الجديد

بين أمريكا وقيس سعيد .. الدعم مقابل الديمقراطية

منذر بالضيافي

بعد قرارات 25 جويلية 2021، والمتمثلة في تفعيل الفصل 80 من الدستور، وفق قراءة يجمع الجميع على أنها “موسعة جدا”، والتي تم بموجبها تجميد عمل البرلمان و رفع الحصانة عن النواب و إقالة الحكومة، تصاعد بشكل كبير الاهتمام الاقليمي والعربي والدولي بتونس.

خاصة من قبل الادارة الأمريكية الديمقراطية، التي تعتبر من أهم “الراعين” لما عرف ب “ثورات الربيع العربي”، التي انطلقت من تونس في جانفي 2011، وبدأ معها مسار انتقال ديمقراطي، توقف في العديد من الأقطار العربية، ودخل مرحلة “الموت السريري” في تونس، بعد قرارات الرئيس سعيد الأخيرة.

يبقى السؤال المهم واللافت للانتباه داخل وخارج تونس، هو التالي: لماذا كل هذا الاهتمام الأمريكي بتونس و “بديمقراطيتها” التي أصبحت تنعت ب” الفاشلة” و “الفاسدة”، والتي لم تعد لها حاضنة مجتمعية تسندها وتدافع عنها؟

هناك اهتمام امريكي كبير بما حصل في تونس، سواء من قبل الادارة الأمريكية أو من قبل مجلس الشيوخ وكذلك النخب والاعلام ومراكز البحث القريبة من الادارة الأمريكية،  تجلى هذا الاهتمام من خلال الدعوة الى العودة  للمسار الديموقراطي.

مطلب أمريكي، قوبل – الى حد الان – بموقف ثابت من الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي شدد أثناء قبوله لوفدين أمريكيين هامين ( الأول رسمي والثاني برلماني)، في أقل من شهر، على نفي وصف ما اقدم عليه “بالانقلاب”، مشددا على انه تحرك في اطار الدستور، وفي سياق كان يهدد الدولة، وفق تعبيره.

في الاثناء يمر الوقت بسرعة، مر اليوم 40 يوما على “واقعة 25 جويلية”،  ومعه تتراكم ازمة البلاد خاصة الاقتصادية، مع تزايد المخاوف الامنية في المنطقة ( الحدود الجنوبية مع ليبيا)، والصحية في ظل تواصل تهديد مخاطر الوباء،  هذا فضلا عن المشاكل الاجتماعية، التي قد تنذر بانفجار اجتماعي، لن يؤخره  “التفويض الشعبي” للرئيس سعيد، والذي هو في جزء كبير منه، ترجمة لحالة الغضب من أداء وحصيلة منظومة حكم عشرية “الثورة” و”الانتقال الديموقراطي”.

كما تجدر الاشارة، الى أنه  وبعد  “نشوة 25 جويلية”،  بدأ عدم اليقين وحتى الشك يغرس في الأذهان في تونس وخارجها. و يبدو أن الحملة الانتخابية غير النمطية للمرشح قيس سعيد أدت إلى ظهور رئاسة غير نمطية. فإلى أي حد ستكون هذه  الادارة الغير  نمطية  قادرة على تسيير الواقع التونسي المعقد وعلى مواجهة  الانشغالات الدولية؟، وهو السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح و بحدة كلما تقدم الزمن وبقت الأوضاع على حالها في وضعية عطالة ودون حكومة تسهر على ادارة البلاد والتعامل مع الخارج ومخاطبته وطمأنته.

لكن في المقابل، يبقى دائما ميزان القوى الداخلي هو المحدد، فالقوى الاجنبية تضغط ماليا و ديبلوماسيا و لكنها لا تفرض حلولها بالقوة و تترك الوضع ينضج و تنتظر ما سيسفر عنه الواقع. وهنا نشير الى أن موازين القوى الحاية ترجح لفائدة الرئيس قيس سعيد، مستفيدا من تفكك منظومة الحكم التي قادت البلاد خلال العشرية الأخيرة، والتي اصبحت محل رفض مجتمعي، بسبب فشلها السياسي وسقوطها الأخلاقي، خاصة تيارها الرئيس حركة النهضة الاسلامية.

بالعودة للأمريكان، فان الاهتمام “المبالغ فيه” بالشأن التونسي، وحتى وان فهم منه البعض على أنه يرتقي لضغط  على الرئيس التونسي وانتصارا لجهة حزبية وسياسية ( الاسلاميون)، فان اصحابه وهم العارفين جيدا بما يجري، لا يمكن لهم اسقاط من  حساباتهم الواقع على الأرض، ونعني هنا “الشرعية الشعبية” للرئيس قيس سعيد،  التي اصبحت تفوق “الشرعية الدستورية”، وهذا ما التقطه جيدا الرئيس سعيد، وركز عليه في محادثاته مع الوفود الامريكية، التي تقاطرت على بلادنا.

اذ بين الرئيس سعيد،  ان تحركه يوم 25 جويلية كانت غايته انقاذ الدولة، وهو ايضا والاهم استجابة ل “مطلب شعبي”، كبير ومتعاظم،  وبالتالي فانه قام بما يمليه عليه الواجب الوطني، وايضا الدستوري (الفصل 80 من الدستور وفق قراءته التي لا ينازعها أحد في غياب المحكمة الدستورية).

لذلك يشدد قيس سعيد، على ان كل ما قام به في اطار الدستور، واستجابة لمطلب شعبي متزايد، وهنا نفهم مضمون ما غرد به السيناتور الأمريكي كريس مورفي على حسابه في التويتر ” ، مباشرة بعد مغادرته قصر قرطاج:

‏”انتهيت لتوي من لقاء الرئيس التونسي قيس سعيد في قصر قرطاج .. ها هي قراءتي السريعة:

1/

الحث على العودة السريعة إلى المسار الديمقراطي والإنهاء السريع لحالة الطوارئ. لقد أوضحت أن مصلحة الولايات المتحدة الوحيدة هي حماية وتعزيز ديمقراطية واقتصاد سليمين للتونسيين.

2/

نحن لا نفضل أي طرف على آخر وليس لدينا أي مصلحة في دفع أجندة إصلاحية على أخرى، على التونسيين أن يقرروا في هذه المسائل.

3/

أكدت له ان الولايات المتحدة ستستمر في دعم ديمقراطية تونسية تستجيب لاحتياجات الشعب التونسي وتحمي الحريات المدنية وحقوق الإنسان”

 

هذا الموقف “الديبلوماسي ” واضح وخال من كل “مخاتلة”، و لا يقبل التأويل أو أكثر من قراءة،  من جهة الاصرار على الدعوة الملحة لعودة “المسار الديمقراطي”، وهو مطلب يرتقي الى “شرط ضروري” لدعم تونس في المستقبل، لكن هذا لا يعني أبدا توقيف المساعدات والقروض، بينما هو ” شرط مبدئي” غايته ايضا تحسين شروط التفاوض والضغط، خصوصا وهو صادر عن “الديمقراطيين”، لذلك على قصر قرطاج أن يأخذ هذا الأمر بجدية، فهو في تقديري ليس “كلام للاستهلاك الاعلامي والسياسي”، فالحزب الأمريكي الحاكم حاليا ( الحزب الديمقراطي)، تعد المسألة الديمقراطية في عقيدتهم، وهي بالنسبة لهم نمط حضاري لا يمكن التفريط فيه أو التنازل عنه.

وبناء عليه، فان الادارة الأمريكية الديمقراطية الحالية، ستبقى  في وضع المراقب لتطورات المشهد التونسي على الارض،  كما ان دعمهم  المالي والعسكري والأمني، وهو مهم جدا بالنسبة لتونس، خاصة في زمن الأزمة المعقدة التي تمر بها البلاد، سيبقى دائما مقرونا بضرورة العودة للديموقراطية، التي لا تعني فرض “أجندا” بعينها، بل هي متروكة للسلطة والمجتمع، وهنا أتوقع أن خطاب الرئيس سعيد أمام الوفد الأمريكي فيه طمأنة بالعودة للمسار السياسي الطبيعي، في اقرب وقت ممكن.

والالتزام بحماية مصالحهم، والتي لا اتوقع ان القصر يفكر في تهديدها، وهو الذي حرص في لقائه الأخير بنواب الكونغرس، على ان يكون خطابه اكثر دبلوماسية، مؤكدا على عمق الروابط الاستراتيجية مع واشنطن، وبالتالي  فانه ليس في وارد  “المغامر ة” بالمس بما يدرك انها محرمات امريكية، في علاقة بالمصالح الأمريكية في المنطقة، في ظل تصاعد التمدد والمخاطر الصينية والروسية، التي تزعج الأمريكان وكذلك حلفائهم العرب، الذين لا يفكرون في فك الارتباط الاستراتيجي مع “العم سام”.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP