تحرك 14 جوان: حراك احتجاجي اخر “فاشل” .. و “عسكرة” غير مبررة لساحة باردو
علاء حافظي
تمخض ” الإعتصام الموعود ” ( اليوم الأحد 14 جوان 2020 ) فأعاد إنتاج نفس مكونات المشهد السياسي بكل مكوناته و سماته و هو ما يعني أنه لم يكن في نهاية الأمر أكثر من تحرك متسرع لبعض الذين اغراهم الظهور المتكرر في بعض القنوات التلفزية و جعلهم يعتقدون أنهم قد تحولوا إلى صناع و قادة رأي يملكون القدرة على “حشد الجماهير ” و تحريكها في الوجهة التي يريدون و أنه بالإمكان استنساخ تجربة إعتصام الرحيل التي عرفتها ساحة باردو صائفة 2013.
لكن فات هؤلاء أن الظرف غير الظرف و أن ” القيادات ” غير القيادات، ذلك أن المجلس الوطني التأسيسي قد تجاوز في صائفة 2013 مدة العهدة التي وقع انتخابه من أجلها و أخذ ” يماطل ” في صياغة الدستور و هو ما دفع قيادات سياسية وازنة على رأسها المرحوم الباجي قائد السبسي للتحرك و إلى الإعلان عن ” إعتصام الرحيل ” .
في المقابل فان البرلمان الحالي هو في بداية عهدته و حتى ما شاب أداءه من شوائب فإنها لا تمثل لحد الآن سببا وجيها للدعوة إلى حله علاوة على أن الإحترام المبدئي لدعاة إعتصام الرحيل في نسخته المشوهة لا يمنع من القول أنهم يفتقدون من الناحية الموضوعية للحد الأدنى من الإشعاع و من وضوح الرؤية و تكفي قراءة بيان الدعوة للاعتصام للتأكد من ذلك.
إذ كان دون المطلوب في مضمونه و زادت الأخطاء اللغوية الفادحة في التأكيد على أن الواقفين وراءه هواة في الممارسة السياسية أو ” قناصون ” لبعض السياقات الإقليمية من أجل ” التخندق” في أحد المعسكرات و هو ما تجلى في بعض المطالب المسقطة و غير القانونية كتحجير السفر على رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي و هو مطلب يجد بكل تأكيد “أصداء إيجابية ” في بعض العواصم العربية التي تحولت بعض قنواتها إلى منصة دعاية للاعتصام و تحريض على حركة النهضة و قياداتها و هو ما أضعف من مصداقية الإعتصام.
وبالتالي وضعه ضمن مخططات استهداف التجربة التونسية و هذا ما روجت له جهات في تونس ممثلة في الحكم دون أن تقدم لحد الآن أدلة و معطيات حول مخططات لضرب الإستقرار في تونس.
لا شك أن التمادي في الحديث عن المؤامرات و المخططات دون تقديم الأدلة و الحجج سيؤدي إلى فقدان هذا الحديث القدرة على التأثير تماما كما فقدت الرواية التي قدمها رئيس المجلس البلدي بباردو منير التليلي لأسباب إغلاق الساحة المركزية لباردو القدرة على الإقناع إذ تذرع بالسعي للحفاظ على جمالية الساحة و على تطبيق إجراءات الحجر الصحي الموجه التي أصبحت تقريبا في حكم الملغاة.
و هنا تطرح مسألة الإغلاق نفسها في علاقة بما بقي للتجربة التونسية من دواعي افتخار إذ ظلت الحرية السياسية هي المكسب اليتيم و لكن عدة مؤشرات تذهب في إتجاه التأكيد أن هذا المكسب قد لا يصمد طويلا إذا ما وقع المساس به كل مرة و بتعلات واهية و لا يمكن الإعتماد عليها خاصة و أن عدد الذين تحولوا اليوم إلى باردو لم يتجاوز العشرات و أن التواجد الأمني المكثف كان كفيلا بحمايتهم و بحماية الساحة و بجعلهم يحترمون القانون و كان كفيلا خاصة ب” حرمانهم” من إمكانية تفسير فشل تحركهم بما وجدوه أمامهم من قرار منع بلدي و من طوق أمني مكثف.
تطبيق القرار البلدي بغلق الساحة و هذا الأسلوب في الإعتماد المكثف على الأمن بطريقة غالبا ما تكون غير مناسبة و غير متكافئة مع حجم الحدث يعيد إلى البال أحد أهم أسباب إنهيار النظام السابق إذ كان يخفي وراء هذا التمشي عدم قدرة على قراءة موضوعية للواقع بما فيه من “فرص” و ” مخاطر ” و ميلا لصناعة أبطال من ورق.
Comments