الجديد

بعد لقائه الرئيس قيس سعيد .. خالد شوكات يكتب عن الرئيس الباجي قائد السبسي  

كتب: خالد شوكات
ثمّةَ أشياء ينكرها الناس في حينها، لكنَّ الوقت وحده كفيل بدفعهم للتفكير فيها ومراجعة مواقفهم منها، ومن الدروس التي تعلّمناها من تجارب الحياة أن لا نستعجل كثيرا على إقناع الناس بما نعتقده صوابا، وان نترك للزمن والتاريخ وظيفة الاقناع، فهُمَا أقدر على ذلك من أي شخص مهما ارتقى في مراتب العلم أو منحه الله موهبة حسن التقدير والتدبير والحكم والإدارة.
عندما التقيت الرئيس قيس سعيّد مؤخرا، أصررت على أن أذكرَ الرئيس الباجي قائد السبسي بالخير الذي يستحق، وأن أؤكد على افتخاري بالعمل إلى جانبه ووفائي للتوجهات الكبرى التي رسمها لمن تقاسم معه مسؤولية العمل في المشروع السياسي الذي أسسه.
قلت للرئيس المنتخب الذي تمنيت له النجاح والتوفيق في حمل الأمانة الثقيلة:” لقد كان سي الباجي ممن آمن بأنه لا يمكن بناء منظومة جديدة تراجعُ التاريخَ وتقيمُ النظام الديمقراطي وتحققُ التنمية الموعودة، الا بمشاركة أبناء المنظومة القديمة الذين قاموا بالمراجعة الضرورية وأنصتوا لصوت الشعب وارادته وأبدوا الاستعداد للانخراط في المنظومة الجديدة..
كذلك نجحت المنظومة الجديدة في البلدان التي توفّقت في تحقيق التحول الديمقراطي.. فقد اصر مانديلا على اشراك البيض، وكان أنصار فرانكو في اسبانيا وبيونيشيه في تشيلي والانظمة الشيوعية في اوربا الشرقية شركاء في بناء الأنظمة الديمقراطية الجديدة”.
الحقيقة ان ما ميّز التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي وساهم في نجاحها النسبي، ليس وجود روابط حماية الثورة مثلا، بل وجود رجل حكيم امن بالحوار الوطني وبالمصالحة الوطنية، وشعر بالمسؤولية ازاء أهداف الثورة وبالالتزام حيال الديمقراطية، رجل يسمّى الباجي قائد السبسي، فهو الذي أصرّ على كتابة سيناريو تونسي إبان احداث باردو، وهو الذي فرض التوازن السياسي الذي بدونه لكانت الموازين اختلت ولربما انفرط عقد التوافق الوطني الذي شكل قاعدة للعمل المشترك بين خصوم ما كان التعاقد بينهم متاحا في يوم من الأيام.
لقد واكبتُ برفقة الزعيم الباجي صعوبات تلك المرحلة الجمّة، وكنت من قلّة ربّما ادركت ما كان يتطلّع إليه.. كان يرمي حين أعلن الحرب على توجّهات الترويكا إلى السلام، لا الى حرب دائمة كما توهّم بعضهم، فهو لم يكن “اقصائيا” في حياته، وقد كان قبل أربعين عاما من اندلاع الثورة أول من طالب الزعيم بورقيبة بالإصلاح السياسي، وطيلة عقد السبعينيات ظل مناضلا من اجل الديمقراطية، قبل ان يصبح وزيرا في حكومة محمد مزالي التي كانت الأكثر جرأة في محاولة دمقرطة النظام البورقيبي.
عندما صعد بن علي للحكم لم يطق عليه صبرًا فقد غادر في اول فرصة، وظل مغضوبا عليه عشرين عاما الى ان نجحت الثورة، فتسلم مسؤولية الحكومة التي أشرفت على اخطر مرحلة في مسار الانتقال الديمقراطي.
وظل مخلصا للمبادئ التي امن بها، الحوار الوطني والمصالحة الوطنية والتوافق الوطني، فتونس لن تنجح برأيه الا اذا تعاون جميع ابنائها في تحمل مسؤولية ادارتها. خطاب الباجي كان في الغالب وسطيا معتدلا جامعا.
هذا النوع من الخطاب – رغم شبه الاجماع على صوابه- لا يروق أهل الأطراف، فالحوار والتوافق والمصالحة مفردات غير شعبية عند هؤلاء، في مقابل خطاب السب والشتم واللعن والتخوين والتفسيق والتكفير والاتهامات الباطلة المتبادلة والاحكام السلبية الجائرة والمزايدات على ثوابت الوطن وأركان الهوية الشعبية الجامعة.
وذاك هو سبيل الاصلاح طويل وشاق لأنه يتجاوز السياسي إلى ما هو أعمق، الى ما هو فكري وأخلاقي، ولهذا فنحن مصرّون على التشبث بالثوابت التي دعا إليها الباجي وعمل بها ما وسعته الحيلة وأتاح له المجال.
ولن نرى في التوافق والحوار والمصالحة الا سبيل الرشاد ولو كره المتطرفون والمتشددون من كل اتجاه ايديولوجي وعائلة سياسية، فما ينفع تونس هو البحث عن المشتركات لا توسيع رقعة المختلفات.. وقد كان الراحل رحمه الله يحبّ ترديد الآية الكريمة ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا..واذكروا نعمة الله عليكم اذ كُنتُم أعداء فَأَلَّف بين قلوبكم..”.
وهي آية التأصيل للمصالحة والتوافق والوحدة
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP