدوانية و الإحباط. ليست الأسرة كمؤسسة دامجة في أفضل حالاتها في ظل ارتفاع نسب الطلاق و أيضا ما يرتبط به من نشأة عدد كبير من الأطفال في أسر أحادية الأب و هو ما ينعكس على قدرة الأسرة على المساهمة في بناء شخصية متوازنة و إيجابية.
أما المؤسسات الثانوية كالاحزاب السياسية و الجمعيات المدنية فإن بريقها الذي كسبته بعد 14 جانفي قد أخذ في التلاشي حتى كاد يندثر و أصبحت حاليا أشبه بالنوادي التي لا تقبل إلا بعض الأعضاء.
هذه اللامعيارية في أداء المؤسسات هي التي تفسر إلى جانب السياق الحالي هي التي تفسر تفشي الإحباط و التبرم و العنف و العدوانية علاوة على أن الفرد التونسي قد انتقل من حالة العيش في ظل دولة أبوية راعية إلى حالة أقرب إلى ” اليتم و فقدان الدولة ” و هو ما أثر على توازناته الإجتماعية و الإقتصادية.
و يضاف إلى ذلك في مستوى التحولات التي عرفتها الدولة و مؤسساتها الانتقال من الدولة الصامتة و الكتومة إلى الدولة التي تنتشر كل أسرارها على قارعة الطريق و هذا الافشاء جعل المواطن أكثر خوفا على حاضره و مستقبله لأن هالة و هيبة الدولة قد أصبحت مفقودة و كادت الثقة تنعدم في قدرتها على أداء مهامها و تقديم خدماتها و في ظل هذه اللامعيارية الهيكلية فإن حالة طغيان الإحباط و السوداوية مرشحة لمزيد التعمق مع ما يعنيه ذلك من مخاطر حقيقية على التماسك الإجتماعي.
Comments