“النهضة”: “من الجماعة الى الحكم”، دستور 2014 .. تأكيد ادماج الاسلاميين في الحياة السياسية/ 12 من 30/
منذر بالضيافي
ما زاد في تعميق “أزمة الثقة” بين الإسلاميين وفئات واسعة من المجتمع، خلال فترة حكم التويكا، تمثل في تعمّد المجلس الوطني التأسيسي، تمطيط نشاطه وتحوّله إلى برلمان لا مجرّد مجلس مكلّف بكتابة الدّستور في أجل لا يتجاوز السّنة، مثلما تعاقدت عليه الأحزاب السياسية ومنها “النهضة”.
وهو تمطيط رأى فيه معارضو “النّهضة” ، بمثابة انقلاب على التّوافقات السّياسية التي حدّدت مهلة سنة واحدة للانتهاء من وضع الدّستور. واعتبروا تمطيط فترة المجلس الوطني التأسيسي، مردّها سعي الإسلاميين إلى البقاء أكثر ما يمكن في السّلطة، قصد التمدّد في مؤسّسات الدّولة والسيطرة على مفاصلها ، وعبرها التّخطيط للبقاء في الحكم، بعد تهيئة البيئة المؤسّساتية المساعدة على ذلك.
يبقي، أنّ الجوانب “المشرقة” في فترة حكم النّهضة، أنّها عرفت الانتهاء من صياغة دستور الجمهورية الثانية، الذي حصل حوله إجماع من قبل كافّة مكوّنات السّاحة التّونسية، بعد فشل كل محاولات “أسلمة” هذا الدستور، وهو ما جعله يحظى بإشادة دولية. عبّر عن حصول تفاهمات بين الإسلاميين الذين كانوا يمثلون الأغلبية في المجلس التأسيسي وبقية الحساسيات، توافقات نجم عنها صياغة “دستور هو الأوّل من نوعه (في العالمين العربي والإسلامي) بما يتضمّن من مواد تتمتّع بميزة قد تُعتبر معلماً فارقاً.
وهذا أكثر وضوحاً في الفصل الأوّل الذي يحدّد المبادئ الأساسية للدّستور التّونسي. فالمادّة الثانية، على سبيل المثال، تعرّف تونس بأنّها “دولة مدنية تستند إلى مبدأ المواطنة، وإرادة الشّعب، وعلوية القانون”، وهي (المادة) غير قابلة للتعديل في أي مراجعة مستقبلية للدستور. وبالمثل، المادّة السّادسة بالغة الأهمية لأنّها تمنع اتهامات الرّدة، وهي أوّل مادّة من نوعها في أيّ دستور في العالمين العربي والإسلامي”.) (
و”تحدّد مقدمة الدّستور التّونسي عدداً من المبادئ التي تعتبر أساسية للدّيمقراطية. فهي تحتضن فكرة الدّولة المدنية، والشّعب كأساسين للشرعية، ومفهوم التّعددية. وتعتبر حياد الدّولة والحوكمة الرّشيدة أساسا للتنافس السياسي. ومن خلال الدستور، تضمن الدولة بأن الحريات الأساسية، وحقوق الإنسان، واستقلالية القضاء والمساواة بين المواطنين، نساء ورجالا، في الحقوق والواجبات، سيتم احترامها.
علاوة على ذلك، يعترف الدّستور “بأن المعارضة السّياسية عنصر رئيس في أي نظام سياسي(المادة 60)، وأنّ الهيئة القضائية المستقلة ضرورة لتعزيز الحكم الدّيمقراطي. والحال أنّ مختلف الأحزاب السّياسية ناضلت طويلاً وبقوة للحصول على هذا الاعتراف. كما أنّ الوثيقة تُلزم الدّولة بتأسيس عدد من الهيئات المستقلة، بما في ذلك اللّجنة الدّستورية لحقوق الإنسان، واللّجنة الدّستورية للتّنمية المستدامة وحقوق الأجيال المستقبلية، واللّجنة الدّستورية للاتّصالات المرئية والمسموعة التي ستُشرف على الإعلام” .( )
ويُحسب لحركة “النّهضة”، توفّرها على مرونة سياسية وأيضا إيديولوجية، ترجمت من خلال توافقات سمحت بالوصول الى الصّياغة النهائية للدّستور، وهي التي سبقت بإعلانها التّخلي عن تضمين “الشريعة” في الدّستور والاكتفاء بالفصل الأول منه ، وهو ذات الفصل الأوّل من دستور سنة 1959، الذي ينصّ بوضوح على هوية الدّولة التونسية.
وبيّن راشد الغنوشي، أنّ عبارة تونس دولة إسلامية، عبارة يتّفق عليها الشعب التونسي و هي موجودة سابقا و قد استفتي عليها الشعب ووافق. بينما عبارة الشّريعة الإسلامية، قد نالها التّشوية و التّرهيب و التّخويف، و ترسّخت لدى الشعب التّونسي، بعض المفاهيم الخاطئة عنها ،فهناك من يعتبرها مرادفة للإرهاب.
وهذا ما يدعم، تصوّر صاحب نشأة الحركة الإسلامية في تونس، يتمثل في كون الإسلام السّياسي لم يدخل السّاحة مطالبا بتطبيق الشّريعة الإسلامية، أو بتنفيذ الحدود وتعديل قانون الأحوال الشّخصية، التي يعتبرها الغنّوشي تندرج ضمن الاجتهاد الإسلامي، وهي التي تقيّد تعدد الزّوجات، على خلاف ما هو معمول به في جل البلدان الإسلامية. ويتمسّك الغنوشي بأنّ معركتهم منذ البداية، هي معركة الحرية.
ولعلّ قبول “النهضة”، بإسقاط قانون العزل السياسي، الذي كان يستهدف قطاعا واسعا وكبيرا من التّونسيين، من الذين سبق لهم وأن اشتعلوا مع النظام الذي قامت عليه الثورة، يعدّ من القرارات المهمّة، التي سمحت بحصول توافق سياسي، قوامه تشكيل حكومة مستقلة أشرفت على المرحلة الانتقالية الأخيرة، وأعدّت وأشرفت على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت سنة 2014، كما سمحت أيضا، بخروج آمن للإسلاميين من الحكومة، مع البقاء في دائرة الحكم سواء خلال فترة الحكومة المستقلّة، أو في الحكومة التي شكلّت بعد الانتخابات البرلمانية (سنة 2014).
Comments