الجديد

انهيار مكاسب دولة الاستقلال .. التلقيح نموذجا !

هشام الحاجي

ليس التصدي للأمراض و الأوبئة أمرا فرديا لأنه يرتبط منذ بدايات الإجتماع الإنساني بطريقة إدارة الشأن العام، و بما يرتبط بعملية التصدي من معتقدات، و ما يتوفر لها من امكانيات و ما ترسمه من سياسات.

و يبدو الأمر أكثر وضوحا حين يتعلق الأمر بمواجهة الأوبئة التي لعبت دورا هاما في مسار تطور المجتمعات.

لا نريد أن نتوقف عند أهم مراحل هذه العلاقة بل أن نبحث من خلال المقارنة بين تعامل تونس في مرحلتين مختلفتين من تاريخها الحديث مع الأوبئة و التلاقيح.ترتبط المرحلة الأولى بما بعد الإستقلال مباشرة، و هي مرحلة غالبا ما يقع التركيز عند الحديث عنها على مجلة الأحوال الشخصية و مجانية التعليم و تعميمه،  و نتناسى الجهد الكبير الذي بذلته الدولة الوطنية الناشئة في تلقيح التونسيين، و وضع منظومة صحية متكاملة و ناجعة.

منظومة نجحت في مواجهة عدد من الأوبئة و الأمراض السارية التي كانت تعصف بحياة أعداد كبيرة من التونسيين و التونسيات.

انخرط الزعيم الحبيب بورقيبة في هذه المعركة التي لم يكن الكثيرون يعتبرونها معركة جديرة بالأولوية، و إستطاع أن يخلق لها ديناميكية مجتمعية لافتة، جعلت من رجل التعليم و رجل الصحة ” جنودا ” في معركة تركت أثرا إيجابيا على المجتمع، و ” وسما” في أجساد و ” اكتاف” ملايين من التونسيين و التونسيات .

كانت الدولة الوطنية تؤمن بالحداثة و بأهمية ” العلم و العمل ” ، قبل أن يتراجع أداؤها .و لكن من المفارقات أن دولة ” الثورة ” التي قامت على نسف مكاسب الدولة الوطنية لا يتورع ممثلها عن ” التباهي ” بأنه لا يؤمن بالتلقيح و جدواه بعد أن ساهم ضمن ” تعنته ” المعروف في تأخير ختم مشروع قانون لاقتناء اللقاح.

موقف قيس سعيد يكشف لوحده حجم التراجع الكبير في أداء أجهزة الدولة و هو تراجع خطير خاصة في ظل مواجهة وباء لم يسبق للإنسانية أن واجهت مثيلا له في الخطورة في السنوات الأخيرة.

اضاعت الطبقة السياسية المشرفة على مقاليد الأمور من خلال تعاطيها المرتبك مع وباء الكورونا و مع حملة التلقيح فرصة إعادة بناء جسور الثقة مع المواطنين، إذ تناسوا أن حملة التلقيح تعني بالنسبة للمواطنين فرصة لإنقاذ حياتهم، من خطر كبير يتربص بهم و لإعادة بناء المنظومة الصحية، و لم يفكروا إلا في أنفسهم و في تبرير التفافهم على معايير و إجراءات وضعوها بأنفسهم.

تطال شبهات التلاعب رئاسة الجمهورية و الحكومة و مجلس نواب الشعب، و لم يكن إضراب الأطباء في هذا الظرف بالذات إلا قطعة ” الكرز ” فوق قطعة المرطبات كما يقول المثل الفرنسي.

أكد اضراب الأطباء عمق المشكل القيمي و الأخلاقي في مجتمع تتفكك يوميا الاسس و الأطر الكبرى التي تجمع أفراده،  و يتذرر  إلى اسلاك و قطاعات و مهن منغلقة على نفسها،  و لا تفكر إلا في انتهاز الظرف للاستفادة المالية و المادية.

لا يمكن مقاومة الكورونا في حالة من التراخي الإجتماعي و الأٔنانية القطاعية و الاستهتار المعمم الذي يسود و بدرجات متفاوتة من أعلى الهرم حتى أدنى درجاته.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP