النادي الافريقي …اول جمعية رياضية مواطنية
كتب: هشام الحاجي
تتداخل العوامل الموضوعية مع الاعتبارات الذاتية عند محاولة القيام بقراءة اولية لنجاح “شعب الافريقي ” في رفع تحد من نوع استثنائي و هو ضخ مليون دينار في يوم واحد في الحساب البنكي الموضوع لإخراج جمعية النادي الافريقي من ازمتها المالية التي تهدد كيانها.
كان يوما عصيبا على المتيمين و المتيمات مثلي بعشق النادي الافريقي لأنه يضع رهانا غير عادي في ظل الازمة الاقتصادية الخانقة التي اصابت المقدرة الشرائية للمواطن التونسي و في ظل ارتفاع قيمة الرهان المادي .
ما اعترضني اليوم من لقطات التقاء كل الطبقات و الاجيال من اجل المساهمة في رفع التحدي و ما رافق هذه الحركية من مظاهر الاعتزاز بالانتماء لصرح اصله ثابت لا يمكن ان ينسى .
و تزامن هذا اليوم مع الاستعداد للاحتفال بمائوية الميلاد القانوني لجمعية النادي الافريقي يمثل ما يمكن اعتباره ميلادا جديدا لفريق باب الجديد و دليلا على ان من اهم مكونات “هوية ” النادي الافريقي الانبثاق من المعاناة و الشعور الطاغي بالانتماء و هو ما يعني ان الاحفاد قد التقطوا جيدا سيرة الاجداد و استمدوا منها الصلابة و القدرة على الرفض و المقاومة .
هذه “الهوية ” تجعل جمعية النادي الافريقي اكبر من جمعية رياضية و انبل من ان تكون “ظاهرة اجتماعية ” لان الظواهر الاجتماعية يمكن ان تزول في حين يؤكد تغلغل النادي الافريقي في وجدان الشعب التونسي ان مصير الطرفين واحد و هو ما تبرزه عدة شواهد تجعل من تونس و النادي الافريقي مرأتين عاكستين لبعضهما .
تمسك الاباء المؤسسون بهوية الجمعية الوطنية و رفضوا تنصيب فرنسي على راسها لانهم كانوا يعكسون تبلور الوعي الوطني و يرسمون للشعب طريق المقاومة و اصاب النادي الافريقي في السنوات الاخيرة ما اصاب تونس من تفشي الفساد و غياب الكفاءة في التأطير و هو ما جعله يرزح مثلها تحت وطأة الديون .
و قبل ان يتسرب الاحباط الى النفوس جاء فتح الحساب الجاري لإنقاذ الجمعية ليخرج “شعب الافريقي طاقاته الكامنة و ليهب لتلبية نداء الواجب بكيفية ستحفظها ذاكرة الاجيال و سيتردد صداها في كل انحاء العالم .
يتجاوز ما قام به عشاق النادي الافريقي مجال الرياضة لانه يعكس الى حد كبير ما في الشعب التونسي من استعداد لرفع تحديات المرحلة شريطة ان تتوفر عدة شروط من اهمها التأكيد على علوية الانتماء للكيان على الحسابات السياسية و توفر مشروع واضح المعالم و شفاف في الية تسييره و التصرف فيه.
تقدم هذه الهبة نموذجا يمكن النسج على منواله في رهانات مجتمعية كالعناية بالمناطق الاقل حظا في التنمية او للاكتتاب في مشروع ضخم ذي فوائد اقتصادية و القطع بالتالي مع الاقتراض المفرط و هدر الاموال في سلوكات و مشاريع استهلاكية و استعراضية .
من وطأة الازمة فتح “شعب الافريقي ” افقا يمكن ان تستعيد من خلاله مشاعر الانتماء لتونس دورها في الاعداد للمستقبل و في اعادة النظر في اليات حوكمة المجال الرياضي الذي اصبح مرتعا لعديمي الخبرة و للراغبين في الاثراء الفاحش و لممارسات حادت به عن دوره الاجتماعي و الاقتصادي و حولته الى عبء على المجموعة الوطنية.
لا معنى لدخول تونس مرحلة جديدة دون اعادة النظر في القوانين المنظمة للنشاط الرياضي من خلال القضاء على الازدواجية و على منافذ يتسرب منه الفساد و الهدر و احباط الشباب.
ما يقوم به “شعب الافريقي” يجعل جمعيتهم اول جمعية رياضية مواطنية في تونس و يكرس ما يرتبط بالريادة من اقدام و مغالبة الصعاب و تحديها و تحويل لحظات المعاناة الى معبر للمجد و ما تاريخ النادي الافريقي الا لحظات متعاقبة من مجد المقاومة و الانجاز و فخر الانتماء فالأصل ثابت و الفرع يرنو الى السماء.
هشام الحاجي
Comments