بالمناسبة: هل تصمد الديمقراطيات زمن الكورونا؟
المنصف عاشور
في البداية ، وفي متابعة لما يجري في العالم اليوم وهو يمر بأزمة حادة وعنيفة نتيجة تفشي وباء فيروس الكورونا العابر للقرات وغير العابئ بالحدود مخترقا الدول والمجتمعات والأجناس، يبدو وكأنه يرجع للإنسان بضاعته وصنيعته التي لطالما تبجح بمزاياها وافضالها على الناس ألا وهي العولمة قائلا لهم بضاعتكم ردت إليكم .
نعم كل شيء تقريبًا تعولم في عالمنا اليوم حتى أصبحت البشرية تعيش في ما سمي بالقرية الصغيرة وحول منظومة فكرية واحدة . أزمة الاقتصاديات و تنامي التيارات الشعبوية والنزعات الاستقلالية والسيادية المتعصبة تعولمت ، حتى الأوبئة تعولمت والكورونا اكبر مثال .
ولهذا السبب وجب علينا التسلح بمقاربة عامة وشاملة ومتعددة الأبعاد تنطلق من الخاص اي الوطني وتنخرط في الوضع الذي تعيشه البشرية جمعاء . لا مكان لحلول و لمقاربات محلية أو جزئية تحجب نظرها على المستجدات الدولية .
كما انه لا مجال في الفصل بين الآني والمستقبلي او الأجل والعاجل . لا معنى ولا جدوى من إدارة أزمة الكورونا على أولويتها وخطورتها خارج منظور مجتمعي شامل قادر على تجاوز المكبلات والمعوقات و كل ما افسده الدهر لحشد اوسع الطاقات لمواجهة المخاطر التي أضحت تهدد كيان الدول والمجتمعات والشعوب وحضارات وثقافات واديان وقيم بأكملها .
انه تسونامي بأتم معنى الكلمة . الكورونا تستهدف في المرتبة الأولى الأشخاص والمجتمعات الهشة والمريضة وضعيفة المناعة و قليلة الحصانة .ودون مبالغة يذهب عديد الملاحظين الى القول بان الكورونا تنمو وتتعزز و تنتشر بسرعة في الدول والمجتمعات العريقة في الديمقراطية والتقدم بينما فشلت في الدول والمجتمعات المحكومة بقبضة من حديد وبالخصوص في البلدان المعروفة عند البعض بثقافة الانضباط و الجدية والسلوك الجماعي او بالخنوع والانقياد للمنظومة الحاكمة عند البعض الاخر .
ونقصد هنا طبعًا المجتمعات الآسيوية (الصين و كوريا و اليابان ) . النخب الفكرية في العالم المتقدم لا تنتظر نهاية الأزمات وغلق القوسين كما يقال لطرح الأسئلة الحارقة الوجودية والفكرية والسياسية .
العارفون بأسرار عالم المال والأعمال يقولون ويؤكدون باستمرار بان احسن الأوقات للقيام باستثمارات يكون في خضم الأزمات . وهو ما ينطبق في اعتقادي كذلك على عالم السياسة والمعرفة تأكيدا لمقولة قديمة “الأدب مأساة او لا يكون “للأديب المرحوم محمود المسعدي .
وهو ما يعبر عنه بما بعد اليوم او بالغد الآتي هو الذي يجب ان يكون الأفق النظري والسياسي لكل مقاربة شاملة وبعيدة المدى . المستقبل يصنع اليوم ، بإنقاذ الحاضر صحيح ولكن بالإعداد لما هو قادم من تحديات جديدة .
لعل من فضائل الكورونا انها كشفت المستور دوليًا ووطنيًا نخبا وشعوبًا . كشفت عديد السلبيات ولكن كذلك كشفت ايجابيات كثيرة . أفرزت صعوبات جماء ولكنها وهذا الأهم قد توفر فرصا جديدة للإنسانية قاطبة لمراجعة اختياراتها وانظمتها ومرجعيتها وقيمها وعلاقاتها .
فهل نحن قادمون على نظام دولي جديد ما بعد الكورونا ؟ يشمل القضايا الغذائية برمتها روحًا وجسدًا ؟ وكيف سيكون التقسيم الدولي الجديد و تشكل المجموعات الدولية الجديدة ؟ وعلى اي أساس ستقوم ؟ وما هي الأجوبة الفكرية والسياسية الجديدة لإشكاليات الديمقراطية والتنمية والثقافة والعلم والأمن في العالم؟ . وكيف ستكون علاقة الفرد بالمجتمع وبالدولة ؟ وهل سيصمد النظام الأممي والمتعدد الأطراف مع تنامي مظاهر النزعات والتيارات الخارجة عن السياق الدولي الجامع ؟؟ هل نحن على أبواب جيل جديد من المنظومات الفكرية والقيمية ؟.
ربما يعتقد البعض ان هذه الأسئلة وغيرها سابقة لأوانها وأنه سياتي وقتها لاحقًا .ساعته قد تكون الأمور حسمت وفاتنا الركب ، ركب الحضارات التي صمدت وخططت واستعدت واستثمرت . لعل الحصر الصحي الشامل الذي تعيشه العولمة في هذه الأيام والفرد معًا يأتي ببعض الأجوبة …
سنرى؟
Comments