انتخابات تغير العالم: القاسم المشترك بين الانتخابات في فرنسا وبريطانيا وأميركا / تحليل اخباري/
متابعة: منذر بالضيافي
اكتساح حزب العمال البريطاني الانتخابات ( يسار وسط ) ، واستعداده لحكم البلاد بعد 14 سنة من حكم المحافظين، و بروز الجبهة الشعبية الجديدة ( يسار معارض لسياسة ما كرون الليبرالية) كلاعب رئيسي في فرنسا، كلها مؤشرات دالة على بداية عودة اليسار الأوروبي للصدارة في مواجهة المد اليميني الشعبوي.
فهل هي عودة الروح و الفاعلية السياسية لليسار التقليدي؟ وهل سيكون تصاعد اليمين في أوروبا وغيرها مجرد حادث طريق ؟
الثابت، أننا مقبلون على صناعةعالم جديد، لن يكون خارج الرأسمالية الاقتصادية و الديموقراطية كإيديولوجيا و أسلوب ومنهج حكم.
لأول مرة في التاريخ الحديث تعقد فيه بريطانيا وفرنسا انتخابات وطنية في توقيت متداخل خلال أسبوع واحد. وفي تحليله لما آلت إليه الانتخابات في البلدين، قال الصحفي دان بيري في مقال بمجلة نيوزويك الأميركية إن النتائج جاءت متشابهة، مثل تشابه الدولتين، ولكنها أيضا كانت متباينة تماما حيث اتجهت بريطانيا يسارا، ومضت فرنسا نحو اليمين.
غير أن كاتب المقال، الذي يعمل محررا بوكالة أسوشيتدبرس، أوضح أن القصة الحقيقية وراء هذه النتائج تكمن في أن الناخبين في كلا البلدين ضاقوا ذرعا بالمجموعة الحاكمة من السياسيين الذين لم يرق أداؤهم إلى مستوى التوقعات ولم يكونوا فاعلين.
أوجه الشبه بين الانتخابات في فرنسا وبريطانيا وأميركا مذهلة، ففي كل منها هناك ردة فعل عكسية ضد الهجرة الجماعية وخيبة أمل من العولمة وغضب من النخب المهيمنة لعدم صدقها فيما يتعلق بالأضرار التي تلحقهما هاتان الظاهرتان بجموع الناس العاديين.
على أن أوجه الشبه بين الانتخابات في البلدين وبين ما يحدث في الولايات المتحدة الأميركية “يعد أمرا مذهلا”، بحسب الكاتب.
ففي كل مكان -وفق المقال- هناك ردة فعل عكسية ضد الهجرة وخيبة أمل من العولمة، وهو ما أثار الغضب من النخب المهيمنة لعدم صدقها فيما يتعلق بالأضرار التي تلحقهما هاتان الظاهرتان بجموع الناس العاديين الذين لا توجّهه لهم الدعوات لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعقد سنويا في منتجع دافوس بسويسرا.
معارضة التغييرات
ولفت بيري إلى أن هناك معارضة، في كل مكان، للتغيرات التي تطرأ على ثقافة المجتمعات جراء تدفق أعداد كبيرة من الوافدين الجدد إليها.
ويزعم الكاتب أن العديد من الفرنسيين يريدون الحفاظ على هويتهم، مثلما أغلب الإنجليز الذين يريدون الشيء نفسه.
ولهذا السبب، هاجم التجمع الوطني اليميني بزعامة ماريان لوبان مؤيدي الرئيس ماكرون على الرغم من أن وجود المهاجرين كان مفيدا للاقتصاد الكلي، حسبما ورد في مقال نيوزويك.
وقد حصل حزب التجمع على ثلث الأصوات مقابل 21% لماكرون، ومن المرجح أن يفوز بأكبر عدد من المقاعد في الجولة الثانية من التصويت.
وسيبقى ماكرون في السلطة، ولكن بعد تفوق كتلة يسارية على حزبه تعارض إصلاحاته المؤيدة لاقتصاد السوق، ويصبح إذن مثل “بطة عرجاء”، وهو مصطلح سياسي أميركي يطلق على الرئيس في السنة الأخيرة من ولايته.
ولن يستطيع ماكرون -والحديث ما يزال للصحفي بيري- الترشح مرة أخرى، ولربما ينتهي الأمر باليمينية لوبان بأن تتولى الرئاسة في عام 2027.
أما الانتخابات البريطانية، فتبدو للوهلة الأولى “مربكة”، إذ تحولت البلاد إلى حزب العمال الذي ينتمي إلى يسار الوسط.
فقد حقق حزب العمال البريطاني انتصارا ساحقا في الانتخابات التشريعية يوم الخميس الفارط، لينهي بذلك 14 عاما متتالية من حكم المحافظين، وفاتحا الأبواب أمام زعيمه كير ستارمر ليصبح رئيسا للوزراء.
وفي قراءته للتصويت لصالح حزب العمال، يرى بيرى أن الناخبين البريطانيين عاقبوا المحافظين لأنهم “لم يكونوا يمينيين بما فيه الكفاية”، حيث زادت الهجرة إلى بلادهم في السنوات الأخيرة من حكمهم.
وأشار الكاتب إلى أن الاقتصاد البريطاني تعرض لضربة قوية، وتشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سيكون أقل بنسبة 10% على الأقل عما كان ليصبح عليه بدون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، وارتفعت معدلات الهجرة بالفعل، لكنها الآن تأتي من العالم النامي بدلا من أوروبا الشرقية.
وفي فرنسا، يكتسب الغضب إزاء الهجرة صبغة خاصة، لأنه يُحظر، قانونا، على الدولة جمع البيانات العرقية والإثنية، وبالتالي “لا نستطيع إلا أن نقدر عدد غير الأوروبيين والمهاجرين الآخرين” الذين يعيشون في فرنسا، وتبلغ نسبتهم، رسميا، حوالي 10%؛ ويشعر الفرنسيون أن الرقم الحقيقي ضعف ذلك وفي ازدياد سريع.
وقد يذهل هذا الأميركيين، الذين يجدون أنفسهم يعيشون في مجتمع “مهووس بالعِرق”، حيث يقتضي كل طلب للحصول على وظيفة معلومات عن العرق والجنس، على حد قول بيري، الذي يضيف أن الأميركيين على دراية بأن بلادهم تغيرت بسبب حدودها التي يسهل التسلل لها من خلالها في الجنوب، ومن الواضح أن الكثيرين منهم لا يحبون ذلك.
Comments